الدستور
في الذكرى 76 لتأسيس جمهورية الصين الشعبية يتردد السؤال الحائر من جديد، كيف جمع الصينيون بين سلطة حزب متشدّد آيدولوجي، ونجاح رأسمالي مذهل عابر للحدود جعلهم يحتلون المركز الثاني عالميا في القوة الاقتصادية؟ أو كيف لأكبر حزب شيوعي في العالم أن يبرز في ظلّ أكثر الرأسماليات نمواً، على عكس ما هي الحال في أنحاء كثيرة من عالم نخره الكساد والتراخي والقهقرة؟
ربما لا أحد يعرف جواباً وحيداً على وجه الدقة، إنما ثمة مقاربات تقول إن مفتاح تلك الأحجية السياسية التاريخية هو فهم الطبخة السحرية التي جمعت الشيوعية بنقيضتها الرأسمالية، وقدمتها بنكهة مزاجها الحكمة أو الشخصية الصينية. أو هي الخلطة التي آخت أو زاوجت بين تشدّد وشيوعية مؤسّس الحزب، ورئيس جمهورية الصين الشعبية الأول «ماو تسي تونغ»، وليبرالية وانفتاح الرئيس، الذي تلاه «دينغ كسياو بنغ»، وطموحات وآفاق الرئيس الحالي «شي جين بينغ» الذي سيحظى بفترة ثالثة.
كما تعرفون، فإن الحزب نشأ في خضم مصاعب ونكسات لا يغفلها التاريخ، إذ انطلق بواقع 50 عضوا ليصل اليوم إلى ثاني أكبر حزب عالمي - بعد حزب بهاراتيا جاناتا الهندي- يضمّ أزيد من 92 مليون عضواً. وهو على رأس السلطة المطلقة منذ تأسيس الجمهورية، واستطاع أن يجعل بلاده الفقيرة تصل إلى الصدارة في السلم الاقتصادي العالمي.
قد يكون أن تلك الخلطة العجائبية تشبه معادلة كيميائية موزونة لفكرة أن الاشتراكية لا تُعني بالضرورة الفقر والعوز والحرمان كما شهدنا في بقاع كثيرة من عالمنا. بل لربما تعني أن الحزب تمتع وخصوصاً في العقود الأربعة الماضية بقدرات فريدة في الاستجابة والتغيير، وإنّه واكب تطوّرات العصر، وفهم وهضم تلوناتها واستشرافاتها، دون أن يغفل عن ضخ دماء جديدة تثري فكره وآيديولوجيته السياسة.
البعض يرى أن الحزب ألغى ما سواه من الأحزاب، وطمس كل ما سوى أفكار تعارض أفكاره، وترك أكثر من 1.4 مليار صيني يعيشون حكما مركزيا صارما. ولربما تحق لهم هذه الرؤية شرط ألا يتناسوا أن مقابل ذلك يتحرّر كل يوم مئات الآلاف من العوَز ويُنقلون إلى الطبقة الوسطى، وأن بعضهم قفز فعلاً إلى الغنى والثروات الخيالية.