عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    21-Jul-2025

تسخين مستمر للجبهة الشمالية*هزاع البراري

 الراي 

منذ اندلاع شرارة الثورة السورية في درعا، والجبهة الشمالية للأردن تشهد أحداثًا أمنية وعسكرية شبه متواصلة. ومع تصاعد المواجهات، وتنامي الفصائل المناوئة للنظام السوري السابق، ووصول تنظيم "داعش" إلى تدمر، ثم تخوم الحدود الأردنية الشمالية، وما تبع ذلك من موجات نزوح ضخم وتحديات أمنية وعسكرية كبيرة، كان للجيش الأردني، بيقظته وحرفيته، الدور الحاسم في ضبط الحدود والتصدي لأي تهديد يمس أمن وسلامة البلاد.
 
هذا الواقع ألقى على كاهل الدولة أعباء عسكرية واقتصادية، فضلًا عن الارتدادات الاجتماعية الناتجة عن تدفق اللاجئين، وإغلاق المعابر، وتوقف الحركة التجارية. ومع تخلي النظام السوري السابق عن ضبط حدوده الجنوبية، وتركها ساحة مفتوحة للفصائل والتنظيمات غير المنضبطة، اضطر الأردن لبناء شبكة علاقات مع سكان الشريط الحدودي السوري بهدف تعزيز الأمن وجمع المعلومات، وتخفيف الضغط على القوات الأردنية الرابضة على امتداد الحدود، التي يبلغ طولها نحو 362 كيلومترًا.
 
وقد ظلت المعادلة قائمة: خاصرة سورية رخوة ومضطربة في الجنوب، تقابلها جبهة أردنية يقظة وصلبة في الشمال. إلا أن هذا الواقع مكلف ماليًا ولوجستيًا وعسكريًا، خاصة في ظل تعقّد المشهد السوري، وتورط قوى إقليمية، وعجز الجيش السوري الوليد عن السيطرة على الأوضاع الأمنية المضطربة، بالشكل والسرعة المطلوبين.
 
الأحداث الأخيرة، خصوصًا في السويداء، والاشتباكات الدامية، وعودة مشهد العشائر إلى الواجهة، إلى جانب حالة الاستنفار في درعا وريف دمشق، تضع المنطقة بأكملها على صفيح ساخن. إسرائيل حاضرة من السماء، لكن ما يجري على الأرض، خصوصًا في ريف درعا، لا يزال غامضًا ومفتقرًا للتفاصيل الواضحة. وهو ما يجعلنا نسمع هدير بركان يغلي، ولا نعلم إن كان في طريقه للانفجار أم للخمود.
 
ومع كل ما تشهده السويداء من انفلات غير مقبول، إلا أن تلك الأحداث قد تدفع الطائفة الدرزية نحو العودة إلى حضن الدولة السورية بسرعة. وربما لا تكون هذه الفوضى سوى جزء من خطة لإعادة حسم الواقع في الجنوب السوري، خاصة بعد إعلان حزب العمال الكردستاني تخليه عن النضال المسلح، وهو ما يسهل إعادة إدماج أكراد سوريا في الدولة. وبما أن جبل العلويين قد حُسم أمره بطريقة دموية مؤسفة، تبقى السويداء الحلقة الأضعف خارج سيطرة دمشق، لكن هذا لن يستمر طويلًا، فالأحداث تصب في مصلحة النظام، وتغلق الباب أمام نزعات الانفصال أو مشاريع إقليمية مثل ما يُعرف بـ"ممر داوود".
 
الجبهة الشمالية لا تزال ساخنة، ولن تبرد قريبًا. وحتى لو بدا الهدوء يفرض نفسه تدريجيًا، فإن استقرار الدولة السورية سيستغرق وقتًا طويلاً، يتطلب إعادة بناء المؤسسات، وتجويد المنظومة الأمنية، ونزع سلاح الميليشيات. وهذه كلها تحديات كبرى، ما يعني أن الجيش الأردني سيبقى في حالة تأهب قصوى، يراقب كل حركة، ويتصدى لمحاولات تهريب المخدرات المستمرة على مدار الساعة، في حرب شرسة مع عصابات محترفة، بعضها مدعوم من جهات لا تزال تعمل في الخفاء.
 
نعم، هو تسخين مستمر يوجب الحذر، مهما عظمت الكلفة واشتد الخطر.