إدارة ترامب تراوح بين دعم إسرائيل واحتواء التصعيد
الغد
عواصم- تتشابك التوجهات الأميركية في إدارة المواجهة بين إسرائيل وإيران ضمن شبكة معقدة من الالتزامات الإستراتيجية، والمصالح الاقتصادية الحيوية، والضغوط السياسية الداخلية والدولية.
وفيما تبذل الحكومة الاسرائيلية كل جهودها لسحب واشنطن للمشاركة في حربها على إيران، تتصرف إدارة ترامب وفق إستراتيجية تقوم على الدعم والتحفظ"، عبر محاولة تحقيق توازن دقيق بين هذه الأهداف المتعارضة أحيانا، في وقت تشتد فيه المخاطر وتتسارع التطورات الميدانية.
وتقف السياسة الأميركية في إدارة المواجهة الإسرائيلية الإيرانية على حبل مشدود بين هذه الثنائية المحورية التي تقوم على الالتزام التاريخي بدعم أمن إسرائيل كحجر زاوية في إستراتيجيتها الإقليمية، والتحفّظ الحادّ على الانزلاق إلى حرب شاملة تهدد استقرار الشرق الأوسط ومصالحها الحيوية.
هذه المعادلة المتوازنة- التي تجسدت في دعم "مشروط" لعمليات إسرائيل- تنبع من إدراك واشنطن أن تجاوز سقف التصعيد سيُفاقم مخاطر ثلاثية، وهي:
تعطيل استقرار الطاقة العالمي، وتقويض تحالفاتها الخليجية، وإجبارها على تدخل عسكري غير مرغوب، وهو ما خطط له رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو الذي راهن على دخول مشاركة أميركية في العمليات العسكرية ضد إيران، وهو ما أوشك على تحقيقه حين صرح الرئيس الأميركي دونالد ترامب أول من أمس من أن واشنطن قد تشارك في العمليات العسكرية مع إسرائيل ضد طهران.
ويعكس هذا الموقف الإدراك الأميركي العميق أن أي تصعيد مفتوح قد يهدد ليس فقط المصالح الأميركية في الخليج بل أيضا الاستقرار العالمي للطاقة.
فالتصريحات الأميركية المتكررة بأن الهجوم الإسرائيلي على إيران "يحظى بتفهم واشنطن" تعكس دعما ضمنيا، لكنه دعم مشروط بقدرة إسرائيل على إدارة التصعيد ضمن سقف محسوب.
ويدرك البيت الأبيض أن تجاوز هذا السقف سيقود إلى تعقيد العلاقة مع حلفاء آخرين مثل دول الخليج، وقد يُدخل الولايات المتحدة في دوامة عسكرية لا ترغب بها، تحسبا لضبط المعادلات ومراعاة الاستحقاقات الأميركية الداخلية.
وتقف الولايات المتحدة اليوم أمام معضلة إستراتيجية، تتمثل في مدى الدعم الذي يمكن أن تقدمه لإسرائيل دون أن تجد نفسها في مواجهة مباشرة مع إيران وشركائها.
وبحسب صحيفة نيويورك تايمز فإن السيناريوهات المتداولة داخل المؤسسات الأميركية تشمل خيارات تقديم دعم استخباراتي ولوجستي موسّع، وصولا إلى ضربات محدودة ضد أهداف إيرانية في حال هددت الأخيرة المصالح الأميركية مباشرة، وبحسب الصحيفة فإن هذا الخيار محفوف بالمخاطر السياسية والعسكرية.
الخيار الآخر هو الحفاظ على الدعم السياسي والدبلوماسي مع استمرار الضغوط على إسرائيل لعدم توسيع العمليات أكثر.
لكن التحدي الأكبر أن الوقت ليس في صالح واشنطن، وكل يوم يمر دون حسم الصراع يزيد من احتمالات الانزلاق إلى مواجهة إقليمية يكون من الصعب احتواؤها.
فجوة المصالح بين واشنطن وتل أبيب
رغم العلاقة الإستراتيجية بين الولايات المتحدة وإسرائيل، فإن المواجهة الحالية كشفت تباينا واضحا في أولويات الطرفين، فإسرائيل ترى في هذه اللحظة فرصة تاريخية لتدمير المشروع النووي الإيراني بشكل تام، وفرض معادلات ردع جديدة في المنطقة.
