عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    09-Dec-2025

من داخل حملة إسرائيل الخفية لكسب الإعلام الأميركي

 الغد

 ترجمة: علاء الدين أبو زينة
كونور إيكولز* - (ريسبونسيبل ستيتكرافت) 2/12/2025
تكشف رسائل بريد إلكتروني مسرَّبة كيف عملت منظمة تدعى "العمل من أجل إسرائيل"، بقيادة نوعا تيشبي، لصالح إسرائيل من أجل تعزيز مصالح إسرائيل في الولايات المتحدة.
 
 
في آذار (مارس) 2011، واجهت القنصلية الإسرائيلية في مدينة نيويورك مشكلة. كانت مجموعة من جنود جيش الاحتلال الإسرائيلي قادمة إلى الولايات المتحدة في جولة علاقات عامة، وكان المسؤولون الإسرائيليون في حاجة إلى مساعدة في إقناع وسائل الإعلام المؤثرة بإجراء مقابلات مع الوفد.
ولحسن حظ القنصلية، كانت هناك منظمة جديدة تُدعى "العمل من أجل إسرائيل" Act for Israel، تقودها الممثلة الإسرائيلية-الأميركية نوعا تيشبي، مستعدة للتحرك بسرعة. وكتبت منظمة تيشبي في وثيقة تم الكشف عنها ضمن مجموعة حديثة من رسائل البريد الإلكتروني المسرّبة: "في منتصف آذار (مارس) 2011، طلبت منا القنصلية في نيويورك تقديم المساعدة".
وشرحت الوثيقة أن "العمل من أجل إسرائيل" رتّبت بسرعة سبع مقابلات مع مدونات ومحطات إذاعة أميركية من أعلى المستويات، مشيرة إلى أن جهودها ساعدت في الترويج لـ"الرواية الإسرائيلية" في موقع "ريد ستيت" Red State، الذي وصفته بأنه "المدونة الأكثر قراءة لدى أعضاء مجلس الشيوخ وممثلي الكونغرس الأميركيين".
يبدو أن هذه الحملة غير المبلّغ عنها سابقًا وكأنها انتهكت "قانون تسجيل العملاء الأجانب" (فارا)، الذي يُلزم المواطنين والمنظمات الأميركية بالكشف عن أي عمل يسعى إلى التأثير على السياسة الأميركية لصالح قوة أجنبية. وقال بن فريمان، الخبير في هذا القانون لدى "معهد كوينسي"، الذي ينشر مجلة "ريسبونسيبل ستيتكرافت" الإلكترونية: "يبدو هذا مثالًا صارخًا على الأنشطة التي كان يتوجب تسجيلها بموجب ’قانون فارا‘".
توفر هذه التسريبات نافذة نادرة على كيفية التفاف بعض الناشطين المؤيدين لإسرائيل على القواعد المصممة لضمان الشفافية بشأن النفوذ الأجنبي في السياسة الأميركية -وهو سلوك أسهم في إخفاء حجم الجهود الدعائية الإسرائيلية في الولايات المتحدة. في العلن، بدا أن "العمل من أجل إسرائيل" ليست سوى مجموعة من الأميركيين المؤيدين لإسرائيل، والذين يدافعون عن علاقة أقوى بين الولايات المتحدة وبينها. لكن رسائل البريد الإلكتروني والوثائق المسرّبة تُظهر أن ممثلي المنظمة سعوا إلى تشكيل الرأي العام الأميركي، بينما تفاخروا في السر بتعاونهم الوثيق مع الحكومة الإسرائيلية.
تتضمن التسريبات، مثلًا، سيرةً مختصرة لتيشبي، والتي تصفها بأنها تعمل "عن كثب مع حكومة إسرائيل، وسفارتها، وقنصلياتها للدفاع عن إسرائيل".
وتأتي هذه الوثائق من تسريب لرسائل البريد الإلكتروني الخاصة بغابي أشكنازي، الرئيس السابق لأركان جيش الاحتلال، الذي انضم إلى مجلس إدارة "العمل من أجل إسرائيل" بدءًا من منتصف العام 2011. ولم يتمكن موقع "ريسبونسيبل ستيتكرافت" من التحقق بشكل مستقل من صحة هذه الرسائل التي سرّبتها مجموعة قرصنة مؤيدة لإيران تُدعى "هندَلا". لكن العديد من التفاصيل الواردة فيها تتوافق مع المعلومات المتاحة علنًا حول منظمة "العمل من أجل إسرائيل". ولم يردّ أي من تيشبي أو أشكنازي على طلبات التعليق.
يقول فريمان إن خبراء "قانون فارا" اشتبهوا منذ زمن طويل بأن "هناك من العمل الذي يتم إنجازه نيابةً عن الحكومة الإسرائيلية" أكثر مما تكشف عنه الإفصاحات العلنية. ويضيف: "كان هناك افتراض ضمني بأن إسرائيل ليست مضطرة للالتزام بالقواعد. ومع هذه التسريبات، يخالطنا شعور بأن شكوكنا كانت في محلها".
