عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    02-Dec-2025

ليس فنزويلا فحسب: ترامب يعتزم إحداث تأثير دومينو أوسع

 الغد

ترجمة: علاء الدين أبو زينة
روجر د. هاريس؛ وجون بيري* - (كاونتربنش) 26/11/2025
 
في إطار تأكيد الهيمنة الأميركية على نصف الكرة الغربي، تزن الإمبراطورية الأميركية الآن -وعلى رأسها ترامب- الكلف والفرص التي يعرضها استخدام القوة العسكرية الكاملة التي تم حشدها في الكاريبي، والتي تشكل خُمس القوة البحرية الأميركية في العالم. 
 
 
يصبح من الواضح باطراد أن التهديدات العسكرية الأميركية ضد فنزويلا تندرج ضمن أجندة أوسع نطاقًا. والأساس في خطة هذه التهديدات هي تغيير النظام، ولكن ليس في فنزويلا وحدها. هذا هو الهدف المراد تحقيقه -على مدى زمني أطول في بعض الحالات- في عدد من بلدان حوض الكاريبي لتطهير المنطقة من الحكومات التي تعتبرها واشنطن غير مرغوب فيها.
كما يذكّرنا أستاذ العلاقات الدولية في جامعة شيكاغو، جون ميرشايمر، فإن الولايات المتحدة "لا تتسامح مع الحكومات اليسارية... بمجرد أن ترى حكومة تعتبرها يسارية أو مائلة إلى اليسار، فإنها تتحرك لاستبدال تلك الحكومة".
وفي صحيفة "فايننشال تايمز"، كتب رايان بيرغ، رئيس برنامج الأميركتين في مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية (CSIS) في واشنطن، المموّل بكثافة من شركات التعاقدات العسكرية، أن رؤية ترامب هي أن تكون الولايات المتحدة "القوة التي لا تُنازع، والأعظم شأنًا ونفوذًا في نصف الكرة الغربي". وأطلقت صحيفة "نيويورك تايمز" على طموحات ترامب اسم "عقيدة دونرو".(1)
بعد فنزويلا، تقع هندوراس في مصلب التصويب الأميركي الحالي. وسوف يشهد هذا البلد الواقع في أميركا الوسطى انتخابات في 30 تشرين الثاني (نوفمبر)، والتي ستحدد ما إذا كان "حزب ليبره" اليساري سيبقى في السلطة أم أن البلد سيعود إلى أحضان النيوليبرالية.
والآن، يجري توظيف الأزمة في الكاريبي التي هندستها إدارة ترامب بفاعلية لصرف انتباه شعب هندوراس عن القضايا الداخلية لدى اتخاذ القرار حول لمَن يصوتون. وتقوم وسائل الإعلام السائدة في هندوراس باستمرار بإبراز احتمال أن تهدد واشنطن هندوراس عسكريًا إذا صوّتت "بالطريقة الخطأ" في 30 تشرين الثاني (نوفمبر).
في مقابلة تلفزيونية، سُئل المرشح المعارض سلفادور نصر الله عمّا سيحدث إذا فاز حزب ليبره، فأجاب: "تلك السفن التي ستتولى قريبًا أمر فنزويلا ستأتي لاستهداف هندوراس". ومن أجل تضخيم هذا التهديد المزعوم، يقوم المرشحون المعارضون بوضع لافتات في الشوارع يصفون فيها أنفسهم بأنهم "مناهضون للشيوعية"، وكأن الشيوعية مطروحة حقًا في الانتخابات.
وفي مقال غرائبي، زعمت صحيفة "وول ستريت جورنال" أن فنزويلا تهدف إلى "التهام هندوراس". وفي قلب للحقائق عن وجود أدلة مثيرة للقلق مؤخرًا عن مخطط من معارضي حزب ليبره لسرقة الانتخابات، ادّعى المقال أن فنزويلا تقوم بتعليم حزب ليبره كيفية تزوير إرادة الشعب في هندوراس.
كما تقوم بتكرار هذا الادعاء بحماسة في الكونغرس الأميركي ماريا إلفيرا سالازار وآخرون. وفي 12 تشرين الثاني (نوفمبر)، قال نائب وزير الخارجية الأميركية، كريستوفر لانداو، إن الحكومة الأميركية "سترد بسرعة وحزم على أي اعتداء على نزاهة العملية الانتخابية في هندوراس". وفي الواقع، تعمل الولايات المتحدة مع المعارضة من أجل تقويض التفويض الشعبي.
