عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    27-Jul-2025

كل ألم إنساني جدير بالاهتمام* رنا حداد

الدستور - 

 
تزخر مواقع التواصل الاجتماعي بظاهرة مزعجة تزداد انتشارًا يومًا بعد يوم. إذ بات من المعتاد أن يعبّر أحدهم عن حزنه أو ألمه تجاه حدث شخصي أو عام – فقدان، أزمة صحية، معاناة نفسية، أو حتى خبر وفاة – لتنهال عليه تعليقات تقلل من شأن ما يشعر به، وتدفعه إلى الصمت، بحجة وجود قضية «أهم» أو «أكبر» في مكان آخر.
تعليقات مثل: «مش وقته»، «فيه أولويات أهم»، أو «ركّزوا على القضايا الكبرى»، أصبحت مألوفة، لكنها في حقيقتها قاسية وغير إنسانية.
فهي تنزع عن الآخرين حقهم في الحزن، وتُشعرهم بالذنب لمجرد أنهم يتألمون لأسباب تخصهم، أو لأنهم تفاعلوا مع أزمة خارج السائد.
المؤلم أن هذه المواقف لا تأتي غالبًا من أشخاص يعيشون الأزمة التي يطالبون الجميع بالتركيز عليها. بل من متابعين اختاروا تبنّي خطاب يستنكر التعاطف مع أي قضية أخرى، في تجاهل تام لطبيعة الإنسان المعقدة، وقدرته على الاهتمام بأكثر من أمر في الوقت ذاته.
نحن كبشر، لا نملك مفاتيح الحل السحري لمشاكل العالم. كثيرون لا يملكون إلا الدعاء، أو التبرع الرمزي، أو التضامن المعنوي. ومع ذلك، فإن أبسط أشكال الدعم تفقد قيمتها حين يُشعر الشخص بأن تعاطفه «خطأ» أو «غير كافٍ»، أو حين يُجبر على تجاهل ألمه الخاص لأنه لا يُعدّ أولوية عند غيره.
إن تقليل شأن أوجاع الآخرين، تحت ذريعة وجود أوجاع أكبر، لا يصنع عدالة، بل يعمّق الجرح. فالمآسي لا تُقارن، ولا تُصنّف، ولا تُوضع على مقياس للأهمية. من حق كل إنسان أن يشعر، أن يحزن، وأن يشارك ألمه دون أن يُطلب منه تبرير مشاعره أو ترتيبها .
هذا العالم تتراكم فيه المآسي من كل الجهات – في فلسطين، في اليمن، في السودان، وفي غيرها من الأماكن المنسية – يبقى الصوت الإنساني الصادق هو الأهم. صوت لا يُهمّش أحدًا، ولا يُقصي أحدًا، بل يحتضن المعاناة بتنوعها، ويعترف بأن لكل دمعة مكانها في القلب.
فلنترك باب الرحمة مفتوحًا، ولنمنح الآخرين حقهم في الحزن، دون شروط.