عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    15-Jun-2025

المنطقة تغيرت فعلا*مكرم أحمد الطراونة

 الغد

الاعتداء الكبير الذي شنّه الكيان الصهيوني على منشآت وشخصيات إيرانية فجر الجمعة، كان مجرد حلقة صغيرة في سلسلة طويلة من التخطيط والاعتداء والتخريب، امتدت على أكثر من ثلاثة عقود، نالت من جميع دول المنطقة، لتصبح بلدانا هشة أو فاشلة تستسلم لقدرها عند أول اختبار حقيقي.
 
 
وزيرة الخارجية الأميركية السابقة، كونداليزا رايس، والتي وقفت فوق شلال الدم اللبناني والعراقي والفلسطيني، لتعلن أن آلام حرب تموز في العام 2006 التي شنها الكيان على لبنان، هي "ولادة قاسية"، لم تكن تتنبأ بالأمر، بل كانت تقرأ من كتاب "الشرق الأوسط الجديد"، والذي تم تأليفه بتحالف بين الإمبريالية الغاشمة والصهيونية النازية، باستلهام النماذج الأكثر وحشية في التاريخ الإنساني بأكمله.
 
الأمر بدأ بتفكيك العراق واحتلاله تحت ذرائع كاذبة جرى تزويرها في "مختبرات" التدليس العالمية، ليصل القطر الشقيق إلى مرحلة عدم التجانس المجتمعي، والفشل السياسي، والتي لعبت إيران فيها دورا كبيرا بتواطؤها مع الولايات المتحدة، وصولا إلى مرحلة التقسيم التي ربما سنشهدها قريبا.
في الأثناء، كانت المختبرات الغربية "تهندس" لظاهرة جديدة، أسمتها زورا وبهتانا "الربيع العربي"، والتي عصفت بدول المنطقة جميعها، وأسقطت أنظمة سياسية، وزعزعت استقرار دول عديدة، ليصبح الأمن هو أبرز ما تم افتقاده في هذه المرحلة الآثمة.
منذ أحداث السابع من أكتوبر، بدا واضحا أن الكيان الصهيوني يريد الاستفادة من اللحظة التاريخية حتى أقصى مدياتها من أجل تسريع تنفيذ المخططات الموضوعة في الأدراج. وبصفته رأس حرب متقدمة للإمبريالية العالمية المتوحشة، أخذ على عاتقه السير بالتنفيذ، ناشرا الموت والدمار في جميع المنطقة، وساعيا إلى تحقيق حلم الصهيونية القديم المتجدد بـ"إسرائيل الكبرى"، سواء كان ذلك باحتلال فعلي، أو ببسط النفوذ الذي تحكمه القوة.
المنطقة تغيرت فعلا؛ فما كان يمكن أن يقال عن توازن قوة في الإقليم، وعن معادلات الردع القديمة، انهار بشكل دراماتيكي، لينفرد الكيان وحيدا للعب دور الشرطي، والقوة التي لا تنازعها قوة، خصوصا مع الانسحاب الاختياري للقوة الوحيدة في المنطقة والتي يمكن أن توازن كفة الأمور، وهي "تركيا الأردوغانية"، التي لم تفعل أي شيء يذكر خلال العدوان الممتد لحوالي سنتين على غزة، ولا تداعياته على الضفة الغربية ولبنان واليمن وإيران، ومن الواضح أن هناك "قبولا"، أو رضا ما عما يقوم به الكيان من تخريب في الإقليم، إذ يبدو أن الدولة التركية اكتفت من "الغنيمة" ببسط سيطرتها المطلقة على الدولة السورية الجديدة، ولم يعد يعنيها من أمر المنطقة أي شيء.
الضربة الصهيونية لإيران كانت موجعة حقا. ومع تمكنها على الرد على تل أبيب، لكن حتى الآن، لا يمكن الجزم بمدى تأثير الضربة على خطط طهران النووية، أو برنامج تسليحها، وعلى قدرتها في الامتداد داخل البلدان التي بنت لها نفوذا فيها، وهي القدرة التي تأثرت فعلا خلال العشرين شهرا الماضية، وخسرت فيها واحدا من أذرعها المهمة؛ حزب الله، الذي تعرض لضربة قاسية أطاحت بقياداته وتسليحه، كما خسرت الساحة السورية التي تغير النظام فيها.
لكن، ومن الناحية الأخرى؛ فهناك دول وشعوب في المنطقة تريد أن تعيش بأمن وسلام، وهي لا تريد أن يظل الشرق الأوسط مرهونا لقوى مجنونة متناحرة، تتحارب بعد كل خطاب رنان، أو مؤتمر صحفي، لتصبح الشعوب هي حطب تلك الحروب العبثية التي لم تفعل شيئا سوى زيادة الأمور سوءا.
التصعيد الخطير الذي تشهده المنطقة يجب أن يجد أطرافا راشدة قادرة على لجمه، وفي أسرع وقت ممكن، وإلا فإن المنطقة لن تكتفي بأن تتغير، بل هي مرشحة للانتهاء والفناء.