عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    22-Jul-2025

الأمير الحسن بن طلال ومدرسته الفكرية الواقعية المعاصرة*عبدالله كنعان

 الراي 

أجد نفسي في كل مرة أقرأ فيها بتمعن مقالات أو استمع فيها بإنصات لمقابلات مع صاحب السمو الملكي الامير الحسن بن طلال حفظه الله، أنني أمام مدرسة فكرية هاشمية أصيلة تجمع في مضامينها العريقة صنوف المعرفة وحميد الأخلاق وجزيل القيم الانسانية، وأنا ممن نهل وحظي بالكثير من معارفها التي لاتنضب، وهي بحق مدرسة وطنية وقومية وعالمية متكاملة، وهذه المدرسة وكل من تعلم منها يدرك مدى وعي الأمير السياسي والمفكر في جميع التحديات والأزمات التي تواجه الاقليم والعالم، وتحليل أسبابها واقتراح علمي لحلول كفيلة بمعالجتها، ولو أُخذ بها جميعها لساهمت في رفد البرامج والخطط بمتطلبات ومقاييس النجاح والتنمية المأمولة.
 
وفي اطار الطرح الانساني الواقعي المتكامل جاءت مقابلة صاحب السمو الملكي الأمير الحسن بن طلال مع القناة التركية (TRT World)، وذلك ضمن إحدى حلقات برنامج (Strait Talk) المعني بالقضايا والأحداث العالمية المُعقدة، واعتقد أن فكرة البرنامج تتشابه مع مبادرة شبابية دولية تأسست عام 2005م من قبل طلبة البكالويوس في جامعة براون الامريكية وتحمل اسم (Strait Talk) وهدفها قائم على الحوار الشبابي للخروج بحلول للمشكلة التي تواجه الأجيال، من هنا أرى ويتفق معي الجميع بأن الامير الحسن بن طلال ضيف على درجة رفيعة من الفكر ويملك مهارات الحوار العقلاني والدبلوماسي قادر على الاحاطة بأي ازمة معاصرة وفي السياق ذاته اعطاء حلول منطقية مرضية لمواجهتها، ولسموه في موضوع المبادرات الشبابية المعنية بالحوار والابداع، مبادرة (منتدى الشباب العربي عام 1988م) في الأردن، وهي تجربة شبابية سبّاقة تبين سعي سموه نحو بناء شباب وطني منتمي معطاء، إذ بلغ عدد أعضائه آنذاك أكثر من خمسة آلاف شاب، وأقيمت له فروع في كافة المحافظات والألوية والجامعات الأردنية.
 
جاءت المقابلة على درجة عالية من الأهمية وذلك مرده عدة أسباب لعل من أبرزها، المستوى الفكري والثقافة الموسوعية الحكيمة القادرة على الاستشراف الإستباقي للأمير الحسن بن طلال، والأمر الآخر التطورات والتقلبات الاقليمية والدولية التي فرضت نفسها على مضامين المقابلة، وهي تطورات متسارعة تحتاج لتحليل دقيق يمكن من طرح حلول عملية جماعية مسؤولة قادرة على تجاوز التحديات وتحقيق السلام والرفاه للمجتمعات الانسانية، وفي هذا السياق يمكن القول أن سموه رعاه الله لخص واقع الحالة الدولية وطرح نماذج لحلول ممكنة، خاصة أننا على يقين بأن تشعب التحديات وتداخل المصالح السياسية والتوازنات الدولية المرتبطة بها والمحركة لها، جعلت الحلول الكاملة وبشكل سريع أمر مستعصي حقاً.
 
