عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    14-Oct-2025

كابوس الفواتير": قلق يلاحق العائلات مع اقتراب نهاية كل شهر

 الغد-رشا كناكرية

 يوما بعد آخر، تزداد متطلبات الحياة الأساسية للأسر الأردنية؛ ضغط اجتماعي وأسري واقتصادي يعيشه الجميع. ومع غلاء المعيشة وارتفاع تكلفة الحياة، يتزايد القلق الذي يرافق كل رب أسرة مع اقتراب نهاية الشهر، بسبب كابوس الفواتير الشهرية.
 
 
ورغم أن فواتير الماء والكهرباء وغيرها الكثير؛ أمر حتمي لا مفر منه، إلا أن القلق لا يقل، بل يزداد شهرا بعد آخر، مصحوبا بخوف من ارتفاع التكلفة وفقدان السيطرة عليها.
ومن جهة أخرى، هذا القلق يتسبب بالعديد من الخلافات الأسرية، إذ قد يفرغ رب الأسرة توتره على أفراد عائلته من دون إدراك منه، ليعيش صراعا نفسيا مستمرا بين رغبته في تأمين حياة سعيدة لأسرته من جهة، وقدرته على تحمل متطلبات الحياة "الثقيلة" من جهة أخرى.
والواقع الذي لا تنكره أي عائلة، أنها تتشارك الهم ذاته؛ كابوس فواتير آخر الشهر الذي أوجد قلقا يخيم على سعادة الأسرة.
تراجع القيمة الشرائية للدخل
ويبين الخبير الاجتماعي الاقتصادي حسام عايش أن الأوضاع الاقتصادية والمعيشية للأسر صعبة، ليس فقط بسبب تراجع القيمة الشرائية للدخل حتى مع زيادة الرواتب نقدا، بل بسبب تعدد أوجه الإنفاق وتحولها إلى إنفاق أساسي، ما يرتب مزيدا من الأعباء المالية والمعيشية على الأسر.
ويوضح عايش أن هذه الأعباء تؤرق حياة الأسر وتزيد من مستوى الضغط الأسري، خصوصا فيما يتعلق بردود الفعل المتشنجة بين أفراد العائلة، وبالذات رب الأسرة الذي يجد نفسه أمام ضائقة مالية شهرية، في ظل فواتير لا تتوقف. ووفقا لذلك، فإن الأوضاع الاقتصادية الضاغطة، وضعف القدرة على تحسين مستويات الدخل من حيث القوة الشرائية، وتراجع مصادر الحصول على دخل إضافي، والضرائب والرسوم التي تقطع من الراتب الإجمالي، تجعل الراتب الصافي وكأنه أقل بكثير من القدرة على الإنفاق على المتطلبات المتزايدة للأسرة.
وجميعها عوامل ضغط إضافية تقلل من مستوى المعيشة وترفع من تكاليفها، بحسب عايش، مبينا أنها تضع رب الأسرة وأفرادها أمام تحديات التكيف التي تكاد تكون مستمرة مع متطلبات الحياة ومع هذا السيل الجارف من الفواتير التي لا تتوقف.
ويشير عايش إلى أن كلفة المعيشة مرتفعة نتيجة ارتفاع الأسعار، والزيادة في أسعار الكهرباء والماء والوقود، إضافة إلى الضرائب غير المباشرة تثقل كاهل الطبقتين الوسطى ومحدودة الدخل، عدا عن ضعف فرص العمل أو قلتها، حيث تبقى البطالة مرتفعة، خاصة بين الشباب.
ويؤكد عايش أن الأوضاع الاقتصادية أثرت على الأسرة الأردنية ماليا ونفسيا واجتماعيا، فارتفاع الفواتير يجعل الأسرة تعيد ترتيب أولوياتها في الطعام والمسكن، وتؤجل كثيرا أحيانا من القرارات المالية، بما في ذلك المتطلبات التي قد تكون ذات أولوية.
