الغد
ربما يعبّر المثل العربي المشهور: "من شبّ على شيء شاب عليه" أصدق تعبير عن صعوبة التغيير لما نشأ الإنسان عليه، وشكل بنيته العقلية.
ويؤكد ذلك ستيفن رون الأستاذ السابق في جامعة انديانا بقوله "نستطيع أن نتملق وأن نداهن وأن نسخر وأن نحذر، بل إنه أسهل علينا إنشاء المباني التذكارية، وإعادة تسمية الطرق السريعة، وإشعال نار خالدة من أن نتغير".
في دراسة أميركية تبين لأطباء مختصين في أمراض القلب أنهم عندما يطلبون من مرضاهم فيها تغيير عاداتهم الحياتية وإلا ماتوا قريباً فإن واحداً من سبعة منهم يفعل بينما يتمسك البقية بما نشأوا عليه، وذلك حسب ما جاء في كتاب (Immunity to Change) لمؤلفيه الأستاذين في جامعة هارفارد روبرت كيغان وليزا لاسكو لاهي.
ومثل هذه العقلية الفردية العصية على التغيير توجد مؤسسات وشركات. ذات عقلية عصية على التغيير أيضاً.
وإزاء هذه العقلية العصية فيها دعا قادة ملهمون في الإدارة إلى المطالبة بالمؤسسة أو الشركة التي تتعلم. وأضيف: والدولة عبر حكوماتها التي يجب أن تتعلم لتبقى.
ولما كان الأمر كذلك فإن مسؤولية التعلم فيها تقع على المسؤولين فيها. ومن ذلك ما نلمسه في الأردن في شركة الحكمة العالمية للدواء التي يقودها السيد مازن دروزة، وفي البنك العربي الذي يقوده السيد صبيح المصري. وفي كابتال بنك الذي يقوده السيد حاتم السالم وفي مجموعة عليان التي يقودها السيد خالد عليان وفي مجموع نقل التي يقودها السيد غسان نقل... وفي الحكومة الأردنية التي يقودها السيد جعفر حسان الذي يقود منهج التحديث أي التغيير في الدولة ويعمل ميدانياً أكثر مما يعمل مكتبياً.
كانت جملة العلماء في الماضي ترى أنه من الصعب تغيير عقلية المرء بعد فترة المراهقة ولكن العلماء اليوم يرون الأمر بالعكس، وهو أن النمو العقلي يمكن أن يستمر بالتعلم الدائم مدى الحياة.
يقول الفيلسوف وعالم النفس الأميركي وليم جميس (1840 – 1910): "لعلّه أعظم اكتشاف لجيلنا أن البشر يستطيعون تغيير حياتهم إذا غيروا اتجاهاتهم العقلية"، وكأنه مستمد من قوله تعالى "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) (11/13)
وعليه يحتاج إحداث التغيير الإيجابي اللازم للمؤسسة أو للشركة أو للدولة إلى قيادة لهذا التغيير ليحدث. وبما أن القيادة تُصنع، فقد صار يتم إعداد القادة في برامج خاصة لامتلاك القدرات اللازمة الخاصة بها.
يرى المؤلفان أننا نتجاهل هذا المصدر القوي للقيادة، ولقدرة الناس على التغيير واستيعابهم له في أي وقت من العمر بالتعلم والإعداد وبمواجهة التقييدات والبقع العمياء في الطرق الراهنة في الإدارة والتعليم والتدريب التي تمنع صنع المعنى.
والنمو هنا يعني "تحويل" النظام الإداري العامل (Transformation) في اتجاه التغيير، وليس الاكتفاء بزيادة الحصيلة المعرفية أو مجرد تحسين مستوى إداري أو الدفع باتجاه خطة ما أو أجندة معينة، فإنهما يدفعانك أنت أيضاً. يجب ان تكون الخطة أو الأجندة طريقاً لنمو حقيقي في العقلية وتوسيع نوعي فيها يتجليان في العمل في المؤسسة أو الشركة أو الدولة، وليس باستئجار خبراء من الخارج للقيام به.
لقد كشفت ثلاثون سنة من البحث التي قام بها المؤلفان في موضوع التغيير أنه توجد عند الأفراد والمؤسسات والشركات ما سمياه بالمناعة ضد التغيير وأن كلاً منهم ومنها مستحكم بعاداته الإدارية التي نشأ عليها.
إن القادة الذين يسعون لكسب الحرب في معركة الموهبة برؤيتها فطرية، أي غير قابلة للتغيير يجب معرفتها وتحديدها، يخسرون هذه المعركة في النهاية.
على القائد أن يسأل نفسه دائماً: ماذا أستطيع أن أفعل لجعل مؤسستي أو شركتي أو دولتي هي الأكثر خصوبة في العالم لنمو الموهبة؟ بهذا السؤال يضع نفسه في أفضل مركز للنجاح.
غالباً ما يساء فهم تحدي التغيير والتحسن برؤية هذا التحدي كحاجة إلى مجرد تعامل أفضل مع التعقيد أو إلى تجاوزه، وكأن ذلك يعني مجرد إضافة مهارات جديدة للعاملين، أو توسيع دوائر الاستجابات له. ولكن هذه المهارات غير كافية لمواجهة هذا التحدي.
إننا نرى العالم شديد التعقيد ولا نرى تعقيد البشر المتنافر معه، فنحاول التوفيق منطقياً بينهما. ولذلك طريقان : وأما خفض التعقيد (complexity) أو زيادة تعقيد البشر ليلتقيا. ولكن الأول لا يزول، والثاني مستحيل.
إن المشكلة في هذا العالم الذي نعيش فيه أنه يتغير بصورة أسرع من تغيير البشر فيه، أي تقنياً لا عقلياً.
"نعم، إننا نتعلم ولكننا في أحيان كثيرة لا ننمو. ولننمو – يقول الكاردنيال نيومن (1896-1801) يجب أن نتغير. ولنكون كاملين يجب أن نتغير مرات كثيرة".
لقد تمخضت أبحاث هذين الأستاذين المؤلفين الممتدة عن سبع خصائص لازمة للقادة ليعملوا بنجاح في جعل المحيط أو المناخ خصباً دائماً للنمو الشخصي أو النمو الجمعي في المؤسسة أو الشركة (أو الدولة) وهي:
1. الاعتراف بوجود حياة بعد المراهقة، وأن الرشد (Adulthood) يجب أن يكون أيضاً وقتاً للنمو الدائم والتطوير.
2. الثناء على التمييز بين التقني وأجندة التعلم التكيفي (Adaptive).
3. الاعتراف بالدافعية الذاتية للفرد ورعايتها.
4. الافتراض بأن تغيير البنية العقلية يأخذ وقتاً، وأنه ليس متساوياً عند الجميع.
5. الاعتراف بأن البنى العقلية التي تشكلت في الطفولة تشكل التفكير والمشاعر ومن ثم فإن تغييرها يحتاج إلى تغيير الرأس والقلب.
6. الاعتراف بأنه لا التغير في العقلية ولا في السلوك كافيين إلى حدوث التحول.
7. وأنه يجب توفير السلامة والأمان للناس ليتحملوا كلفة المخاطر اللازمة للتغيير أو الناتجة عنه.
وأخيراً يجب أن نخاف كثيراً من تجديد لا يحدث معه تغيير.