الغد
ماذا يقول الأردنيون، اليوم، وبماذا يفكرون ويحلمون، والى أين يأخذهم الحنين ولأي أفق يتطلعون؟ أول ما يخطر إلى بال الأردنيين هو التاريخ والماضي، تاريخهم الذي صنعه أجدادهم وآباؤهم، بكل ما في الذاكرة من مواقف وانجازات، من شهداء وتضحيات، من صمود وانتصارات، تاريخهم الممتد لآلاف السنين، المجبول بالحضارات والديانات، والذي عليه تأسست الدولة الأردنية، واجتمعت فيه كلمة الأردنيين وهويتهم مع قيادتهم، يستذكرون أيام زمان، لا للاستغراق بالماضي وتمجيده، وإنما لتذكير الأجيال من شبابنا به، لاستلهام ما فيه، والبناء عليه، والانطلاق منه لغدٍ أفضل، وإنجازات أكبر .
يقولون : زمان..، كان لدينا «هيبة» للدولة واحترام لمؤسساتها وموظفيها، وهيبة للمجتمع والأردنيين، لم يكن أحد – مهما كان موقعه- يجرؤ على «إهانة» المجتمع او الانتقاص من قيمه، ولا الإساءة للدولة او تجريحها، كانت «القوانين» موجودة، لكن الأهم منها «التقاليد» والقيم الأردنية الأصيلة، تلك التي رسخها العسكري والمعلم والفلاح، ورفع مداميكها «الرموز» الملهمون من المسؤولين النظيفين، حتى «المعارضة»، آنذاك، كانت «تتحدث» تحت مظلة «الوطن» وباللغة «الوطنية» الفصيحة، وكانت «السياسة» تحمل جينات «أخلاقية» ترفض الخصومات الفاجرة.
لم تكن لدينا، فقط، «دولة» قوية نعتز بها ونلتف حولها ونبادلها المحبة والتحية، وإنما كان لدينا، أيضاً، «وطن» عزيز، فيه نتعاتب ولا نتصارع، نتقاسم الغرم والغنم ولكن دون ان يشعر أحد بالظلم، وحتى وإن اخطأ أحدنا، فإن أيادٍ دافئة تمتد اليه وتطيّب خاطره، فيعود الى مقعده على مدرجات «البلد»، المزدحمة بالأبناء المخلصين والصادقين، مرتاح البال .
يقول الأردنيون أيضاً: زمان كان لدينا «رجال دولة»، يؤمنون بالأردن ولا يقايضون عليه بأي مصلحة أو لأي اعتبار، كانت لهم (عيون حمرا) كفيلة بالإفصاح عما بداخلهم حين تداهم بلدنا العاديات، أو يجرح هيبته أي عابر طريق، كان لدينا رجال.. رجال لا يختفون عن المشهد الوطني وقت الشدة، ولا يجملون الواقع، ولا يخشون من كلمة الحق وإسداء النصيحة حتى لو كانت ضريبتها ثقيلة، لا يتزاحمون عند الغنيمة، ولا يبيعون «الشرف الوطني» في أسواق الوشايات والدسائس والنفاق.
زمان ..كان المعلم «رسولاً» بدون خاتم نبوة، يتحرك في المدرسة وبين الصفوف كما يتحرك «الجنرال» في ساحة المعركة، مكللاً «بنياشين» الفخر والاعتزاز بمهنته ورسالته، حين يخرج الى الشارع يقف الطلبة لتحيته، وحين يدلف الى غرفة الصف يقفون احتراماً له، لم يكن يعطي الدروس فقط، وانما كان ممثلاً للمجتمع وملهماً للأجيال، ومصلحاً بين الناس، وقتها كانت مهنة التعليم مقدسة وأن يحظى بها أحد غاية الأمنيات.
زمان..، كان الكاتب الصحفي يمثل «الضمير» العام للناس، كان القلم في يده كالبندقية في يد أخيه «العسكري»، مضبوطة تماما في اتجاه واحد: الأردن والدفاع عن البلد، آنذاك كانت «الصحافة» مهنة الحرف الشريف، والسلطة الرابعة بحق، وفي مرات عديدة أغلقت إحدى الصحف «أبوابها» بسبب مقال لم يعجب مسؤولاً، واحتجبت «لخبر» انفردت فيه.
زمان..، كان مجتمعنا يتمتع بقدر كبير من العافية، كان «مقياس» الحظوة والقبول بين الناس «القيمة» والسمعة الطيبة، كانت كلمة «عيب» كفيلة بالردع الاجتماعي، وكلمة «عونة» مفتاحاً للتكافل الاجتماعي والتضامن، كانت «الشتيمة» او المساس بالشخصية «جريمة»، وفي «ميزان» العشيرة يقف الجميع باحترام «للشيخ» او المختار، العشيرة آنذاك كانت «قوة» للدولة وركناً من أركانها، لا يسمح لأحد «المساس» بها، وكان «الناس»، الفلاحون والتجار والرعاة، مصدراً من مصادر الدخل وسنداً للموازنة، وكانت شبكة العلاقات الاجتماعية أهم من شبكة العلاقات السياسية.
نريد أن نستعيد هذا الزمان الجميل بكل ما فيه مجد وعزة وكبرياء، نريد ان يعرف أجيالنا كيف قام هذا البلد ونهض، كيف أنجز وصمد، فالأردنيون الذين انتعشت فيهم الروح الوطنية، وغادروا منصات اليأس والتردد، وكشفوا طوابق الحقد وخناجر الكيد التي أشهرها في وجوههم من لا يريد لبلدهم خيراً، جاهزون ومصرون، أكثر من أي وقت مضى، على رفع المداميك لتعزيز بناء الأردن، وتجديد يقينهم بمستقبله، أكيد هذا الأردن «ولادة» للإنجاز و» الهيبة»، وللرجال .. الرجال، الصادقين والمخلصين الأوفياء.