ضغوط نفسية ناجمة عن العجز المالي
وينوه إلى أن هذه الأسر تخفض أو تلغي فكرة الترفيه أو الحصول على الإجازة خارج المنزل، ما يضغط على الحالة النفسية للأسرة، ولذلك، فإن الضغوط النفسية الناجمة عن العجز المالي تؤثر على العلاقات الزوجية وتربية الأبناء، وترفع من مستوى الضغط الكبير على رب الأسرة. ولذلك، يزيد الاعتماد على القروض أو الشراء بالتقسيط، وبالتالي يتولد ما يسمى باقتصاد الدين المنزلي، وهو مؤشر على هشاشة الاستقرار المالي للأسر.
ويذكر عايش أن الفواتير الشهرية المرتفعة والمتواصلة تؤدي إلى سلسلة من الآثار الاجتماعية المترابطة، فهي تدفع لتآكل حجم الطبقة الوسطى، وارتفاع التوتر داخل الأسرة، بمعنى أن الأمان المالي يصبح في خطر، وهذا يؤدي إلى حالة من التوتر الناجم عن هذا السيل الذي لا يتوقف من الفواتير على مدار الشهر.
ويشدد عايش على أن على الأسرة وضع ميزانية شهرية قوية، ويتم فيها تحديد الأولويات وفصلها عن الكماليات، ويقول "لا بد لرب الأسرة استخدام مبدأ الإنفاق الواعي، أي أن يصرف الدخل وفق خطة مدروسة، لا وفق العادة أو العاطفة أو كما هو معتاد".
تغيير طريقة إنفاق الدخل
ويذكر عايش أنه لا بد من تغيير الطريقة التي يتم فيها إنفاق الدخل المحدود، وتقسيم الدخل وفق قواعد عديدة من ضمنها قاعدة مهمة، 50 % للنفقات الأساسية، 30 % للكماليات، و20 % للادخار أو تسديد الديون.
أيضا، الإدارة المالية الشخصية تصبح في هذه الحالة جوهرية، بحسب عايش، وتعني القدرة على تنظيم الدخل والإنفاق والادخار وتحقيق الاستقرار المالي المستدام.
ويؤكد عايش أن التخطيط المالي السلوكي هو الأهم؛ أي أن يكون لدينا أسلوب يجمع بين الوعي النفسي والاقتصادي لتعديل سلوك الإنفاق، وأن نمارس اقتصاد الدفعات الصغيرة، أي تقسيم النفقات إلى دفعات قصيرة المدى لتخفيف عبء السيولة.
إضافة إلى أن يكون هنالك موازنة الصفر، وهو أسلوب تخطيطي يخصص فيه كل دخل لمصروف محدد مسبقاً من دون فائض غير مبرمج، وكذلك التركيز على الدخل المتعدد، وتنويع مصادر الدخل لتقليل المخاطر المالية للأسرة. ويذكر عايش أن البيانات الإحصائية تظهر أن معدل دخل الأسرة الأردنية حوالي 11,512 دينارا سنويا، ومعدل الإنفاق حوالي 12,519 دينارا سنويا، مما يشير إلى أن أغلب الأسر الأردنية تعاني من عجز بين دخلها وإنفاقها، وتأتي الفواتير لتضيف أبعادا أخرى إلى النتائج المترتبة على هذا العجز، وبالتالي ترفع من منسوب التوتر.
القلق المرتبط بكثرة النفقات
ويقول عايش "آن الأوان لأن يتم التعامل مع الفواتير ليس باعتبار سدادها جزءاً من الراتب، وإنما ليحصل المواطن على راتبه الحقيقي حتى يبرمج إنفاقه بما هو فعلي، وليس متضخماً بقيمة الفواتير التي سيدفعها".
ووفق عايش، فإن الأثر المعيشي والاجتماعي لهذه الفواتير يتمثل في بداية تراجع جودة الحياة، تغير في أولويات الأسرة، تزايد القروض قصيرة الأجل، وتوتر أسري ونفسي.
