عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    18-Sep-2025

سيناريوهات عربية وردود إسرائيلية محتملة*حسن الدعجة

 الغد

البيان الختامي الصادر عن القمة العربية والإسلامية في الدوحة مثّل محطة مفصلية في التعامل مع الاعتداءات الإسرائيلية الأخيرة التي طالت قطر وامتدت آثارها إلى لبنان وسورية. 
 
 
نبرة البيان، التي جمعت بين الإدانة الحادة والدعوة إلى آليات ردع قانونية ودبلوماسية، تعكس تحوّلاً في المزاج العربي والإسلامي نحو البحث عن خطوات جماعية تتجاوز مجرد الشجب والإدانة. لكن السؤال الأهم يبقى: كيف يمكن أن تتطور مواقف الدول العربية إزاء هذه الاعتداءات؟ وما الذي يمكن أن تقدم عليه إسرائيل بالمقابل؟ استشراف السيناريوهات المستقبلية يفتح الباب لفهم موازين القوى الراهنة واحتمالات التصعيد أو الاحتواء.
السيناريو الأول يتمثل في أن تتخذ الدول العربية موقفاً تصعيدياً جماعياً، يترجم عملياً من خلال خطوات دبلوماسية وقانونية ضد إسرائيل، أبرزها الدفع الجاد لتعليق عضويتها في الأمم المتحدة، والضغط باتجاه فرض عقوبات اقتصادية وعسكرية. هذا السيناريو مشروط بقدرة العواصم العربية على تحقيق توافق سياسي واسع يترجم البيان الختامي إلى إجراءات فعلية، مع قبول دول رئيسية مثل السعودية ومصر والجزائر لعب دور قيادي. فرص تحقق هذا السيناريو متوسطة، إذ تصطدم بإرادة قوى دولية كبرى، كالولايات المتحدة وأوروبا، التي ما تزال تعتبر إسرائيل شريكاً استراتيجياً لا يمكن عزله، غير أن استمرار إسرائيل في الاعتداء على دول غير فلسطين، كما حدث في الدوحة، قد يمنح هذا المسار زخماً أكبر، ويجعل من الصعب على العواصم الغربية الاستمرار في التغطية الدبلوماسية على السلوك الإسرائيلي.
السيناريو الثاني يتجه نحو نهج دفاعي– أمني، يقوم على تعزيز مفهوم الأمن الجماعي العربي والإسلامي عبر آليات ردع عسكرية وسياسية، مع تطوير قدرة الرد بالمثل إذا ما تكررت الاعتداءات. هذا المسار قد يتجسد في تنسيق عسكري أو استخباراتي أكبر بين بعض الدول العربية المستهدفة مباشرة مثل قطر ولبنان وسورية، بدعم سياسي من دول أخرى. شرط تحققه هو تجاوز الخلافات العربية– العربية وتقديم الأمن المشترك على الخلافات الأيديولوجية والسياسية. فرص تحقق هذا السيناريو تبقى محدودة إلى ضعيفة في المدى القريب، إذ إن الواقع العربي يعاني من انقسامات بنيوية عميقة، ويصعب تصور قيام تحالف دفاعي صلب دون توافق دولي يسانده. غير أن تصعيد إسرائيل لاعتداءاتها، خاصة على أراضٍ ذات سيادة معترف بها دولياً مثل قطر، قد يشكّل حافزاً حقيقياً لتحريك هذا المسار ولو تدريجياً.
السيناريو الثالث والأكثر ترجيحاً، يتمثل في الاكتفاء بخطوات سياسية ودبلوماسية متوازنة، تشمل استمرار الضغط القانوني والدولي على إسرائيل، وتحريك ملفاتها في مجلس الأمن والمحاكم الدولية، بالتوازي مع تعزيز الدعم الإنساني والسياسي للقضية الفلسطينية. هذا السيناريو ينسجم مع ما درجت عليه السياسات العربية خلال العقود الماضية، حيث يجري الجمع بين خطاب الإدانة والتحرك في ساحات القانون الدولي دون بلوغ عتبة التصعيد الميداني. شرط تحققه هو توافق عربي واسع على تجنب الانجرار إلى مواجهة عسكرية مباشرة، مع الاستفادة من الزخم الدولي المتصاعد ضد ممارسات إسرائيل، خاصة في ظل الانتهاكات الموثقة في غزة والضفة الغربية. فرص تحقق هذا السيناريو مرتفعة، لأنه يوفر مخرجاً متوازناً يحفظ وحدة الصف العربي ويمنح الدول هامش حركة أمام المجتمع الدولي دون المخاطرة بتداعيات عسكرية واقتصادية واسعة.
أما في المقابل، فإن إسرائيل أمام ثلاثة سيناريوهات محتملة. الأول هو التصعيد المستمر عبر تكثيف ضرباتها ضد قطر ولبنان وسورية لإرسال رسالة ردع مزدوجة: الأولى للدول العربية التي تلعب دور الوسيط، والثانية للمجتمع الدولي بأنها لن تتراجع عن سياسة الهجوم الاستباقي. شرط تحقق هذا السيناريو هو استمرار الغطاء الغربي لها وعدم وجود ردع عربي ملموس. فرص تحققه متوسطة، إذ إن الكلفة السياسية والدبلوماسية تزداد مع كل اعتداء جديد.
الثاني لإسرائيل هو التهدئة التكتيكية، عبر تخفيف الاعتداءات والتركيز على الجبهة الفلسطينية، لتقليل الضغوط الدولية وتجنب خطوات عربية جماعية قد تهدد موقعها في المؤسسات الدولية. هذا السيناريو مشروط بقدرة الحلفاء الغربيين على إقناعها بجدوى ضبط النفس. فرص تحققه عالية نسبياً، خاصة إذا وجدت الحكومة الإسرائيلية نفسها أمام خطر عزلة متنامية.
أما المسار الثالث فهو التصعيد الدبلوماسي–القانوني المضاد، أي محاولة إسرائيل توظيف نفوذها في العواصم الغربية لتقويض أي تحركات عربية نحو تعليق عضويتها في الأمم المتحدة أو فرض عقوبات عليها. شرط تحقق هذا السيناريو هو نجاحها في تصوير التحركات العربية بأنها «سياسية» وغير واقعية. فرص تحققه مرتفعة، إذ إن ميزان القوى الدولي ما يزال في صالحها في كثير من المؤسسات الأممية.
بين هذه السيناريوهات، يبدو أن المدى القصير سيشهد مزيجاً من السيناريو العربي الثالث (التحرك الدبلوماسي والقانوني) والسيناريو الإسرائيلي الثاني (التهدئة التكتيكية)، فيما يظل التصعيد العسكري المتبادل احتمالاً قائماً لكنه أقل ترجيحاً، ما لم تُقدم إسرائيل على استفزاز جديد يتجاوز الخطوط الحمراء الإقليمية. في النهاية، يظل مستقبل المشهد مرتبطاً ليس فقط بمدى وحدة الموقف العربي، وإنما أيضاً بمدى استعداد القوى الدولية لفرض قواعد القانون الدولي على إسرائيل، أو الاستمرار في سياسة غض الطرف التي تشجعها على التمادي.