في المقابل تخشى إدارة الرئيس دونالد ترامب- رغم دعمها العسكري والسياسي- من أن يؤدي التصعيد إلى حرب إقليمية واسعة تهدد المصالح الأميركية المباشرة.
وتعكس تصريحات مصادر البيت الأبيض نقلتها شبكة "سي إن إن" حول "موافقة ضمنية" هذا التباين، فهي تقدم دعما سياسيا من دون تفويض كامل للمغامرات الإسرائيلية.
هذا التفاوت يعيد طرح إشكالية السيطرة الأميركية على سلوك الحليف الإسرائيلي في أوقات الأزمات، خاصة مع وجود حكومة يمينية في تل أبيب تفضل الحلول العسكرية على المسارات السياسية، وهو ما يعقّد المشهد الإقليمي ويهدد المصالح الأميركية الأوسع.
التباين داخل الإدارة الأميركية
تواجه إدارة ترامب خلافا داخليا حول المدى الذي يجب أن تذهب إليه واشنطن في دعم إسرائيل، فوزارة الدفاع (البنتاغون) تميل إلى ضبط النفس، وتُفضل بقاء التدخل الأميركي في حدود الدعم الاستخباراتي واللوجستي، في المقابل، يدفع مستشارو الأمن القومي وبعض شخصيات الحزب الجمهوري باتجاه دعم إسرائيل بشكل أكثر وضوحا.
هذه التباينات ظهرت في تصريحات متعارضة لمسؤولين أميركيين خلال يومي 13 و14 الشهر الحالي، حيث أبدى بعضهم تحفظا على فكرة "إطالة أمد الحرب"، بينما أشار آخرون إلى أن "إيران تستحق الردع القاسي".
ويفتح هذا الاختلاف الباب أمام ارتباك في السياسات، ويزيد من صعوبة بناء إستراتيجية متماسكة، خاصة مع تزايد الضغوط من الكونغرس والجماعات المؤثرة في السياسة الخارجية الأميركية، التي تطالب بموقف أكثر حسما تجاه إيران.
وتُشكّل الانقسامات الداخلية والاستحقاقات السياسية والتحديات الإستراتيجية محددا جوهريا لسياسة إدارة ترامب تجاه التصعيد.
وتدفع هذه التناقضات إلى تبني "موقف مزدوج هش"، يتمثل بالتصريح بالدعم المطلق لأمن إسرائيل مع العمل الدبلوماسي الحثيث لاحتواء التصعيد، سعيا لتجنب انتقادات الداخل وارتباك المشهد قبيل الانتخابات.
وتعد معضلة الاعتبارات الداخلية لإدارة ترامب إحدى أهم الاعتبارات التي تحكم موقفها من التصعيد.
وتتحرك تل أبيب في فضاء ضيق بين استغلال "الضمان الأميركي المطلق" واختبار حدوده، مستفيدة من هامش المناورة الذي توفره العلاقة الخاصة مع واشنطن ودعم الكونغرس.
وتسعى إسرائيل من خلال التصعيد إلى تحقيق أهداف متعددة المستويات، أبرزها، إعادة رسم قواعد الاشتباك مع إيران ومحور المقاومة، وترسيخ نفسها كقطب أمني لا غنى عنه للخليج، وتحويل الأزمات الداخلية إلى فرص للتماسك الوطني.
لكن هذه الإستراتيجية تنطوي على مخاطر جسيمة قد تُفجّر جبهات متعددة وتجر واشنطن إلى حرب لم تخطط لها.
وتمثل إسرائيل بالنسبة للولايات المتحدة أكثر من مجرد حليف؛ إنها شريك إستراتيجي، لكنها أيضا مصدر ضغط دائم على القرار الأميركي، خاصة في ملفات مثل إيران.
وفي هذا السياق، تدرك حكومة رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو أن واشنطن رغم تحفظاتها لا تستطيع فك ارتباطها الإستراتيجي بإسرائيل، لذلك تلعب تل أبيب على هذه الهوامش، فتسعى لجر الولايات المتحدة إلى مواقف أكثر تقدما عبر فرض وقائع ميدانية.-(وكالات)