ثمة قدر كبير من المفارقة يكمن هنا. إن التبرير الذي تقدمه واشنطن لتصعيدها وتحشيدها العسكري هو معالجة "الإرهاب المرتبط بالمخدرات". ومع ذلك، ربما تعيد هزيمة حزب ليبره هندوراس إلى "دولة المخدّرات" التي كانتها خلال العقد الذي كانت فيه تحت رعاية الولايات المتحدة قبل انتخابات العام 2021.
ثمة بلد مستهدف هو الآخر بتغيير النظام بشكل حتمي: كوبا. وقد جادلت صحيفة "ديلي تلغراف" البريطانية -المعروفة عادة بعدم تركيزها على أميركا اللاتينية- بأن كوبا هي "الهدف الحقيقي" لحملة ترامب في فنزويلا.
بعد فشل الولايات المتحدة في الإطاحة بالثورة الكوبية على مدى أكثر من ستة عقود من الحصار الذي دفع مواطنيها إلى معاناة شديدة وتسبب في هجرة عُشر سكانها، يبدو أن وزير الخارجية، ماركو روبيو، يرى أن "الجائزة الحقيقية" للحشد العسكري الأميركي تتمثل في توجيه الضربة القاتلة إلى الثورة الكوبية.
قد يساعد تنصيب حكومة موالية للولايات المتحدة في كاراكاس الثورة المضادة من خلال قطع البنزين والإمدادات الأخرى التي ترسلها فنزويلا حاليًا إلى كوبا. أو أن البحرية الأميركية ربما تقوم بإيقاف هذه الإمدادات بنفسها، مما يزيد الخناق ضيقًا على هافانا. وبالإضافة إلى ذلك، في حال انهارت الثورة البوليفارية في فنزويلا، فسيشجع ذلك المعارضين المدعومين من الولايات المتحدة داخل كوبا، الذين يتغذون على السخط الناجم عن العقوبات الأميركية المفروضة على بلدهم.
ومع ذلك، تشكلل "الديلي تلغراف" المتحمسة نفسها في إمكانية تحقيق هدف روبيو، بالنظر إلى الصمود والمرونة المذهلين اللذين تتسم بهما كوبا.
وثمة بلد آخر يقع أيضًا في مرمى نيران واشنطن هو نيكاراغوا. وهنا أيضًا، يقود روبيو الهجوم. لكنّ لديه الكثير من الحلفاء على كلا جانبي القسمة الحزبية في الكونغرس.
على الرغم من عدم تعرضها لتهديد مباشر (حتى الآن على الأقل) من الولايات المتحدة، قامت واشنطن بفرض عقوبات جديدة على شركات نيكاراغوية، وهي تهدد بفرض رسوم جمركية بنسبة 100 في المائة على صادرات ذلك البلد إلى الولايات المتحدة، وقد تحاول استبعادها من اتفاقية التجارة الإقليمية، (كافتا).
في الوقت نفسه، يتماهى المعارضون في نيكاراغوا بحماسة مع نظرائهم في فنزويلا، آملين أن يشجع تغيير النظام في كاراكاس واشنطن على توجيه مزيد من الهجمات ضد الحكومة الساندينية.
كما تعرضت إدارتان يساريتان أخريان في حوض الكاريبي؛ كولومبيا والمكسيك، لتهديدات ترامب بتوجيه ضربات عسكرية. وقد فرضت واشنطن عقوبات على الرئيس الكولومبي، غوستافو بترو، واصفةً إياه بأنه "زعيم أجنبي معادٍ". وردّ بترو بإدانة الهجمات الأميركية على القوارب في الكاريبي واصفًا إياها بأنها "جرائم قتل".
في الفترة الأخيرة، كرر ترامب تهديداته السابقة بمهاجمة عصابات المخدرات في المكسيك، وقال إنه سيكون "فخورًا" بفعل ذلك. ولدى سؤاله عما إذا كان سيلجأ إلى العمل العسكري في المكسيك فقط إذا حصل على إذن من حكومتها، رفض الإجابة عن السؤال. وكانت رئيسة المكسيك، كلوديا شينباوم، قد رفضت في وقت سابق تهديد ترامب بالعمل العسكري ضد عصابات المخدرات داخل بلدها، وقالت للصحفيين: "هذا لن يحدث".
