عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    20-Oct-2025

التعليم أمام لحظة حاسمة.. مؤشرات الأداء تكشف خللا بنيويا وتهدد جودة المخرجات

 الغد-محمود الطراونة

 في وقت أظهر فيه تقرير تحليل أداء المدارس بالزيارات التقييمية للعام الدراسي 2025/2024، الصادر عن وزارة التربية والتعليم، صورة مقلقة لواقع التعليم بالمملكة، كشف عن نسب مرتفعة جدا من الأداء الضعيف والمتدني بعدد من المؤشرات الأساسية التي تعكس جودة العملية التعليمية ومخرجاتها، وتؤثر على واقع العملية التعليمية.
 
 
مدارس بمستوى ضعيف ومتدن 
فقد أظهرت النتائج أن 88 % من المدارس التي تمت زيارتها من قبل فريق التقييم بالوزارة، جاءت بمستويي أداء ضعيف ومتدن، بمؤشر استخدام نتائج تقويم الطلبة الفردية والتراكمية لدعم تعلم الطلبة وتطوير الخطط المدرسية، في حين حققت 64 % فقط أداء مرضيا بمؤشر التنويع بإستراتيجيات التدريس ومراعاة الفروق الفردية لتلبية احتياجات الطلبة.
أما فيما يتعلق بكفايات التعامل مع الطلبة ذوي الاعاقة، فقد جاءت نتائج 82 % من المدارس في مستويي أداء ضعيف ومتدن. 
وعموما فهذه الأرقام لا تمثل مجرد نسب إحصائية، بل تكشف عن خلل بنيوي بمنظومة التعليم التي تحتاج لقراءة تحليلية جادة تذهب لجذور المشكلة وآثارها المستقبلية والبحث عن حلول عملية واقعية لها.
ضعف نتائج تقويم الطلبة
وأول ما يلفت الانتباه، هو ضعف توظيف نتائج تقويم الطلبة بتحسين العملية التعليمية، فعلى الرغم من أهمية التقييم باعتباره أداة لتشخيص نقاط القوة والضعف وتصميم خطط التعليم وفقا لها، فإن غالبية المدارس ما زالت تتعامل معه كإجراء شكلي لا يتعدى تسجيل الدرجات أو تصنيف الطلبة، ما يعني أن البيانات التي يمكن أن تُستخدم لتصميم خطط التدريس الفردية وتطوير المناهج تبقى غير مستثمرة، وهو ما يفسر استمرار المشكلات التعليمية دون حلول فعالة.
وبالمحصلة فإن عجز 88 % من المدارس عن تحويل نتائج التقييم، لأدوات تحسين يشير لضعف ثقافة التقييم البناء، وغياب أدوات تحليل البيانات التعليمية، وضعف الربط بين نتائج التقييم وخطط المدرسة، وهذه الفجوة تعني أن القرارات التعليمية لا تستند لأدلة، وأن التخطيط المدرسي لا يعكس الواقع الفعلي لقدرات الطلبة واحتياجاتهم.
أما مؤشر التنويع بإستراتيجيات التدريس، الذي سجلت فيه 64 % من المدارس أداء ضعيفا، فيكشف عن مشكلة أخرى لا تقل خطورة، إذ ما زالت العملية التعليمية تعتمد بمعظمها على أساليب تقليدية قائمة على التلقين ونقل المعلومات، دون استخدام طرق متنوعة تراعي اختلاف أنماط التعلم ومستويات الطلبة.
وهذه الممارسات بمجملها، تحد من قدرة الطلاب على التفكير النقدي وحل المشكلات والتفاعل مع المادة التعليمية، كما أن ضعف مراعاة الفروق الفردية يؤدي لتراجع تحصيل الطلبة الأكثر احتياجا للدعم، فيما تبقى قدرات المتفوقين غير مستثمرة بشكل كاف، ويعود هذا القصور بجانب كبير منه لضعف إعداد المعلمين وتأهيلهم للتعامل مع بيئات تعليمية متنوعة، إضافة إلى المركزية الإدارية التي تحد من قدرة المدارس على تطوير أساليب التدريس بشكل يتناسب مع احتياجاتها.
وفي جانب آخر لا يقل أهمية، كشف التقرير، عن قصور واضح بقدرة المدارس على التعامل مع الطلبة ذوي الاحتياجات الخاصة، حيث أظهرت 82 % منها مستويات أداء ضعيفة ومتدنية في هذا المجال. 
هذا الواقع يكشف عن مشكلة حقيقية ويعكس غياب إستراتيجية وطنية فعالة للدمج التربوي، وضعف تأهيل المعلمين للتعامل مع الفروق الفردية الخاصة، فضلا عن نقص البنية التحتية والخدمات المساندة داخل المدارس. 
وفي كثير من الحالات، يتم استبعاد الطلبة ذوي الإعاقة، بشكل غير مباشر من الأنشطة التعليمية، أو لا يتم تصميم مناهج وأنشطة تلائم قدراتهم. 
ونتيجة لذلك، تبقى هذه الفئة محرومة من حقها بتعليم نوعي عادل، ما يوسع الفجوة الاجتماعية ويضعف فرصهم المستقبلية في التعليم والعمل والمشاركة المجتمعية.
