عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    23-Jun-2025

حرب إسرائيل على إيران ليس لها مستقبل

 الغد

 ترجمة: علاء الدين أبو زينة
إم. كيه. بهدراكومار* - (إنديان بنشلاين) 18/6/2025
كان الإرهاب كل الوقت هو السلاح المفضل لإسرائيل والقوى الغربية لزعزعة وإضعاف إيران. لكننا وصلنا إلى نقطة لم يعد فيها احتواء إيران ممكنًا. منطقيًّا، كان ينبغي لجيران إيران في العالم الإسلامي أن يحتشدوا ويعبئوا دعمًا لها، لكن هذا أبعد من إمكانية التوقع، بالنظر إلى محدودية سيادتهم وقدرتهم على التصرف باستقلالية.
 
 
ثمة مظهر خفي لم يلاحظه أحد تقريبًا في حرب إسرائيل ضد إيران، هو أن ثلاث دول مسيحية في أوروبا -المملكة المتحدة، وفرنسا، وألمانيا- انضمت بسرعة وحماس إلى المعركة إلى جانب إسرائيل.
أليس من الغريب أن تنضم هذه الدول الأوروبية الثلاث، المعروفة باسم "E-3"، التي تمتلك مسارًا حصريًا راسخًا للحوار مع إيران، إلى مسار الحرب الإسرائيلي؟ إنها حملة صليبية، يا غبي!
تتشارك هذه "الدول الصليبية" الثلاث مع إسرائيل هوسها بإمكانية نهوض دولة مسلمة كقوة ناشئة في الشرق الأوسط يمكن أن تعيد تشكيل الاصطفافات الجيوسياسية في المنطقة بشكل جذري. ببساطة، الهدف الحقيقي من حرب إسرائيل -ومن خلفها الدول المسيحية الثلاث في أوروبا- هو تدمير النظام الإسلامي في إيران.
بحسب التقارير، استخدمت المقاتلات الإسرائيلية التي هاجمت إيران القاعدة الجوية البريطانية في قبرص؛ كما تنتشر طائرات التزود بالوقود البريطانية في الأجواء السورية - العراقية لتكون متاحة لاستخدام المقاتلات الإسرائيلية؛ وتعهد الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، باعتباره المدافع عن الكاثوليكية الرومانية، علنًا بأنه سيتخذ إجراءات للحيلولة دون هزيمة إسرائيل؛ كما اصطفت ألمانيا، منبع البروتستانتية، بدورها خلف إسرائيل.
على الجانب الآخر، كان ما برز من المكالمة الهاتفية التي استغرقت ساعة كاملة بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين يوم السبت التالي للضربة الإسرائيلية، هو أنهما سيعملان معًا على الدفع بمسار الحوار مع إيران، على الرغم من الوضع الصراعي الراهن. وأكد البيان الصادر عن الكرملين أن بوتين أدان بشدة العدوان الإسرائيلي.
يشير مثل هذا التموضع للفاعلين الرئيسيين إلى أن أفضل رهان لإسرائيل هو في إنهاء الحرب نفسها باعتبارها خطأ استراتيجيًّا، وخلق "واقع جديد". ولكن، هل ستسمح طهران لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بالإفلات من العقاب؟ هذا هو السؤال الذي يساوي مليون دولار. سيكون على بوتين أن يستخدم كل قدراته الإقناعية خلال الزيارة المخطط لها إلى إيران، إذا ما تمت أصلًا.
ينبع الفكر الإسرائيلي الكامن وراء اغتيال قيادات الحرس الثوري الإيراني وقادة عسكريين آخرين من حسابات خاطئة حمقاء، تقوم على اعتقاد بأن طهران تفتقر إلى الإرادة السياسية لمقاومة العدوان. وكان الهدف الإسرائيلي من شن الحرب هو خلق ظروف تؤدي إلى تغيير النظام في إيران من جهة، وتعطيل أي شكل من أشكال التفاعل البنّاء بين الولايات المتحدة وإيران من جهة أخرى.
كان الإرهاب كل الوقت هو السلاح المفضل لإسرائيل والقوى الغربية لزعزعة وإضعاف إيران. لكننا وصلنا إلى نقطة لم يعد فيها احتواء إيران ممكنًا. منطقيًّا، كان ينبغي لجيران إيران في العالم الإسلامي أن يحتشدوا ويعبئوا دعمًا لها، لكن هذا أبعد من إمكانية التوقع، بالنظر إلى محدودية سيادتهم وقدرتهم على التصرف باستقلالية.