وعلى الرغم من الشعبية المستمرة لشينباوم، واجهت في 15 تشرين الثاني (نوفمبر) احتجاجات ما يسمى بـ"الجيل زد" التي اندلعت في أكثر من 50 مدينة في البلاد. ووفقًا لموقع "غراي زون"، لم تكن تلك الاحتجاجات كما بد؛ لقد تلقت التمويل والتنسيق من شبكة يمينية دولية، وتم تضخيمها بواسطة شبكات من الروبوتات. وقد يكون ربط توقيتها بالحشد العسكري في الكاريبي مقصودًا.
في سياق هذه الاحتجاجات، قال ترامب: "لست سعيدًا بالمكسيك. هل سأشن ضربات في المكسيك لوقف المخدرات؟ لا بأس بذلك بالنسبة لي". وتقوم بعض العناصر في حركة "ماغا" بحثّه على الذهاب أبعد من ذلك، وإطلاق توغل عسكري أميركي لضمان تنصيب "حكومة انتقالية" في ذلك البلد.
كانت واشنطن قد تدخلت بنجاح في الانتخابات الأخيرة في الأرجنتين. كما كان دعم الولايات المتحدة لانتصار اليمين في الإكوادور في نيسان (أبريل) حاسمًا بعد انتخابات مثيرة للجدل. وفي الشهر المقبل، ستُجرى الجولة الثانية من انتخابات تشيلي. ويأمل ترامب في حدوث تحول نحو اليمين -مع قليل من المساعدة من القوة المهيمنة- في تلك الانتخابات، وكذلك في انتخابات كولومبيا التي ستجرى في العام المقبل وفي انتخابات المكسيك في العام 2030.
يقول المسؤول السابق في إدارتَي بوش وترامب، مارشال بيلينغسليا، إن الهدف النهائي للهجوم الأميركي لتغيير الأنظمة هو اليسار اللاتيني بأكمله، "من كوبا إلى البرازيل إلى المكسيك إلى نيكاراغوا". وسوف يوقف التدخل العسكري الذي يؤدي إلى نهاية حكومة مادورو ما يدّعي (بلا دليل) أنه تدفق الأموال من كاراكاس الذي أدى إلى "الطاعون الاشتراكي الذي انتشر عبر أميركا اللاتينية".
إن تغيير النظام المفروض أميركيًا في فنزويلا وكوبا ونيكاراغوا -حيث أرسى "الطاعون الاشتراكي" جذورًا عميقة- هو مشروع يتوافق عليه الحزبان. أما الدول الأخرى ذات التوجهات التقدمية أو اليسارية في أميركا اللاتينية -المكسيك وهندوراس وكولومبيا، بل وحتى تشيلي- فلا تصل الوصفة الأميركية لها إلى حد التغيير العميق للنظام؛ ويجري بدلًا من ذلك استخدام الاختراق والترهيب والاستيعاب لإبقائها خاضعة.
بالنسبة للديمقراطيين والجمهوريين على حد سواء، يُعتبر بسط سلطة الإمبريالية الأميركية على المنطقة مُعطى ومفروغًا منه. ويتقدم ترامب ورفيقه روبيو الصفوف في هذا المسعى. لكن ما يسمى بحزب المعارضة الأميركي يقدّم قيودًا ضعيفة.
من أجل تحقيق هذه الغاية، تزن الإمبراطورية الأميركية -وعلى رأسها ترامب- الكلف والفرص التي يعرضها استخدام القوة العسكرية الكاملة التي تم حشدها في الكاريبي، والتي تشكل خُمس القوة البحرية الأميركية في العالم. ولكن يبدو أن مستشاري ترامب من المحافظين الجدد يرغبون في اغتنام اللحظة والانطلاق في تنفيذ عملية تغيير سياسي شامل في نصف الكرة الغربي، وتحقيق "مبدأ دونرو" الترامبي على أرض الواقع.
فهل سيسود الحذر، أم أن الولايات المتحدة ستواصل جلب الفوضى وانعدام القانون -كما فعلت في هاييتي وليبيا وسورية وأفغانستان وغيرها- ليس إلى فنزويلا فحسب، بل ربما إلى دول أخرى في المنطقة؟
 
