عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    03-Jul-2025

ترند "مواجهة الذات".. شجاعة أم اندفاع وإفراط في البوح؟

 الغد-تغريد السعايدة

انتشرت مؤخرا عبر مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع مصورة لظاهرة جديدة تحولت إلى "ترند"؛ تظهر فيها امرأة تجلس داخل سيارتها، تنظر إلى الخلف وتبدأ بتوجيه عبارات مليئة بالعتب، الغضب، وأحيانا الصراخ، وكأنها تواجه شخصا آخر بسبب أخطاء أو مواقف مؤلمة مرت بها. لكن المفاجأة أن كل هذا الحديث موجه إلى نفسها فقط، ولا يوجد أحد آخر غيرها في السيارة.
 
تعتمد فكرة هذا "الترند" على مواجهة النفس بصوت مرتفع، كأن الشخص يتحاور مع ذاته كما لو كان يخاطب شخصا آخر، في محاولة للبوح أو التفريغ أو حتى جلد الذات. وعبر البعض عن ذلك بعبارة: "عاتب نفسك على أغلاطك"، باعتبار أن هذه الطريقة أكثر تاثيرا من مجرد التفكير الصامت.
 
وقد لاقى هذا التوجه تفاعلا واسعا من الآلاف حول العالم، من مستخدمين عاديين وحتى مشاهير عالميين، الذين شاركوا لحظاتهم الشخصية من خلال هذه المقاطع. تنوعت التجارب بين من خاطب نفسه بحدة ودموع، ومن حاول تهدئتها بلطف، وآخرين استرجعوا مواقف من الماضي وكأنهم يلمون أنفسهم، متمنين لو عاد الزمن إلى الوراء لتصحيح تلك الأخطاء.
هذا الترند سلط الضوء على حاجة الناس إلى التعبير ومصارحة الذات، وربما كان بالنسبة للكثيرين وسيلة للتنفيس عما يثقل القلب، بدلا من الكتمان الذي قد يقود للقلق أو الاكتئاب.
تناولت العديد من الدراسات النفسية والسلوكية ما يسمى بـ"حديث النفس" ومدى تأثير قيام الفرد بالحديث مع نفسه، حيث أظهرت الدراسات وجود نوعين منه: "حديث النفس الإيجابي" و"الحديث السلبي".
السلبي، فله أضرار نفسية متعددة، تتمثل في الزيادة التي يحدثها في مستويات القلق والخوف والتوتر، واحيانا الاكتئاب عند تكرار هذا السلوك، كما يضعف من عزيمة الفرد ويجعله يرى الحياة والآخرين من منظور سلبي وقاتم.
في المقابل، هناك من يمارس "حديث النفس" بطريقة إيجابية، تساعده في التخفيف من القلق والخوف الذي يراوده من حين لآخر، وتعزز ثقته بنفسه.
وعلى سبيل المثال، علقت سيدرا نور على هذا الترند بقولها: "قد يجد هذا الترند قبولا في بعض المجتمعات، غير أن حديث النفس علنا ليس مقبولا لدى الجميع، خصوصا في مجتمعنا العربي الذي يرفض الإفصاح عن الأخطاء، وقد يعتبرها البعض نقطة ضعف تستغل لاحقا ضد الشخص".
وأضافت أنها لن تطبقه على نفسها، وترى أن الحديث مع النفس يكفي أن يكون داخليا، أو من خلال شخص مقرب وموثوق من العائلة.
من جهته، يوضح مستشار أول الطب النفسي الدكتور وليد سرحان أن رغبة الإنسان في الحديث مع نفسه، سواء بهدف الاعتراف بالأخطاء أو من باب تحفيز الذات، تعد شكلا من أشكال مواجهة النفس. وهو أمر جيد إلى حد ما، لأنه يعكس وصول الفرد إلى مرحلة من الاعتراف الذاتي بالعيوب أو الأخطاء التي قد يقع بها.
لكن، وفق سرحان، ورغم إيجابية هذا السلوك في بعض جوانبه، فإنه لا يفترض أن يتم بهذه الطريقة العلنية التي يتبعها بعض الأشخاص على مواقع التواصل الاجتماعي تحت مسمى "الترند". وكأنهم بلغوا مرحلة متقدمة من المصارحة. ويرى أن ذلك غير مناسب للنشر امام الجميع، ويحمل نوعا من المبالغة في الطرح، ليصبح الأمر أشبه بالفوضى والتسابق من أجل جذب الانتباه أو الشهرة فقط.
