الراي
أدعو فريقاً من الباحثين الجادين الوطنيين وأفضل أن يكونوا من غزة ويقيمون فيها بالتعاون مع باحثين عرب من خارج غزة يعملون في مجال التاريخ الى إنشاء جمعية تسمي نفسها "الناجون من الابادة" تعمل بنفس الأسس التي عملت عليها جماعة الهولوكوست الاسرائيلية من حيث البحث والتوثيق والتمويل، حتى يدون على الورق كل أسماء الضحايا الشهداء الذين سقطوا في حرب اسرائيل على غزة، والذين ارتكبت بحقهم مجازر الابادة الجماعية والتطهير العرقي، وأن يكتب عن كل طفل ورجل وشاب وامرأة وشيخ مسن عن حياته، فالانسان ليس رقماً ولا يجوز أن يكون، لأن هذا انسان قد يكون لم يعشها بسبب الابادة، لكن يبقى له عالمه وعلاقاته وطموحة وتطلعاته.
وأن يستعان بكل الوسائل للمعرفة عن الشخص من الأهل والأقارب والمدرسة والجامعة والمسجد والجمعية أو المستشفى لتستكمل الكتابة عنهم وتدون اسماءهم في سجلات تحفظ وأوعية معرفة من مختلف الوسائل الورقية والالكترونية.
كما ادعو أن يصاحب ذلك التخطيط لاقامة متحف بالصوت والصورة ينشأ في غزة اثناء إعمارها لتبقى الذكريات حيّة وشاهدة على بشاعة حرب الابادة وتظل الأجيال تذكر تلك المأساة وذلك العدوان البشع.
لقيام هذا المركز بالاسم الذي يناسبه ليكون نصباً تذكارياً له طابع رسمي وأهلي، وله فروع عديدة داخل غزة وحتى خارجها ويمكن الاحتفال بالمناسبة بعد تحديد يوم لها في أي عاصمة عالمية سنوياً وينقل الحفل السنوي من عاصمة لأخرى، حسب استعداد العاصمة وإيمانها بقيمة الحياة البشرية الانسانية.
اسرائيل أقامت مركزا في القدس اسمته (اياد فاشيم) يزوره كل من يزورها وتبقيه حياً لذكرى ما تسميه المحرقة، (الهولوكوست) ومطلوب لغزة الآن اقامة نصب تذكاري على شكل متحف يجسد المأساة المروعة ويعكسها ليظل العالم شاهد، وهنا لا بد أن ينهض بالعبء المالي مجموعة من الاغنياء الفلسطينيين القادرين على تمويل شيء يليق بالشهداء وعن المأساة وأن يتنافس المصممون والمعماريون في هذا المجال وأن تكون تبرعاتهم سخية لانجاز ذلك، وأن يجد الباحثون والمدونون والذين يعملون على حصر الخسائر من الأرواح، تمويلاً لمشروعهم، وان يتطوع الشباب والشابات عرباً وغير عرب، ومسلمين وغير مسلمين، وحتى يهود في اقامة هذا المشروع الانساني المهم لتبقى الذكرى ملهمة في بشاعة الحرب والعدوان وسقوط ضحاياها.
وإذا كان فيلم، هند رجب، قد حاز على الأوسكار ونجح وتحدث به مشاهير العالم في الفن والسينما، فانه يمكن أن يحمل النصب اسم الطفلة هند رجب .....، ليدرج تحته اسماء كل الأطفال وكل الضحايا على مختلف أشكال التعذيب التي واجهوها من قتل بالرصاص أو التشريد أو الحرق أو التجويع والتعطيش
اعتقد ان بناء النصب التذكاري والشروع فيه هو أولوية لا يجوز أن تؤجل، فذكر الشهداء وذاكرتهم هو الامداد الحقيقي لروح الصمود وهو الوقود وزيت القناديل التي تشعل الروح وطنية ومحبة.
حاولت اسرائيل وما زالت تحاول فصل الفلسطينيين عن ذاكرتهم وكي هذه الذاكرة لتنسى أو تخاف، ومن هنا أزالت اسرائيل وبسرعة النصب التذكاري الذي أقيم في رام الله للشهيدة دلال المغربي في نفس يوم إقامته .
أتقدم بهذه الدعوة الثقافية التاريخية برسم من يستطيع أن يطورها ويعمل عليها من جانب أي انسان أو مجتمع او هيئة. فالنازية التي عذبت ضمير العالم، تركت آثاراً عديده للعبرة من بشاعتها، ولعل رؤية متاحف وبانورومات موسكو التي سجلت بشاعة النازية أكبر دليل لمن زار ورأى.
لقد دمرت اسرائيل في غزة الانسان والشجر والحجر، ودمرت متاحف وأضرحة، (ضريح هاشم بن عبد مناف) وهدمت كنيسة في غزة وهي ثاني أقدم كنيسة في العالم، (كنيسة القديس برفيريوس)، كما هدمت مساجد مهمة وأضرحة ونصب الجندي المجهول وقصر الرضوان وأبنية وخانات، كان يستعملها القرشيون الذين كانوا يتاجرون من مكة مع غزة منذ فجر الاسلام، حيث كان الرسول (ص)، في تجارة لخديجة مع ميسرة وعمره في الرابعة والعشرين وكان والده عبد الله من قبله وجده هاشم بن عبد مناف، الذي سميت غزة باسمه، غزة هاشم.
الفكرة التي أطلقها هي فكرة لمشروع وطني قومي كبير يحافظ على تراث غزة وتاريخها ويخلد ذكرى شهدائها ويبقيها حية في أذهان أهلها والعالم، وهي التي صرخت من أجل الحرية وجاءها العالم ملبياً الاعتراف بقضيتها ولو بعد حين.