*روجر د. هاريس Roger D. Harris: ناشط أميركي معروف في مجال حقوق الإنسان ومناهضة الإمبريالية، وهو عضو بارز في "قوة المهام للأميركتين" -وهي منظمة تضامن مع أميركا اللاتينية تأسست في العام 1985. وهو أحد مؤسسي "شبكة التضامن الفنزويلية"، بالإضافة إلى نشاطه ضمن "مجلس السلام الأميركي"، وهو منتدى ماركسي يُعنى بتحليل الشؤون الدولية. 
*جون بيري John Perry: كاتب وصحفي مقيم في نيكاراغوا، وعضو في "تحالف التضامن النيكاراغوي". ينشر مقالات وتحليلات حول أميركا الوسطى واللاتينية في عدد من المنابر الدولية البارزة. وتتناول كتاباته عادة قضايا السيادة الوطنية، ودور الولايات المتحدة في تدخلاتها بالمنطقة، وحقّ الشعوب في تقرير مصيرها، مع تأكيد على أن بعض التوصيفات الغربية لقضايا مثل "حقوق الإنسان" أو "الديمقراطية" تُستخدم أحيانًا كأدوات ضغط سياسية.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: It’s Not Just About Venezuela: Trump Intends a Wider Domino Effect
 
هامش المترجم:
(1) يشير مصطلح "عقيدة دونرو" Donroe Doctrine إلى النهج الجديد الذي تنسبه بعض الصحف والمحللين إلى إدارة دونالد ترامب في تعاملها مع دول أميركا اللاتينية والبحر الكاريبي. وهو نهج يجمع بين اسم ترامب ("Don") و"عقيدة مونرو" التقليدية. ويصف هذا المفهوم توسيعًا عدوانيًا لمبدأ مونرو، حيث لم يعد الهدف منع القوى الأجنبية من التدخل في نصف الكرة الغربي، بل ترسيخ الهيمنة الأميركية المباشرة على دول المنطقة، مع اعتبار أي حكومة يسارية أو مستقلة عن واشنطن تهديدًا ينبغي تقويضه أو تغيير نظامها. ووفق هذه العقيدة، تستخدم الولايات المتحدة أدوات متعددة -من الضغوط الاقتصادية والعقوبات إلى التهديدات العسكرية والتحريض الداخلي- لإعادة تشكيل الخريطة السياسية في أميركا اللاتينية بما يتوافق مع مصالحها، ساعية إلى أن تبقى "القوة الأبرز التي لا ينازعها أحد" في المنطقة.