بيد أن آخرين يعتقدون أن هذا الأمر يمثل فرصة لـ"التنفيس"، وطريقة جيدة لتفريغ تلك الطاقة المكبوتة التي ترتبط بشخصية الفرد وتصرفاته، والتي يحتاج إلى مراجعتها مع نفسه. فيجد البعض أن التفكير بصوت مرتفع ومواجهة النفس هو الأسلوب الأمثل لذلك.
"هذا اسمه جنان!"، هكذا علق خلدون عمر على أحد هذه المقاطع، واصفا من يخوضون هذه التجربة ويقومون بتصويرها وبثها علنا بأنها غير منطقية، قائلا: "لا يوجد أي داع لأن يسمع الجمهور ما يدور في رأسي من كلام أوجهه لنفسي، فأنا أجد احيانا صعوبة حتى في التفكير به بصمت، خصوصا حين يتعلق الأمر بقضايا شخصية".
ويضيف عمر أن الإنسان يمكنه أن يخاطب نفسه بهدوء، يراجع أفعاله، يدعم ذاته، ويقوّيها، بل ويمتدح صفاته الإيجابية، دون الحاجة للصراخ والعويل، كما ظهر في العديد من المقاطع التي نشرها بعض المشاهير. ويرى أن هذا "الترند" تحوّل احيانا إلى مساحة للغرابة وكشف المستور، بل وحتى وسيلة للسعي وراء الشهرة والمشاهدات.
ويرى البعض أن مثل هذه الجلسات التي يقوم بها الشخص مع نفسه، سواء داخل غرفته أو في سيارته أو حتى في مكان خالٍ، قد تعادل – في تأثيرها– بعض الجلسات النفسية مع المتخصصين. إلا أن المختصين لديهم رأي مختلف، ويؤكدون أنه لا مجال للمقارنة بين الأمرين، خاصة أن الحديث الذاتي غير المنضبط قد يتم دون أي قيود أو توجيه، مما قد يؤدي أحيانًا إلى حالات من الانهيار النفسي، وقد يصل الأمر إلى الانتحار في بعض الحالات.
ويعتقد سرحان، في الوقت نفسه، أن مواقع التواصل الاجتماعي يمكن الاستفادة منها في طرح المشكلات أو مواجهة النفس، وذلك من خلال منصات معينة يوجّه فيها الفرد حديثه عن نفسه إلى مختصين قادرين على تقديم المساعدة المناسبة له.
وفي هذا السياق، يوضح سرحان أن هناك العديد من المنشورات والاستشارات التي ترد إلى حسابات العيادات النفسية من خلال رسائل المتابعين، وهي تُعد شكلا من أشكال المواجهة، ولكن بطريقة مناسبة وموجهة للشخص المختص. ومن أمثلة ذلك، حسابه "عيادة الدكتور وليد سرحان" أو "المبادرة العربية لمكافحة الوصمة الاجتماعية للمرض النفسي".
ومن الجوانب الإيجابية التي يشير إليها سرحان في مثل هذه الحالات من مواجهة النفس ضمن الحدود المنطقية والمقبولة اجتماعيا ونفسيا؛  أنه عندما يتضمن الإفصاح الحديث عن مشكلات شخصية، فإن ذلك قد يشجع الآخرين، ممن يفضلون الصمت عادة، على تقليد من تجرأ على المواجهة، عبر اللجوء إلى أطباء ومختصين لمساعدتهم في العلاج بما يتناسب مع حالتهم الصحية، دون خوف من المجتمع أو من "الوصمة" التي قد تمنعهم من المصارحة والمواجهة.
وفي نهاية حديثه، يرى سرحان أن من يقلد هذا “الترند” بالصراخ والبكاء والحديث بشفافية تامة عن مشاعره السلبية وأخطائه أمام الآخرين، فإن ذلك قد يكون دليلا على معاناة عميقة لم يتمكن من التخلص منها، فلجأ إلى وسيلة لا تُعد مقبولة اجتماعيا ولا تعتبر جزءا من العلاج النفسي الصحيح.