ولدى تحليل الأسباب الجذرية والواقعية التي أدت لهذه النتائج، وعبر قراءة متأنية للنتائج يتضح أن هناك عدة عوامل متشابكة تقف وراء هذا التراجع، أولها القصور بالبنية المهنية للمعلمين، إذ تبقى برامج الإعداد والتدريب بالغالب نظرية وتقليدية، ولا تزود المعلمين بالأدوات اللازمة لتحليل نتائج الطلبة أو تصميم خطط تدريس متنوعة وفعالة، وثانيها غياب الثقافة المؤسسية للتقييم داخل المدارس، حيث يُنظر إلى التقييم على أنه وسيلة محاسبة بدلاً من كونه أداة لتحسين التعلم. 
كما تلعب المركزية الإدارية في وزارة التربية والتعليم، دورا محوريا بالحد من قدرة المدارس على تطوير خططها وبرامجها التعليمية بشكل مرن ومبتكر، يضاف لذلك ضعف البيئة المدرسية الداعمة للدمج، وغياب أنظمة فعالة للمتابعة والتقويم الذاتي، وضعف التكامل بين الأسرة والمدرسة في دعم العملية التعليمية.
إن استمرار هذا الواقع دون تدخل، سيؤدي لآثار بعيدة المدى تتجاوز حدود المدرسة، فمن الناحية الأكاديمية، سيؤدي ضعف توظيف نتائج التقييم لاستمرار تدني التحصيل، ما يجعل الطلبة غير مؤهلين للانتقال إلى المراحل التعليمية الأعلى بمهارات وقدرات كافية.
وعلى مستوى سوق العمل، سيزداد الفارق بين المهارات التي يكتسبها الخريجون واحتياجات سوق العمل، ما يفاقم معدلات البطالة ويحد من القدرة التنافسية للاقتصاد الوطني.
أما على المستوى الاجتماعي، فإن ضعف برامج الدمج سيؤدي لاستمرار إقصاء فئات واسعة من المجتمع عن فرص التعليم والعمل، ما يهدد مبادئ العدالة والمساواة ويعمّق الفجوات الاجتماعية.
ورغم الصورة القاتمة التي تعكسها هذه الأرقام، إلا أن التقرير نفسه يوفر فرصة لإعادة التفكير في المسار التربوي، فوجود مؤشرات أداء واضحة – مهما كانت سلبية – يعني أن هناك نقطة بداية يمكن الانطلاق منها نحو الإصلاح في قطاع التعليم. 
ولعل أبرز ما يتطلبه الأمر هو إعادة تعريف وظيفة التقييم وجعله أداة لتحسين التعليم وليس فقط لقياسه، وتطوير برامج إعداد وتدريب المعلمين بما يمكّنهم من التعامل مع الفروق الفردية وتوظيف البيانات التعليمية بفعالية. 
كما ينبغي إعادة هيكلة الإدارة المدرسية لمنح المدارس قدراً أكبر من الاستقلالية في تصميم خططها وبرامجها التعليمية استناداً إلى نتائجها الخاصة، مع وضع آليات مساءلة واضحة لضمان جودة المخرجات. 
ولا بد أيضاً من تحقيق الدمج التربوي الفعلي عبر توفير البيئة المدرسية المهيأة، وتأهيل المعلمين، وتوفير الدعم النفسي والاجتماعي للطلبة ذوي الإعاقة "ذوي الاحتياجات الخاصة"، إن التحول بهذه الجوانب سيعني انتقال النظام التعليمي من مرحلة إدارة الأزمات لمرحلة بناء القدرات، فبدلا من أن تكون المدرسة مؤسسة لتلقين المعرفة، ستصبح مركزاً لتطوير المهارات وصقل القدرات، وبدلاً من أن يكون التقييم أداة لتصنيف الطلبة، سيصبح وسيلة لفهمهم ودعمهم. 
كما سيتيح ذلك بناء نظام تعليمي قادر على الاستجابة للتغيرات المتسارعة في العالم، وتزويد الطلبة بالمهارات اللازمة للمنافسة في الاقتصاد المعرفي العالمي، وعلى المستوى المجتمعي، فإن إصلاح التعليم سيؤدي إلى تقليص الفوارق الاجتماعية وتعزيز العدالة وتحقيق التنمية المستدامة، وتمثل نتائج تقرير تحليل أداء المدارس في الزيارات التقييمية للعام الدراسي 2025/2024 جرس إنذار واضح بوجود أزمة بنيوية لا يمكن تجاهلها، إذ إن نسب الأداء الضعيف بالمؤشرات الأساسية– 88 % بتوظيف نتائج التقييم، 64 % بتنويع أساليب التدريس، 82 % بالتعامل مع ذوي الإعاقة– ليست مجرد أرقام، بل هي انعكاس لحقيقة أعمق، أن النظام التعليمي في صورته الحالية يحتاج إلى مراجعة شاملة. 
فإما أن تُتخذ هذه النتائج نقطة انطلاق لإصلاح جذري وشامل، أو تبقى العملية التعليمية تدور في حلقة مفرغة من السياسات التقليدية التي لا تنتج إلا مخرجات محدودة.