يعي سموه بأننا اليوم أمام واقع لنظام انساني دولي جديد، قائم على بحث القوى العالمية وبشكل خاص الغربية عن فرص ومصالح في معظمها اقتصادية، تتوفر في منطقة اسيا وافريقيا مما جعلها اليوم مناطق المناخ الرئيس للتنافس، وهو أمر جعل الحروب والصراعات الناتجة ليست مستندة لحق، وناسفة لكل مبادئ القانون والاخلاق الدولية أو حتى الكرامة الانسانية، بل على العكس تعتمد في نشأتها وحيثياتها على قانون الحرب الذي لا يلتفت لحقوق اللاجئين والأسرى والجرحى للأسف، حيث يلاحظ أن المنطقة الاقليمية القريبة منّا تشهد اكثر من عشرة صراعات، وهنا في اطار تحليلات وملاحظات سموه، فإن سموه يخلص بالقول: "إن قانون الحرب يُهيمن على قانون السلام"، وكل ذلك بالرغم من وجود التنوع والتعددية الانسانية التي بدلاً من جعلها أسس للاجتماع والتعاون والاستقطاب أصبحت بهكذا نظام دولي وواقع نفعي، أساساً لبث الكراهية والشرور، ولطالما كان سموه وفي اطار الحث على قيم الكرامة الانسانية والتعايش والتمكين الانساني يلفت النظر للمشتركات والجوامع الانسانية، مثل التركيز على ضرورة مبدأ السلام والألفة بين أعمدة الأمة الاربعة في المشرق (العرب والترك والفرس والكرد)، والتي يلاحظ اليوم أنها تُستغل أو تحرض من بعض القوى للصراع فيما بينها، كما نبه سموه في اطار امكانية نشر ثقافة التشارك من خلال نداء التضامن ويقظة الضمير الانساني خاصة خلال أزمة كورونا، فكان اطلاقه التوصية بضرورة الاسراع في تبني فكرة ( انشاء صندوق عالمي إنساني للزكاة)، والذي أطلقه سموه منذ عقود ماضية.
 
وعودة لمقابلة سموه تكشف لنا رصده العميق للواقع الدبلوماسي المعاصر، خاصة في اطار ما يمكن أن نُسميه بإدارة الصراعات المعاصرة، اذ يرى سموه أن الدبلوماسية الحالية يسيطر عليها الاقتصاد ولا يوجد أي اعتبار لاولوية الاستقرار، فهي تأتي لاحقاً للمصالح الاقتصادية، فالحاجة اليوم كما ينبه سموه هي لضرورة تحويل الاهتمامات المعلنة نظرياً من سلام واستقرار الى اولويات في اطار تنفيذي من خلال عقد تحالفات، خاصة مع وجود خبراء في كل مجالات العمل الانساني يمكنهم خلق مناخ انساني أكثر رخاءً، وبلا شك أن دورهم يكون في اطار توثيق التعاون بما في ذلك ما يخص منطقتنا بلاد الشام والعراق، وهذا التعاون والاهتمام يجب أن يفعل من خلال المنظمات الدولية المجمع عليها مثل هيئة الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية، وكلاهما خلال اندلاع الكثير من التحديات والصراعات الاقليمية والدولية لم يصلوا عملياً الى إمكانية ايجاد وتنفيذ الحلول التي تتطلع لها الشعوب والانسانية جمعاء.
 
ان مقابلة سموه مع القناة التركية وللوقوف على ما جاء فيها من رؤية ثاقبة وحكمة يُمكن وصفها باستشراف عالمي الاهداف والاستحقاقات، يجب النظر اليها في الاطار الكلي لفكر سمو الامير الحسن بن طلال وبالتأكيد ضمن منطلقات واتجاهات الفكر الهاشمي الاصيل، القائم على السلام والمحبة والتعاون وبالطبع حرية الشعوب وفي مقدمتها الشعب الفلسطيني، ولسموه الكثير من المقابلات والمقالات والكتب وبعدة لغات، وجميعها تشكل مدرسة الحسن الفكرية الواقعية في رصدها وتحليلها وتقديمها لمقترحات وحلول عملية، تحتاج لسنوات ومجلدات لكشف جميع جوانبها، ولكننا اليوم نحتاج للفائدة تبنيها من قبل المؤسسات الانسانية والحقوقية والفكرية الدولية، فهو فكر هاشمي منطلقاته انسانية ومقاصده خيرة تسعى لرفاه الانسان.
 
حفظ الله الفكر الهاشمي الأصيل وأدام علينا نعمة القيادة الهاشمية المفداة، وأدام على سمو الأمير الحسن بن طلال رعاه الله والأسرة الهاشمية الكريمة هدوء الفكر وراحة البال.