عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    10-Oct-2025

الشكوى المفرطة.. تنفيس مشروع أم هروب من المواجهة؟

 الغد- رشا كناكرية

 لحظات من الهدوء والسكينة، هذا ما تبحث عنه مروة (33 عاما)، عندما تلتقي بصديقتها المقربة سلمى، التي تبدأ بالتذمر والشكوى عن حياتها منذ الدقيقة الأولى من اللقاء.
 
 
تبين مروة أنها تنسجم مع صديقتها جداً، إلا أنها تكره بها تلك الخصلة، فهي دائمة الشكوى من حياتها والمواقف التي تختبرها. ففي البداية كانت تجاريها وتواسيها، لكنها بدأت تشعر بأن الطاقة السلبية تتسلل إلى نفسها بمجرد الجلوس معها.
وتشير مروة إلى أنها تشعر بالسوء تجاه ابتعادها عن صديقتها لهذا السبب، لكنها في الوقت ذاته، لا تريد أن تشعر بضيق في صدرها بسبب شكواها الدائمة. وبعد عتاب منها، اعترفت لها بالأمر، لتكتشف أن سلمى تجد في الشكوى طريقتها للتخلص مما يقلقها، وكأن العبء يصبح خفيفا.
مروة بعد مصارحة لصديقتها، بدأت تشعر بها أكثر وترغب في مساعدتها، لذلك اختارت أن تبحث معها عن طريقة تتخلص فيها من قلقها، دون أن تنفر الآخرين من حولها.
لقاءات الأصدقاء والتجمعات العائلية وتبادل الأحاديث ومشاركة تفاصيل الحياة ومواقفها، روتين يقوم به الكثير من الأفراد، لكن في كل مجموعة هناك شخص كثير الشكوى، يستمر في التذمر من الظروف والمواقف التي يمر بها، لينشر بذلك الطاقة السلبية للمحيطين به.
ولعل هناك من لا يفضلون سماع شكوى هذا الإنسان وتذمره المستمر، الذي يضيق الصدر وينقل لمن حوله طاقة سلبية.
والتذمر والشكوى طبعان في ظاهرهما سلبيان ومنفران، إلا أن الحقيقة المخفية أن البعض يعبر عن مشاعره ويفرغ قلقه بالشكوى المستمرة، وهذا يعود لأسباب  عدة، إما تراكما لضغوطات لم يتعامل معها، أو حاجة إلى التعاطف والاهتمام، أبو بسبب برمجة عقلية سلبية منذ الطفولة، جعلت الشكوى خصلة فيه.
وكثيرا ما نسمع عن أشخاص يشتكون باستمرار، فنظن أنهم متذمرون بطبيعتهم، لكن في بعض الحالات الشكوى المستمرة قد تكون طريقة للتعبير عن مشاعر دفينة مثل القلق والإحباط أو حتى الاكتئاب.
مؤلف كتاب "السعادة 2008" روبرت بيسواس ديينر، يتحدث في مقال له نشر على موقع "سيكولوجي توداي" :"إن بعض الأشخاص يميلون بطبيعتهم إلى الشكوى بشكل متكرر.
والبعض الآخر يمسكون أنفسهم، وتتحكم في ذلك العوامل الشخصية لدينا، مثل مقدار السيطرة على أنفسنا في موقف ما، وقدرتنا على التسامح والرغبة في تقديم الذات بشكل إيجابي، والمرحلة العمرية التي نمر بها".
ويحذر ديينر من خطر الشكوى، فمن يشتكون بشكل ثابت لديهم مشكلات صحية، وأداؤهم غير جيد في وظائفهم، ولديهم علاقات أقل ولا تدوم طويلا، ويكونون غالبا بائسين بشدة.
وهنا يبقى السؤال.. كيف نحمي أنفسنا من الشخص المتذمر كثير الشكوى ونساعده على إيجاد طريقة يعبر بها عن ما يقلقه غير الشكوى؟
بدوره، يبين الاستشاري النفسي والمحاضر الدولي المعتمد يزيد موسى، أن الشكوى المستمرة غالبًا ما تكون نتيجة تراكم لضغوطات لم يتم التعامل معها بشكل صحي، موضحا أن الشخص يلجأ إليها كوسيلة لتفريغ التوتر الداخلي، لأنها توفر له شعورًا مؤقتًا بالراحة وكأن عبأه أصبح خفيفا، بمجرد الحديث عنه.
