الراي
قولوا حقاً أو فاصمتوا، فهذا الوطن مشغول بتدبير أمره والوفاء بالتزامه ودرء مخاطر اعدائه والوقوف مع اشقائه المحاصرين.
إن كنتم تمدحون أو تنتقدون فاخشوه، اخشو أن تسيئوا له، والمزايدون وكذلك المناقصون يضايقونه، وكلاهما لا يعرف الكيل ويريد حشر وطننا في الزاوية التي يرى منها
“لعمرك ما ضاقت بلاد بأهلها،
ولكن أخلاق الرجال تضيق"
وإن كنتم تناقصون، فإن الوطن (الأردن) أكبر منّا جميعاً، وهو من يستحق أن يخشى وان نخاف عليه ونحافظ على سمعته ومسيرته.
لهذا البلد إمام، قائد احتفلنا أمس بيوبيل حكمه الممتد، وهو من يحدد ويقود ولا خلاف، ونحن نصلي خلف الإمام، فلا صلاة جامعة من دون امام ونقول آمين، حين يقول، ولا نخشى أن نبدي رأياً كما أبدى الحباب بن المنذر، الصحابي، حين نزل الرسول (ص) على ماء بدر، وقال للصحابة يطلب الرأي، فقال الحباب، يا رسول الله، أهذا منزل أنزلكه الله ام هي الحرب والمكيدة؟ فقال الرسول بل هي الحرب والمكيدة، فطلب المنذر تغيير موضع المعركة، أي إعادة الموضعة لفريق الرسول من الصحابة، وقد فعل الرسول ذلك لوجاهة الرأي.
في مناخاتنا اليوم، كلام كثير ورطانة ولغو بعضه، فيه سمّ زعاف
وجحود ونكران، حيث يهبط الذباب الالكتروني بألوانه المختلفة على أطباق غذاء عقولنا ووجداننا، فيلوث الكثير، وتصبح الحال معه كحال، "إذا وقع الذباب على طعام، رفعت يدي ونفسي تشتهيه".
الذباب الموجه للنيل من صناعة مواقفنا يحتاج الى مبيدات، وقبلها الى نظافة ساحاتنا من كل ما يجلب الذباب ليحط عليه من مشككين ومروجين للفتنة.
الأردن يعرف حجمه جيداً ولا يدعي مالا يملك ويعرف قدره ودوره ورسالته، وقد خبر ذلك ومارسه، من أجل ذلك وقدم الكثير وما زال يقدم، دفاعاً عن مناقبيته وصفاته ومبادئه ونهجه وطهارة سلاح جيشه، وهو ليس بحاجة الى من يعبث بنسيجه الوطني تحت مسميات عديدة، بعضها قد يكون كلام حق يراد به باطل أو كلام أشبه بوضع السم في الدسم أو من يريد أن يعلمه دروساً في الوطنية والقومية،
أوراق الاعتماد، والأردنية مقدمة لدى المواطنين الأردنيين كافة وأمام المجتمع الدولي كلّه وهي ممهورة بمواقف الملك وخاصة الاخيرة التي كتبنا عنها.
نرى أن الأردن في هذه المرحلة لا يحتمل المزايدة ولا المناقصة، وإنما يعيش على هدي من مبادئه والتزاماته، ندعو الى الهدوء في القول والسلوك والى احتضان الوطن، دون خنقه، فالأم الجاهلة هي من تخنق رضيعها باسم المحافظة عليه وحمايته أو هي من تتركه لعوامل المرض والعدوى وتنشغل بأمور أخرى.
نعوذ بالله من شرور تصيب الوطن ومن هرج ومرج وخروج، ممن يراه الشطّارون والعيّارون والذين في نفوسهم مرض، ونرى أن الوصول الى الحقيقة والدفاع عنها لا يحتاج الى صخب أو مناكفات أو إحداث شروخ أو حفر خنادق داخل النسيج الوطني.
يؤلمنا جداً ما يجري في غزة، وهو جرح في كفنا نراه ولا نستطيع أن نغمض العيون أو نضع الرأس في الرمل أو القول "يصطفلوا " أو فخار يكسر بعضه"، لأننا أمام حريق عند الجيران، ونخشى أن يمتد، ولأنه يصيب أهلنا، ويضر بأمننا الوطني، ولذا كانت الصرخة الملكية الانسانية العميقة من أجل غزة، وقول الملك (أهل غزة لا يتطلعون الى الكلام المنمق والخطابات لكن للفعل).
وإذا كان اهل غزة أنفسهم يقرون للأردن بالفضل والعرفان لما قدم ويقدم على مختلف الاصعدة، رغم أن ايديهم في النار واجسادهم وأطفالهم، فإنه يشكر على ذلك، ولا يشكر الجاحدين الذين يستعدون على جرح غزة بالمزايدات، نعم أهل غزة شكروا الأردن على مواقفه كما قال الملك، وزاد الملك في شكرهم وقال ان ما قدم لهم ليس كافياً، وان غزة تستحق أكثر، وها نحن نعمل ما استطعنا الى ذلك سبيلاً، حتى بالانزال الجوي على خطورته، الى أن، تفتح الحدود،
يؤسفنا أن نسمع كلاماً ينال من دورنا وعطائنا وصبرنا وتضامننا وتضحياتنا وكلفة مواقفنا، وهو كلام فيه عدم مسؤولية ومحاولة ثنينا عن مواقفنا او اظهارنا في حالة نكوص أو إحباط،
لن ينجر الأردن الى ذلك، بل سيمضي قابضا على الجمر محتسب عمله للإنسانية والأخوة، وروابط الأمة.
لن نضيع جهد شعبنا وقيادته التي ما زالت تطارد كل أشكال الشر الذي يدبر ليزرع في المنطقة وينبت اشواكاً وصراعات ومشاكل وفتن، ولن يبدد هذا الجهد بالمزايدات وحروب الكلام الجانبية والردح ، أننا نحيل المتحمسين الأوغاد الى ضرورة ان يصمتوا في حضرة الوطن الاردني وهيبته وهو يتدبر في امتحان شاق لا يعرف قسوته الاّ الحكماء، والمخلصون من ابنائه، والخلافات المفتعلة، ولا يجوز لاحد أن يستسهل نقلها للداخل بالكلام والرطانة واللغو الذي سيكون بيئة خصبة للانقسام والضعف.
اتقوا الله في هذا الوطن وقولوا قولاً سديداً أو فاصمتوا فهناك من يعمل بصمت.