ومع ذلك، لن تستسلم إيران. سوف يدفعها شعورها بالكرامة والفخر الوطني، كأمة ذات حضارة، إلى حشد قواها وخوض حرب مطولة حتى النصر. منذ الأيام الأولى للثورة، انجذبت الجمهورية الإسلامية -التي تأسست على مبادئ العدالة والمقاومة، والمرتكزة إلى الوطنية والاستقلال- إلى مفهوم "حرب الشعب الطويلة" الذي وضعه ماو تسي تونغ، لردع الدول الطامحة. وقد أثمرت هذه الاستراتيجية خلال الحرب العراقية - الإيرانية، (1980-1988).
في تلك الحرب، أخطأ صدام حسين في العراق، كما يفعل نتنياهو اليوم، في تقدير أن إيران دولة أُضعِفت بطريقة يائسة بظروف الحرب الأهلية، وأصبح اقتصادها منهارًا، وجيشها مشتتًا، بينما لم يكتمل تشكيل دولتها بعد، ومن دون حلفاء في المنطقة يمدونها بالعون. لكنّ إيران خاضت، كما تبيّن لاحقًا، حربًا استمرت ثماني سنوات بتحدٍّ حتى وصلت إلى حالة من التوازن، من دون أن تتأثر بالدعم السخي الذي تلقاه صدام من القوى الغربية وحلفائه الإقليميين.
حتى أن الولايات المتحدة زوّدت جيش صدام بأسلحة كيميائية لإيقاف هجمات الموجات البشرية التي شنّها المقاتلون الإيرانيون، ولكن من دون جدوى -على الرغم من أن ما يُقدّر بربع مليون إيراني ضحوا بأرواحهم.
في لحظة قريبة ما، في المستقبل القريب جدًا، سوف تلقى إسرائيل المصير ذاته الذي لقيه صدام، بعد أن أخطأت في تقدير عزيمة إيران على المقاومة. لقد ظنّ نتنياهو أيضًا أن إيران أصبحت أضعف بكثير مقارنة بالعام الماضي بسبب الانتكاسات التي لحقت بمحور المقاومة. هذا النوع من السذاجة يستخفّ بقوة المقاومة المتجذرة في نفس صميم العقيدة الشيعية.
في الأسبوع الماضي، أعادت قوات المقاومة، التي يُفترض أنها اندثرت من على وجه الأرض، تجميع صفوفها وشرعت في إطلاق الصواريخ على إسرائيل -من سورية، من بين كل الأماكن! وكان الحوثيون قد أطلقوا في 4 أيار (مايو) صاروخًا باليستيًا على تل أبيب أصاب محيط المحطة الرئيسية في مطار بن غوريون. وتشير التقارير إلى أن "حزب الله" أعاد فتح طرق إمداده من إيران.
إن ما تفشل إسرائيل في إدراكه هو أن حركات المقاومة لا تموت؛ ما يزال مبرر وجودها قائمًا. في الواقع، تعيش إسرائيل أزمة عميقة جدًّا، وتخوض معارك على جبهات متعددة وسط أزمة سياسية داخلية متفاقمة واقتصاد يتطلب تغذية مستمرة من واشنطن.
مع استمرار تراجع قدرة الولايات المتحدة على التأثير في أحداث الشرق الأوسط، تبدو هشاشة إسرائيل، كدولة قائمة بدعم من اللوبي اليهودي في واشنطن، أكثر وضوحًا. وهناك مسبقًا سخط متزايد داخل الولايات المتحدة من تمويل إسرائيل وخوض حروبها.
في المقابل، يبقى صعود إيران حتميًا لا مفر منه -بفضل قاعدة سكانية تزيد بعشر مرات عن إسرائيل، وموارد معدنية هائلة، وقطاع زراعي مكتفٍ ذاتيًّا، وصناعة متنوعة، وتقدّم مبتكر في التكنولوجيا، وسوق محلية كبيرة، وموقع جيوسياسي استراتيجي، وقوة عاملة مدرّبة.
إن صبر إيران هو صبر عدّاء المسافات الطويلة، كما أظهرت حربها مع العراق، في حين أن نقطة قوة إسرائيل تكمن في كونها عدّاءً سريعًا في سباق 100 متر. ولا شك في أن إسرائيل، كدولة صغيرة لا يزيد عدد سكانها على 8 ملايين نسمة، ستُستنزف تمامًا في حرب طويلة الأمد.
في السيناريو الحالي، يُحسب ضد إسرائيل بشكل حاسم حقيقة أنه في حين فشل ترامب، على الرغم من كل محاولاته، في وقف نتنياهو عن مسار الحرب، فإنه يغلب ألا يرسل قوات أميركية لخوض حرب إسرائيل.
لدى ترامب قاعدة إنجيلية في السياسة الأميركية، وهو على علاقات جيدة مع متبرعين يهود أثرياء، لكنه لا يتقاطع بأي شكل مع "دول الحملة الصليبية" في العالم القديم -سواء في ما يخص أوكرانيا أو إيران. في كلتا الحالتين، ينظر ترامب إلى الأمور من خلال عدسة "أميركا أولًا"، حيث يرى إمكانيات هائلة لتوليد الثروة من خلال الروابط التجارية مع روسيا أو إيران.