ويشير موسى إلى أنه في بعض الأحيان تكون الشكوى عادة مكتسبة منذ الطفولة، إذا نشأ في بيئة يتحدث فيها الأهل دائمًا عن المشاكل والظروف.
ومن جهة أخرى، فإن المحيطين بهذا الشخص كثير الشكوى قد يسبب لهم "عدوى عاطفية" بحسب موسى، فالعقل يتأثر بالمشاعر التي، وتكرار التذمر ينشر طاقة سلبية، ويجعل الآخرين يشعرون بالإرهاق النفسي أو فقدان الحماس، خاصة إذا لم تكن لديهم القدرة على تقديم حل أو دعم فعال.
ويذكر موسى، أن الشكوى المستمرة غالباً ما تكون طلبا غير مباشر للدعم، فالشخص لا يقول بصراحة: "أنا بحاجة لمساعدة"، لكنه يعبر عن ذلك بالشكوى لأنه يخشى الرفض أو لا يعرف كيف يطلب الاهتمام بطريقة صحية.
في بعض الحالات، قد تتحول الشكوى إلى وسيلة لجذب الانتباه بحسب موسى، خاصة عند الأشخاص الذين اعتادوا أن الاهتمام لا يأتي إلا عندما يتذمرون أو يبالغون في وصف معاناتهم، وهنا يكون الهدف أعمق من مجرد لفت النظر؛ بل إنه محاولة للشعور بالحب أو التقدير الذي يفتقدونه.
ويبين موسى، أنه في كثير من الأحيان هؤلاء الأشخاص "كثيروا الشكوى" يختزنون مشاعر قلق، إحباط، أو حتى اكتئاب، لكنهم لا يملكون أدوات صحية للتعامل مع هذه المشاعر، فبدل أن يواجهوا المشكلة بشكل مباشر، يستخدمون الشكوى كـ"صمام أمان" لتفريغ بعض الضغط.
ويؤكد موسى، هنا تكمن المشكلة، فإن هذه الطريقة لا تحل المعاناة، بل تجعلهم يعلقون في دائرة سلبية تتكرر ضغوطا وشكوى وراحة مؤقتة، وضغوطا جديدة، منوها إلى أنه مع الوقت، تصبح الشكوى جزءًا من هويتهم، فيصعب عليهم التوقف عنها من دون وعي وتدريب نفسي.
ويذكر موسى، أنه يمكننا مساعدتهم على التعبير بطرق صحية، ولكن أولا: علينا حماية أنفسنا من الأشخاص "كثيري الشكوى"، من خلال وضع حدود واضحة، مثل تحديد وقت أو مكان محدد لسماعهم، أو إنهاء الحديث عندما يبدأ التكرار، كما أنه على الفرد ألا يحاول أن يكون معالجا نفسيًا حتى لصديقه. 
ثانياً: التعاطف من دون الغرق بمعنى يظهر الفرد فيه تفهمه للمشاعر، لكن لا ينجرف عاطفيًا وعليه أن يستخدم عبارات مثل: "أتفهم أن هذا مرهق لك، ما رأيك أن نبحث عن طريقة عملية لحل الموضوع؟".
وثالثا: توجيههم نحو بدائل وتشجعهم على كتابة ما يزعجهم، وممارسة الرياضة، أو حتى التحدث مع اختصاصي نفسي، فهذه الطرق تسمح لهم بالتفريغ دون استنزاف من حولهم، بحسب موسى.
إضافة إلى تغيير لغة الحوار، فبدل أن الرد على شكواهم بمزيد من الشكوى، يسألهم أسئلة تحفز التفكير مثل: "ما الشي الذي بإيدك تغيّره بهذا الموقف؟"، وهذا ينقلهم من دور الضحية إلى دور الفاعل.
وأخيرا، اقتراح خطوات صغيرة بحسب موسى، مثل تخصيص دفتر "تفريغ" يومي، أو جلسة أسبوعية مع مختص، ففي بعض الأحيان مجرد تنظيم وقت الشكوى يقللها بشكل تدريجي، مؤكدا بذلك أننا بهذه الطريقة، نساعدهم على فهم المشاعر وتفريغها بأسلوب صحي، وفي الوقت ذاته، نحافظ على طاقتنا.
وفي دراسة نشرت في "مجلة علم النفس الاجتماعي والسريري" (Journal of Social and Clinical Psychology)، وجد الباحثون أنه عندما يشتكي الناس بهدف الوصول إلى نتيجة أو حل معين، يكونون أكثر سعادة من الأشخاص الذين يشكون لمجرد الشكوى.