وهذا ما يقصد بالفواتير التقديرية؛ حيث يمكن مع بداية كل سنة أو فصل أن يكون هناك تقدير للكلفة، ويتم أخذها إما بالأقساط أو دفعة واحدة في بعض الحالات، بحيث تتخلص الأسرة من الضغط النفسي الذي يولده مجرد وصول الفواتير إلى المنازل.
المتخصصة في الإرشاد النفسي والتربوي في الجامعة الهاشمية الدكتورة سعاد غيث، بينت أن الأفراد يشعرون بالقلق من مسألة تغطية النفقات، لأن الإنسان حتى لو زاد دخله، تزداد نفقاته وتتغير نوعية إنفاقه، ويشترك الجميع في القلق من السيطرة على الفواتير ومتطلبات الحياة الاجتماعية المعاصرة التي نعيشها اليوم.
الشعور بفقدان السيطرة
وتوضح غيث أن هناك تفسيرات علمية عديدة للقلق الذي يعيشه رب الأسرة، أولاً، العلاقة بين الإدراك العقلي والشعور الانفعالي، القلق لا ينتج عن المفاجأة، بل عن الاستنزاف المستمر، فحتى لو أدرك الفرد مسبقاً أن الفواتير أمر متوقع، فإن شعوره بعدم السيطرة على زيادتها يولد لديه شعورا بالعجز، هذا الشعور أكثر ما يتعب الإنسان، وقد يتحول إلى قلق مستمر أو مزمن.
ويحمل رب الأسرة عبء توفير كل الاحتياجات حتى إن كان لزوجته دخل، لكنه في داخله يرى أن كفاءته كرجل وأب تقاس بقدرته على الإنفاق، ولهذا تصبح الفواتير بالنسبة إليه رمزا لتحدي الذات والقدرة، وليست مجرد أرقام مالية.
إلى جانب غياب الأمان المالي، فمعظم الأسر لديها دخل ثابت، لكن النفقات متغيرة ومتزايدة، والغلاء والتضخم يتزايدان بشكل كبير، ويصبح كل التزام شهري مصدرا للتوتر والقلق، لأن الفرد يشعر بأن متطلباته تفوق موارده، وهنا يدخل رب الأسرة في حالة اختلال بين التوازن النفسي والاقتصادي.
ومع الوقت، يتكون ما يسمى بالارتباط، بحسب غيث؛ حيث يرتبط آخر الشهر بحالة تحفز نفسي، تترافق مع مشاعر الضيق والقلق ونقص المال، ومع تكرار هذا الشعور، يتحول من موقف مؤقت إلى نمط انفعالي متكرر، بل إلى "أسلوب حياة" شهري يمر به كثيرون.
وتؤكد غيث أن القلق المالي مؤذ على المستويين الداخلي والخارجي، وهناك العديد من الخطوات التي يمكن لرب الأسرة تعلمها للتعامل معه بطريقة صحية.
نشاطات تفرغ التوتر
في البداية، من المهم أن يعترف الشخص بينه وبين نفسه بوجود المشكلة، وألا ينكرها أو يكبتها، بحسب غيث، مؤكدة أن الاعتراف بالقلق لا يعني الضعف، بل هو خطوة ناضجة نحو التعامل معه، لأن القلق أمر طبيعي ومشروع، لكن الأهم هو تصريفه بطريقة صحية.
وتوضح أنه يمكن للشخص أن يعبر عن قلقه بالكتابة أو الحديث مع أشخاص يفهمون بالأمر، كزوجته أو أصدقائه، كما يمكنه متابعة خبراء اقتصاديين في إدارة المال، ومن المفيد ممارسة نشاطات تفرغ التوتر، كالرياضة، أو أي نشاط يخفف من الضغط النفسي، بدل أن يسقط غضبه وقلقه على الزوجة أو الأبناء.
