عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    18-Sep-2025

إعلاميون_اردنيون- جرير مرقة: صوت أردني رصين يحمل همّ الوطن والقدس

سوشيال ميديا

عماد الشبار 

في المشهد الإعلامي الأردني، أسماء حفرت حضورها العميق بصوتها وأدائها والتزامها الوطني، ومن بين هذه الأسماء البارزة يسطع اسم الإعلامي جرير مرقة، الذي ظلّ على مدار عقودٍ وجهًا مألوفًا وصوتًا موثوقًا في البيوت الأردنية. تنقّل بين الإذاعة والتلفزيون، وترك أثرًا في كل محطة مرّ بها، صوتًا صادقًا وعينًا مفتوحة على قضايا الناس، وذاكرة حيّة لقضية الأمة: القدس.
نشأ جرير مرقة في أسرة تهتم بالثقافة والتعليم، حيث شجعته بيئته الأسرية على حب المعرفة والكلمة. منذ بدايات شبابه، انجذب إلى الميكروفون والإعلام، فالتحق بالإعلام الرسمي في فترة مبكرة من عمره، وبدأ مشواره في الإذاعة الأردنية، التي كانت آنذاك المنصة الأولى لصوت الوطن والمواطن. وقد نشأ إلى جانبه أشقاؤه الإعلاميون أيضًا، من بينهم جواد وجودت مرقة، مما يعكس عمق العلاقة الأسرية بالإعلام والثقافة
بدأ عمله في الإذاعة الأردنية، حيث لمع صوته في تقديم نشرات الأخبار والبرامج الحوارية والخدمية التي تلامس حياة الناس. عُرف بإتقانه للغة العربية، وصوته الموزون، وقدرته على الحوار الهادئ والمتزن. لم تكن الإذاعة مجرد مهنة بالنسبة له، بل كانت مسؤولية وطنية، ومن خلالها تدرّج في المناصب حتى أصبح مديرًا عامًا للإذاعة الأردنية، مشرفًا على تطوير البرامج، وتوسيع دائرة التفاعل مع الجمهور، وتدريب كوادر إعلامية شابة.
جرير مرقة قدم مجموعة من البرامج الإذاعية التي تركت بصمة واضحة في وعي الجمهور الأردني:
حديث الثلاثاء: برنامج حواري يُعرض مساء كل ثلاثاء، يسلط الضوء على قضايا وهموم المواطن الأردني، ويتيح مساحة للنقاش الحر حول موضوعات الساعة مثل قانون النقابات، الأحزاب السياسية، التعليم، والحريات الصحفية.
كيف الحال: برنامج توعوي يركز على ترشيد استهلاك الموارد مثل الكهرباء والماء والمحروقات، ويقدم نصائح عملية للحفاظ على البيئة والموارد الطبيعية.
البيت الأردني: برنامج اجتماعي يُنتج محليًا ويعرض قضايا المجتمع الأردني، مع التركيز على التحديات والفرص في القطاعين العام والخاص.
عين: برنامج شبابي يعكس تجارب وطموحات الشباب الأردني، ويسلط الضوء على التحديات التي يواجهونها في مختلف المجالات.
في التلفزيون الأردني، انتقل جرير مرقة إلى جمهور أوسع، وقدم باقة من البرامج التي تركت أثرًا إيجابيًا في وعي المشاهد الأردني:
يوم جديد: برنامج صباحي شبابي اجتماعي، قدم حلقات مميزة إلى جانب الإعلامية لانا مامكغ، ركّز على دعم الشباب والمواهب الأردنية في مجالات الأدب والفنون والبيئة والعمل التطوعي.
مساء الخير يا بلد: برنامج اجتماعي وثقافي يعنى بقضايا المجتمع الأردني، عرض هموم المواطن اليومية، ومشكلات ونجاحات الأردنيين من مختلف المناطق.
عين على القدس: برنامج أسبوعي يتناول قضايا مدينة القدس المحتلة من مختلف الزوايا السياسية والدينية والثقافية والسكانية. يقدم تقارير ميدانية من القدس، ويستضيف مختصين وشخصيات مرموقة، ويناقش تطورات الانتهاكات الإسرائيلية، مع تعزيز الهوية الوطنية الأردنية في دعم القدس ومقدساتها.
لم يكن مرقة مجرد مقدم برامج، بل تقلّد مناصب قيادية رفيعة في الإعلام الأردني الرسمي:
مدير الإذاعة الأردنية: عمل على تطوير بنية البرامج والخطط الإعلامية، وفتح الأبواب أمام التجديد والانفتاح.
المدير العام لمؤسسة الإذاعة والتلفزيون: تولّى المنصب رسميًا في الأول من أيلول 2008، وأدار المؤسسة في مرحلة حساسة، مع التركيز على ترشيد الإنفاق، وتنظيم الدورة البرامجية، وتعزيز المهنية الإعلامية، واتخاذ قرارات مهمة مثل إعادة ضبط محتوى البرامج الحوارية.
عضو مجلس إدارة مؤسسة الإذاعة والتلفزيون (لاكثر من مرة): ساهم في وضع الخطط الاستراتيجية وتوجيه السياسات الإعلامية العامة، مما يعكس ثقة الدولة بخبرته وحنكته.
تميز جرير مرقة بعدة سمات جعلته نموذجًا للإعلامي المحترف:
الهدوء والعمق: لا يعتمد على الإثارة أو الصوت العالي، بل على الحجة والمعلومة.
الثقافة الواسعة: ملم بالشأن السياسي والإعلامي، ويحاور من موقع الفهم لا الانفعال.
الصدق والالتزام: حافظ دائمًا على صورة الإعلامي المهني المتوازن، بعيدًا عن الشعبوية.
رغم تقاعده من المناصب الرسمية، لا يزال حاضرًا بقوة في المشهد الإعلامي من خلال تقديم برنامج "عين على القدس"، والمشاركة في ورش تدريبية ولقاءات أكاديمية مع الإعلاميين الشباب، وكتابة تحليلات ومقالات في الشأن الإعلامي والسياسي.
خلال مسيرته المهنية الطويلة، واجه جرير مرقة العديد من التحديات في المشهد الإعلامي الأردني، أبرزها الفجوة في الخبرات الإعلامية وتقسّم الساحة الإعلامية بين أطراف مختلفة، ما أثر على جودة الرسالة الإعلامية. وأكد مرقة دائمًا على ضرورة تطوير الأداء الإعلامي ورفع كفاءته ليواكب التحولات والتطورات السريعة في وسائل الإعلام الحديثة، مؤكدًا أن الإعلام الوطني يجب أن يكون رافدًا حيويًا لدعم سياسات الدولة وتعزيز جهود التنمية والتطوير على كافة الأصعدة
جرير مرقة يُجسد تجربة إعلامية متكاملة، جمعت بين الميكروفون والكاميرا، بين الإدارة والحوار، بين الصوت الأردني الحر والقدس التي ظلّت في قلبه. هو إعلامي من طراز رفيع، لم تغوِه المناصب، ولم تغيّره الظروف، بل بقي مخلصًا للكلمة ولرسالته الوطنية. يبقى صوته علامة فارقة في الإعلام الأردني، وحضورُه نموذجًا يُحتذى به لكل من يسعى لتقديم إعلام متوازن، صادق، وملتزم بقضايا الوطن والأمة.
عماد الشبار