عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    20-Oct-2025

تغيير عرض الإعلانات على «غوغل» يثير مخاوف بشأن الشفافية والأرباح

 الشرق الاوسط-القاهرة: إيمان مبروك

أعلنت شركة «غوغل» عن تحديث شامل في طريقة عرض الإعلانات على نتائج محركات البحث، يتضمن تصميماً جديداً وأداة تحكم تسمح للمستخدمين بإخفاء الإعلانات، ومع أن التحديث يبدو في صالح المستخدم، يدور سجال حول النية الحقيقية للشركة التي أعلنت أنها «تسعى لمزيد من الشفافية»، في حين يرى خبراء أن «أرباح المعلنين والناشرين قد تتأثر سلبياً بهذا المسار». وفقاً للتصميم الجديد، سيصار إلى تجميع الإعلانات النصية ضمن قسم واحد يحمل تسمية «النتائج المموّلة»، بينما كانت قبل التحديث تظهر متفرقة بين نتائج البحث التي تشمل أخباراً ومواضيع أخرى غير إعلانية.
 
وذكرت «غوغل»، عبر المدونة الرسمية أخيراً، أن الهدف من التسمية هو تحقيق «الشفافية» من خلال مسمى أكثر وضوحاً، وستظل مرئية في أثناء تمرير الصفحة، ما يتيح للمستخدمين معرفة ما إذا كانت النتائج التي يشاهدونها مدفوعة أم لا. وفي حين رحّب بعض المستخدمين بالخطوة بـ«اعتبارها انتصاراً للوضوح والشفافية»، أبدى آخرون - خصوصاً من المعلنين والناشرين - مخاوفهم من أن يؤدي زر «إخفاء الإعلانات» إلى تقليل معدلات الظهور والنقر، ما قد يؤثر على أرباحهم من الحملات الإعلانية عبر محرك البحث.
 
الدكتور السر علي سعد، الأستاذ المشارك في تخصُص الإعلام الجديد بجامعة أم القيوين في الإمارات العربية المتحدة، عدّ في لقاء مع «الشرق الأوسط»، هذه الخطوة «نقطة تحول جوهرية في علاقة المستخدم بالإعلان من جهة، والمعلن بالمؤسسة الإعلامية من جهة أخرى».
 
وأضاف: «صحيح أن هذه الخطوة تعزز من شفافية البيئة الرقمية، لكنها تُحدث في الوقت ذاته تغييرات بنيوية في سلوك السوق الإعلامية؛ إذ تجبر المؤسسات الصحافية على إعادة صياغة استراتيجياتها الإعلانية، والبحث عن مصادر دخل بديلة، مع المحافظة على جودة المحتوى كركيزة أساسية للبقاء في بيئة تنافسية متقلبة». وتطرق سعد إلى مدى تأثير هذا التحديث على الأخبار، فقال: «تؤثر آلية تصنيف الإعلانات في صفحات نتائج محركات البحث على المحتوى الإخباري غير المدفوع عبر آليات رئيسية مترابطة، مثلاً آلية الدفع للأسفل، يؤدي وضع الإعلانات الممولة في الجزء الأعلى من الصفحة إلى إزاحة الأخبار لتصبح أقل وضوحاً، ما يقلل من احتمالية الوصول إليها دون تمرير المستخدم للصفحة». وللعلم، تُظهر دراسات سلوك التصفح أن أكثر من 70 في المائة من المستخدمين يكتفون بالمحتوى الظاهر في الجزء الأول من النتائج قبل التمرير، حسب مجموعة «نيلسن نورمان».
 
وتابع سعد: «مع ازدياد وضوح تمييز الإعلانات، يطور المستخدمون أنماطاً إدراكية لتجاهل العناصر الإعلانية، حتى وإن كانت ذات صلة بمحتوى بحثهم، فيما يُعرف بـ«عمى الإعلان»... وهذه الظاهرة تُسرع الوصول إلى النتائج العضوية، لكنها في المقابل تُضعف فاعلية الإعلان المدفوع وتحدّ من تفاعل المستخدم مع الحملات الممولة»، مشدداً على أن السماح للمستخدمين بإخفاء النتائج الممولة يحمل في طياته انعكاسات مالية مباشرة وغير مباشرة على المنظومة الإعلانية والإعلامية.
 
