تأمين مرضى السرطان.. مقاربات حقوقية*د.نهلا عبدالقادر المومني
الغد
مدلولات ومقاربات كثيرة تحملها الاتفاقية الموقعة بين الحكومة الأردنية ومؤسسة ومركز الحسين للسرطان؛ ابتداء من المقاربة الحقوقية ومرورًا بما تجسده هذه الخطوة من اعمالٍ لمبدأ التنفيذ التدريجي للحقوق وانتهاء بالأبعاد التنموية والإنسانية للاتفاقية التي تشكل في مجملها نموذجا ينبغي الامتثال والتمثل به في العديد من القضايا الوطنية.
أولا، وفي السياق الحقوقي تشكل هذه الاتفاقية انفاذا لالتزامات الأردن في مجال حقوق الإنسان وتحديدا الحق في الصحة، الذي تشكل امكانية الوصول اليه معيارا موضوعيا يعكس التزام الدولة بضمان تمتع الافراد بهذا الحق على أرض الواقع.كما تحقق هذه الاتفاقية مبدأ مهما من مبادئ حقوق الانسان ذات العلاقة بالحق في الصحة وهو مبدأ المساواة في الاتاحة بعيدا عن أي اعتبارات أخرى.
ثانيا، تشكل هذه الاتفاقية نموذجا في تطبيق مبدأ اعمال التدريجي للحقوق؛ وهو المبدأ الذي تخضع له طائفة من الحقوق ومنها الحق في التغطية الصحية الشاملة في اطار طبيعة الالتزامات المترتبة على الدول في مجال حقوق الانسان؛ فالدول تمتلك مكنة الاعمال التدريجي للحقوق ولا تخضع في انفاذ هذه الحقوق لمبدأ فورية التنفيذ نظرا لارتباط ذلك بمدى توفر الموارد الكافية لدى الدولة، لذا فإنه من المقبول ان تقوم الدولة بإجراءات تدريجية وصولا الى الاعمال الكامل شريطة استثمار الموارد بأقصى حد ومحاربة الفساد الذي يعوق التمتع بالحقوق وعدم ممارسة التمييز.
ثالثا تنطوي هذه الاتفاقية وستؤدي الى احداث تطورات ايجابية غير مباشرة وطويلة الامد على مفهوم التنمية المستدامة الذي يسعى الأردن جاهدا الى تحقيق اهدافها السبعة عشر؛ فالاستثمار في الصحة عموما ينعكس ايجابا على قدرة الافراد على المشاركة الفاعلة في عملية التنمية، والاستثمار بصورة خاصة في صحة الاطفال يعد استثمارا لمستقبل افضل لا بل يعد الخطوة الاهم بالتزامن مع دخول الأردن منذ سنوات مئويته الثانية، فطفولة مؤمنة تلقى العلاج والاهتمام يعني بالضرورة واقعا ومستقبلا افضل لاجيال ستحمل على عاتقها استكمال بناء هذه الدولة وهذا الوطن.
على صعيد آخر الهدف الثالث من اهداف التنمية المستدامة المتعلق بضمان تمتع الجميع بأنماط صحية وبالرفاهية في جميع الاعمار من ابرز مقاصده تحقيق التغطية الصحية الشاملة، وهذه الاتفاقية هي في بعد تنموي آخر تشكل مؤشرا على اعمال وإنفاذ هذا المقصد والذي سيكون على المستوى الدولي ايضا من النقاط ذات الوزن الثقيل التي سيحملها التقرير الطوعي الثالث للأردن حول تنفيذ اهداف التنمية المستدامة.
خلاصة القول، هذه الاتفاقية بين الحكومة ومؤسسة ومركز الحسين للسرطان خطوة في الاتجاه الصحيح نحو شمولية التأمين على المدى القريب، وهي وان كانت قد تضمنت في مرحلتها الحالية ثلاث فئات وهم الأطفال من سن تسعة عشر فما دون والافراد من عمر الستين فما فوق ومنتفعي صندوق المعونة الوطنية، الا انها تبقى مؤشرا ايجابيا على السير نحو الاعمال التدريجي نحو التغطية التأمينية الشاملة لمرضى السرطان، وهي نموذجا يتوجب ان يحتذى به في اعمال حقوق أخرى في قطاعات مختلفة لا تقل أهمية.
والأهم من ذلك ما تنطوي عليه هذه الخطوة من ابعاد انسانية وادراك لكرامة الافراد التي تعد جوهر حقوق الانسان، وتجسيدا في الوقت ذاته لفلسفة التنمية المستدامة القائمة على ضرورة ألا يبقى أحد في الخلف مهمشا، فاقدا للقدرة على الوصول الى الحق.
هذه الاتفاقية هي غرسة صالحة تسعى لتعزيز ثقافة الأمل بأن القادم هو للانسان ومن أجله ومن أجل مستقبل افضل للأردنيين والأردنيات الذين يستحقون دوما ما هو افضل.