وثانيا، مشاركة المسؤولية الأسرية، بحسب غيث، أي أن يكون هناك انفتاح بين الأب وأسرته، بحيث يتحملون معه جزءا من الأعباء، حتى الأطفال يمكن أن يشاركوا في فهم النفقات والميزانية، ويدركوا أهمية ضبط المصروف من دون الشعور بالحرمان، يتعاون الجميع، وتشعر الزوجة بالتعاطف والدعم، فلا يبقى العبء النفسي محصورا على الأب وحده.
الإدارة المالية الصحية
وتؤكد غيث أن على الرجل الراشد الإدراك أن قيمته وكفاءته كأب وزوج ليستا مرتبطتين فقط بقدرته على إدارة المال، فهناك جوانب عديدة يستطيع أن يشعر من خلالها بقدرته وإمكاناته. والأهم، بحسب عايش، أن يعيد الإنسان علاقته مع المال، بحيث تكون الإدارة المالية إدارة صحية؛ فالقيمة الحقيقية ليست فيما ندفعه مقابل الخدمات، بل في قدرتنا على الحفاظ على الكرامة والاستقرار.
وتبين غيث أنه عندما يستمر القلق المالي، تظهر مشكلة كبيرة تتعلق باستنزاف الجهاز العصبي للأب، فالقلق المالي المزمن يؤدي إلى ما يعرف بحالة "الاستنفار العصبي المزمن"، وهذا يؤثر بشكل كبير على المناعة، ويزيد احتمالات الإصابة بالاكتئاب وأمراض القلب. وتذكر غيث أن القلق المالي يؤثر على النمط الوالدي، إذ يتعلم الأبناء بالمشاهدة والنمذجة من آبائهم، وعندما يرى الطفل أباه قلقا باستمرار في إدارة شؤون الحياة المالية، يتشكل لديه نمط شخصية قلق، وتصبح علاقته بالحياة والمستقبل مشوبة بالخوف والتوجس. 
وعلى الصعيد الزوجي، فإن القلق المالي المستمر ينعكس سلبا على جودة العلاقة الزوجية، إذ يقلل من فرص الدفء العاطفي، ومع تراكم الضغوط يصبح الزوج سريع الغضب، ما يزيد من احتمالات الجدال مع الزوجة، وبهذا تتراجع جودة العلاقة الزوجية وينخفض مستوى الرضا، بحسب غيث، مؤكدة بذلك أن جودة الحياة تنخفض عندما يسمح للقلق المالي بأن يتحكم في طريقة تفكير الأسرة.
مهارات إدارة المال والضغوط
وتشدد غيث على أن الأهمية تكمن في أن ندرك أن المال والفواتير والمصاريف أمور محايدة، ليست السبب في القلق، بل طريقة إدراكنا لها ومعالجتنا المعرفية هي ما تجعلها عبئا، فضعف مهارات إدارة المال والضغوط هو ما يؤدي إلى سوء التكيف، وليس المال نفسه.
ولتخفيف الأثر النفسي للضغوط المالية، تبين غيث أنه يجب أن نكون أكثر قبولا وارتياحا لوضعنا الاقتصادي الحقيقي، وأن ندير حياتنا ضمن إمكانياتنا؛ فالقروض والديون مصدر كبير للتعب، ويمكن تجنبها بتحسين إدارة الدخل والموارد المالية، والابتعاد عن نمط الاستهلاك المفرط. وتختم حديثها بأن من المفيد أن يضع الإنسان خطة مالية واضحة، تشمل التوقعات الشهرية للمصاريف والفواتير ومصاريف الأبناء، وتنظيم الأمور بالورقة والقلم أفضل من الاعتماد على العشوائية أو مقولة "اصرف ما في الجيب يأتيك ما في الغيب"، فإن الله هو الرزاق، لكن الإدارة السيئة للمال مسؤوليتنا نحن.