من ناحية ثانية، يرى الدكتور سعد أن لهذا التغيير تداعيات على استراتيجيات المعلنين والناشرين؛ إذ «يجب على المعلنين والناشرين ابتكار نماذج جديدة من الإعلانات وأكثر استدامة لجذب الجمهور، مثلاً الإعلانات الأصيلة، وهي شكل من الإعلانات يُدمج في نسيج المحتوى التحريري بطريقة متناسقة مع الأسلوب والمضمون، ما يُصعّب حجبه ويُعزز التفاعل دون الإضرار بتجربة المستخدم. وأيضاً البيع المباشر للمساحات الإعلانية الذي يتيح للمؤسسات بيع الإعلانات مباشرة للمعلنين دون وسطاء، وكذلك تنويع مصادر الدخل الإعلامي من خلال التوجه نحو نماذج اشتراك مدفوعة، أو فعاليات رقمية، أو محتوى متخصص مدفوع، لتقليل الاعتماد على الإعلانات كمصدر رئيسي للتمويل».
 
جدير بالذكر أن «غوغل» أعلنت عن أن التحديث الجديد لا يزيد من حجم الإعلانات أو عددها، لكنه يعيد تنظيمها بصرياً كي تكون أكثر وضوحاً وشفافية. وذكرت أن «التحديث بدأ بالفعل في الانتشار عالمياً، ضمن خطة تدريجية تهدف إلى توحيد شكل الإعلانات على جميع المنصات».
 
محمود تعلب، مدير إدارة المحتوى الرقمي في «سي إن إن» الاقتصادية، علق من جهته لـ«الشرق الأوسط» على خاصية إخفاء النتائج الممولة، قائلاً إنها «تؤدي بالفعل إلى تراجع نسبي في معدلات الزيارات القادمة من الإعلانات المدفوعة... وستؤثر على كفاءة الحملات الإعلانية، ما يزيد من تكلفة الوصول إلى الجمهور المستهدف، وبالأخص في القطاعات التي تعتمد على النية الشرائية للمستخدم في لحظة البحث».
 
وأردف تعلب أن «ثمة تأثيرات مباشرة على الشركات الصغيرة والمواقع الإخبارية، فهي الفئات الأكثر تأثراً ستكون بلا شك، لأنها تعتمد بشكل كبير على زيارات البحث المدفوع... وهذه الجهات تفتقر عادة إلى الميزانيات الكبيرة اللازمة لبناء حضور قوي في نتائج البحث، ما يجعلها أكثر عرضة لتراجع الظهور».
 
ثم أشار إلى أن «حركة الزيارات القادمة من البحث تشهد أصلاً تراجعاً ملحوظاً خلال الأشهر الأخيرة نتيجة إدماج ملخصات الذكاء الاصطناعي في نتائج البحث، والتي تقلل من حاجة المستخدم للنقر على الروابط الخارجية». وأوضح: «هذا يعني أن التحديث الجديد في طريقة عرض الإعلانات يأتي فوق تراجع قائم أصلاً، ما يجعل تأثيره التراكمي على المؤسسات الإخبارية والشركات الصغيرة أكثر وضوحاً».
 
وشدد تعلب كذلك على أنه «من الضروري لهذه المؤسسات تنويع استراتيجيات الوصول، سواء عبر تحسين نتائجهم في محركات البحث ونتائج ملخصات الذكاء الاصطناعي، أو تعزيز الحضور عبر منصات التواصل الاجتماعي». لكنه يرى أيضاً أنه «قد تكون هذه الخطوة من (غوغل) بداية لمرحلة أكثر نضجاً في الإعلانات الرقمية، تركز على الثقة والوضوح بدلاً من الكثافة والانطباع اللحظي».