معرض عمّان للكتاب.. أزمة قراءة أم تسويق؟*تهاني روحي
الغد
معرض عمّان الدولي للكتاب في نسخته الرابعة والعشرين افتُتح هذا العام في قاعة المعارض بمكة مول، بمشاركة تقارب أربعمائة دار نشر من اثنتين وعشرين دولة. ورغم الزخم الكبير والحضور اللافت، فإنّ الانطباع السائد لدى كثير من الزوار هو أن القاعات تعجّ بالمتجوّلين الذين يلتقطون الصور أكثر مما تعجّ بمشتري الكتب. وهنا يُطرح سؤال جوهري: هل تكمن المشكلة في المكان الجديد؟ أم في ضعف الدعاية؟ أم أنّ سعر الكتاب لم يعد متناسبًا مع القدرة الشرائية؟ أم أن الكتب الصوتية والملخصات السريعة باتت منافسًا جذابًا لشرائح واسعة من الجمهور؟
يبدو أن اختيار مكة مول كموقع للمعرض وفّر سهولة الوصول ومواقف سيارات مؤمنة، كما أتاح فرصة لجذب عابرين لم يكونوا سيقصدونه لو أقيم في مكان مستقل. غير أن هذه الميزة تحتاج إلى استثمار أفضل بفعاليات قصيرة الإيقاع ومرئية تتناسب مع طبيعة رواد المراكز التجارية.
التجارب العربية والدولية أثبتت أن تنظيم الزيارات المدرسية والجامعية قادر على إحداث فارق نوعي في أي معرض كتاب. فحين تُعتمد جداول يومية مخصصة للمدارس، ويُمنح الطلبة قسائم شراء رمزية بتمويل من رعاة محليين، يشعر الطالب أن لديه قدرة حقيقية على اقتناء الكتب بدل الاكتفاء بجولة صور عابرة. مثل هذه الخطوات البسيطة تحوّل القراءة إلى تجربة عملية ملموسة، وتبني عادة مستمرة عبر الأجيال.
أما العائق الأكبر فيبقى ارتفاع الأسعار. فبحسب الروائية أمل الحارثي والتي لديها كتب في المعرض، فإن سعر الكتاب بالنسبة لمعدل دخل المواطن الأردني يشكّل سببًا إضافيًا لعزوف الناس عن اقتناء النسخة الورقية، خاصة وأن معظم العناوين باتت متاحة إلكترونيًا بأسعار زهيدة. ومن الحلول الممكنة هنا أن تتفق دور النشر على إصدار طبعات اقتصادية لبعض العناوين مخصّصة للمعرض، بورق أبسط وطباعة أحادية اللون، لتوسيع دائرة الوصول إلى القرّاء دون المساس بالمحتوى.
ولإعادة الألق إلى الكتاب الورقي وزيادة الرغبة في اقتنائه، ومن أجل إعادة الألق للكتاب الورقي وزيادة الرغبة في اقتنائه يجب أن يكون الكتاب مدعوما، ويصبح سعره في متناول الطبقة المتوسطة وهذا أمر لا يحصل إلا بقرار حكومي يقلل الأعباء المادية على الكاتب ودور النشر ومستوردي الكتب الذين يشتكون من قلة الدعم في هذا الشأن لا بد أن يصبح سعره مدعومًا وفي متناول الطبقة المتوسطة، وهذا لا يتحقق إلا بقرار حكومي يخفّف الأعباء عن الكاتب ودور النشر والمستوردين الذين يشكون من محدودية الدعم في هذا المجال بحسب الكاتبة الحارثي. في المقابل، تسجّل الكتب الصوتية نموًا عالميًا متسارعًا، كما توسعت في المنطقة العربية منصات رقمية مثل «وجيز» التي اجتذبت فئات جديدة لم تكن تقرأ تقليديًا. هذا التحول في عادات التلقي لا ينبغي أن يُنظر إليه كعدو للكتاب الورقي، بل كفرصة للتكامل، إذ يمكن للمعرض أن يقدم عروضًا تجمع بين الورقي والصوتي، أو يتيح أركان استماع تفاعلية تستجيب لذائقة الجيل الرقمي.
ويبقى السؤال الأعمق: هل تراجعنا فعلًا في القراءة؟ إن مؤشر القراءة العربي منذ عام 2016 حاول أن يصحح الصورة النمطية الشائعة، وأظهر أن معدلات القراءة في المنطقة أعلى مما يُشاع، مع حصة متزايدة للمنصات الإلكترونية. وهذا يعني أن الرغبة موجودة، لكنها تحتاج إلى سياسات ذكية وقنوات عصرية تصل إلى الناس في عاداتهم اليومية.
التحدي الحقيقي هو كيف ننتقل بمعرض عمّان من كونه فعالية موسمية عابرة إلى عادة ينتظرها الأردنيون بشغف كل عام، كما هو الحال في معارض كبرى بالمنطقة، حيث تتوافر فعاليات مبتكرة وجذابة، إلى جانب دمج الكتاب الورقي بالصيغ الحديثة. عندها فقط يمكن للمعرض أن يتحول من مساحة مزدحمة بالصور إلى مساحة تزدهر فيها القراءة وتترسخ فيها الثقافة كجزء أصيل من حياة الناس.