عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    16-Jun-2025

ماذا لو انسحبت إيران من معاهدة عدم الانتشار؟*د. أشرف الراعي

 الغد

يتعالى صوت التهديد الإيراني. ولا تتوقف الاعتداءات الإسرائيلية، مع إجماع دولي على خروقات لقواعد القانون الدولي العام، وفي خضم التوترات الإقليمية المتصاعدة والانقسامات الدولية المتجددة تعود إيران إلى استخدام ورقة تهديدها بالانسحاب من معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية.
 
 
يأتي هذا التهديد وسط جمود المفاوضات النووية وتقلص فرص إحياء الاتفاق الشامل ورغم أن هذا التهديد لم يفعل بعد بصورة قانونية، إلا أن مجرد طرحه يعكس تحولاً وتصعيدا سياسيا كبيرا في أدوات إدارة الصراع من السياسي إلى القانوني ومن الالتزام إلى الانفلات.
 
فالمعاهدة، التي تعتبر الركيزة الأساسية لنظام عدم الانتشار النووي في العالم تمنح في مادتها العاشرة للدول الحق في الانسحاب بشرط وجود (أحداث غير عادية) تلحق بمصالحها العليا مع إشعار مسبق مدته 90 يوماً وتقديم مبررات واضحة، غير أن هذه الصياغة الغامضة تفتح الباب أمام تأويلات متضاربة وتمنح الدول مجالا كبيرا لاستخدام هذا الحق السيادي في إطار مناورة سياسية دون التقيد بأحكام موضوعية أو آليات رقابية محكمة.
اللافت أن إيران، في حال قررت تفعيل هذا النص، فإن أول تداعياته ستكون انسحابها من نظام التفتيش التابع للوكالة الدولية للطاقة الذرية مما سيُسقط آخر أدوات الشفافية الدولية حول برنامجها النووي، وهو ما يعني– عمليا– أن طهران ستتمكن من مواصلة تخصيب اليورانيوم دون رقابة مباشرة، ما يضع المجتمع الدولي أمام سيناريو مفتوح على كل الاحتمالات من سباق تسلح إقليمي إلى تآكل الثقة في القانون الدولي ذاته.
المشهد ليس جديدا بالكامل، فقد سبقت إيران إليه كوريا الشمالية عام 2003 عندما انسحبت من معاهدة عدم الانتشار دون أن يصنفها مجلس الأمن كمنتهكة، وهو ما شكل سابقة خطيرة فتحت المجال أمام تكرار السيناريو ذاته دون ردع قانوني فعال، وفي هذا أستذكر قولا لأستاذي البروفيسور غسان الجندي- رحمه الله - حينما قال إن «من أهم سمات القانون الدولي لجوءه المتزايد للقضاء الدولي مثل لجوء كاتب مبتدئ إلى صيغة المفعول المطلق»، ما يعني أن الدول ستكون فقط أمام هذا الخيار أو ترك المجال مفتوحاً للخيار العسكري مما يفتح الأبواب مشرعة على العديد من الاحتمالات.
القلق الأكبر، أن انسحاب إيران سوف يفسر– بصرف النظر عن مبرراته– كخطوة نحو امتلاك قدرات عسكرية نووية في منطقة تفتقر إلى الاستقرار بطبيعتها بما يهدد ليس فقط بنية المعاهدة بل مفهوم الأمن الجماعي ذاته ويهز أحد أعمدة القانون الدولي الإنساني المتعلق بأسلحة الدمار الشامل.
وعلى الرغم من ذلك كله يظل الحق في الانسحاب من المعاهدات جزءا من السيادة الوطنية، لكن هذا الحق لا ينبغي أن يتحوّل إلى أداة تهدد السلام العالمي؛ فتهديد إيران، إن تم، فسيكون بمثابة اختبار قاس لقدرة النظام القانوني الدولي على الصمود، ويضع المجتمع الدولي أمام مفترق طرق حرج؛ وبالتالي يمكن أن تكون الحرب العالمية الثالثة قد بدأت فعلاً تقرع طبولها.