وبالإضافة إلى ذلك، يبقى ترامب سياسيًا ذكيًا جدًا إلى درجة لا تسمح له بالمخاطرة بمستقبل حركته "لنجعل أميركا عظيمة مجددًا" (MAGA)، التي بُنيت على رفض شامل لكل الحروب التدخلية "التي لا نهاية لها". ويُدرك ترامب تمامًا أن الرأي العام الأميركي يعارض بشدة الحروب في الشرق الأوسط.
كان استبدال مايك والتز كمستشار للأمن القومي في 1 أيار (مايو) -وهو المعروف بأنه وكيل لإسرائيل تسلل إلى أعلى مراتب إدارة ترامب- والتطهير اللاحق لجميع "صقور إيران" من طاقم الأمن القومي، مؤشرًا على أن ترامب متوجّس من مخططات نتنياهو الشيطانية لإفشال مفاوضاته مع إيران عبر القنوات الخلفية.
خلال المكالمة الهاتفية التي جرت يوم السبت في الأسبوع الماضي، وفقًا للبيان الصادر عن الكرملين، اتفق ترامب وبوتين على إعطاء الأولوية لـ"المسار التفاوضي بشأن البرنامج النووي الإيراني... وأشار ترامب إلى أن فريق المفاوضين الأميركيين جاهز لاستئناف العمل مع الممثلين الإيرانيين". وهو ما يشير إلى أن المواجهة العسكرية مع إيران لا تدخل ضمن حسابات ترامب.
بما أن هذا هو واقع الحال، وبغض النظر عن خطاب نتنياهو المتعجرف، تكمن أفضل مصالح إسرائيل في إنهاء هذه الحرب العبثية بأسرع طريقة ممكنة. ومن المرجح أن يكون هذا أيضًا هو التوجه داخل "جيش الدفاع الإسرائيلي". لن تكون حرب طويلة الأمد تخوضها إسرائيل بمفردها، مع حفنة من الدول "الصليبية" كمشجعين، هي ما سينقذ إسرائيل من الدمار.
من الجدير بالملاحظة أن ترامب، في آخر منشور له حتى كتابة هذه السطور على منصة "تروث سوشال"، يوم الأحد، نصح إسرائيل بعد مكالمته مع بوتين بـ"عقد صفقة" مع إيران! هل ينسجم هذا مع نبرة نتنياهو التصعيدية؟ ومضى ترامب أبعد لتلميع صورته كرئيس يسعى إلى السلام. واختتم بالقول: "سنحصل على السلام، قريبًا، بين إسرائيل وإيران"! باختصار، ليست لدى ترامب أي نية مطلقًا للمخاطرة بحياة الأميركيين في حروب نتنياهو.
من الواضح أن "السلام، قريبًا" سيكون أيضًا التوجه المفضل لكل من روسيا وإيران، حيث يمكن استئناف المفاوضات الجادة والتوصل إلى اتفاق يكون من شأنه أن يمهد لتطبيع العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران ورفع العقوبات الأميركية. ولكن، هل يناسب ذلك نتنياهو؟
المفارقة هي أن إسرائيل لا مستقبل لها في حرب طويلة الأمد مع إيران، لكنّ نهاية غير حاسمة لهذه الحرب ستجعل نتنياهو يواجه خطرًا كبيرًا يتمثل في تصاعد المطالب بتغيير النظام داخل إسرائيل. ويعني فقدان السلطة فقدان الحصانة البرلمانية من الملاحقة القضائية التي تمتع بها نتنياهو حتى الآن في قضايا الفساد التي تطاله هو وأفراد أسرته، واحتمال سجنه.
 
*إم. كيه. بهدراكومار M.K. Bhadrakumar: دبلوماسي هندي سابق وكاتب سياسي بارز. خدم في السلك الدبلوماسي الهندي لأكثر من ثلاثة عقود، وكان سفيرًا للهند في عدد من الدول، من بينها تركيا وأوزبكستان، كما شغل مناصب دبلوماسية في الاتحاد السوفياتي وباكستان وإيران وأفغانستان وكوريا الجنوبية وسريلانكا وألمانيا. بعد تقاعده من وزارة الخارجية الهندية، اتجه إلى الكتابة والتحليل السياسي، حيث يعرف بمقالاته النقدية والتحليلية حول السياسات الدولية، خاصة في ما يتعلق بالسياسة الخارجية الأميركية، والصراعات في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، وعلاقات الهند الدولية.
*نشر هذا المقال في موقع Indian Punchline تحت عنوان: Israel’s War on Iran Has No Future