"شراكة قوية" مع وزارة الخارجية الإسرائيلية
كان 2011 عامًا مرهقًا للمعلّق المحافظ جوشوا تريفينو. فبعد سنوات من تأسيسه المدونة السياسية المؤثرة "ريد ستيت"، أطلق منصة أخرى تُدعى "ماليزيا تهُمّ" Malaysia Matters، التي انتشرت الإشاعات آنذاك بأنه يدير هذه المنصة نيابةً عن مسؤولين ماليزيين.
وفي ذلك الوقت، نفى تريفينو بشدة أي عمل سري يقوم به لصالح ماليزيا، وقال: "أنا واثق من أنني أعمل ضمن حدود القانون". لكنه غير موقفه بعد عامين، ووافق على التسجيل بأثر رجعي كعميل أجنبي لصالح ماليزيا، بينما ادّعى أنه لم يكن على علم بـ"قانون فارا".
والآن، يتضح من النظر إلى الوراء أن هذا لم يكن العمل الوحيد الذي ربما يكون قد خالف "قانون فارا". وتشير التسريبات إلى أن تريفينو كان يقوم أيضًا بأعمال علاقات عامة لصالح منظمة "العمل من أجل إسرائيل" -وبالتالي لصالح الحكومة الإسرائيلية.
كما تُظهر وثائق مختلفة أن تريفينو عمل مع "العمل من أجل إسرائيل" كمستشار و"مدير إعلامي" بدءًا من أواخر العام 2010. ويبدو أن هذا العمل شمل جهودًا لنشر محتوى مؤيد لإسرائيل في مدونات أميركية شهيرة، بما فيها "ريد ستيت". وليس واضحًا ما إذا كانت المنظمة قد دفعت لتريفينو مقابل هذا العمل، على الرغم من أن الأنشطة غير المدفوعة مشمولة أيضًا بأحكام "قانون فارا"، وفقًا لفريمان. (علمًا بأن مدة التقادم لمخالفات "قانون فارا" هي خمس سنوات، ما يعني أن تريفينو أو أي شخص آخر مذكور في هذه القصة لا يواجه أي مخاطر قانونية بسبب أنشطة سابقة لصالح "العمل من أجل إسرائيل").
يبدو أيضًا أن تريفينو ساعد في تنظيم ما لا يقل عن رحلة إعلامية واحدة إلى إسرائيل مع المنظمة. وحتى بينما كان ينفي عمله وكيلاً أجنبيًا لصالح ماليزيا، كشف تريفينو أنه "يقدّم أيضًا للناس رحلات مدفوعة إلى إسرائيل". وتبدو هذه إشارة إلى "الزمالة الإعلامية للعمل من أجل إسرائيل"، وهي رحلة ممولة بالكامل وصفتها المنظمة في وثائق لم يتم الكشف عنهاسابقًا بأنها جزء من "شراكة قوية مع وزارة الخارجية الإسرائيلية".
ليست الرحلات الصحفية الدولية أمرًا غير مألوف، لكن هذه الرحلة تميّزت لأنها كانت تشترط على المشاركين "إنتاج ما لا يقل عن ست مقالات تُنشر في منشورات وطنية نتيجة لهذه الزمالة"، وفقًا لوثيقة مُسرّبة. وقد ادّعت "العمل من أجل إسرائيل" أن هذا الشرط أدى إلى نشر 48 مقالة في اثنتي عشرة "وسيلة إعلامية مرموقة". (لم تتمكن هذه المجلة من العثور على هذه المقالات، لكنها وجدت تدوينات عدة).
شملت رحلة العام 2011 شخصيات إعلامية بارزة عدة، مثل المدوّن والمرشح السابق لمجلس الشيوخ تشاك ديفور؛ والكاتبة كلير برلينسكي؛ وتيم ماك، الذي عمل لاحقًا في "واشنطن إكزامينر"، و"الراديو الوطني"، و"ديلي بيست"؛ وسيث ماندل، الذي يشغل الآن منصب محرر أول في مجلة "كومنتري"؛ ومولي همنغواي، التي تشغل الآن منصب رئيسة التحرير في "ذا فيدراليست". وخلال الرحلة، أجرت صحيفة إسرائيلية يمينية مقابلة مع ديفور وبرلينسكي، حيث انتقدا التغطية الدولية للصراع وحثّا الصحفيين الأجانب على إظهار الرواية الإسرائيلية بصورة أفضل.
تُظهر خطة الرحلة التي حصلت عليها "ريسبونسيبل ستيتكرافت" أن الوفد شارك في سلسلة من الاجتماعات رفيعة المستوى، من بينها محادثات مع نائب وزير الخارجية الإسرائيلية داني أيالون، ومارك ريغيف، الذي كان آنذاك نائب رئيس قسم الاتصالات في مكتب رئيس الوزراء. كما تلقّت المجموعة إحاطة حول "التهديد الإيراني" من وزارة الخارجية الإسرائيلية، ورافقهم متحدث باسم الجيش الإسرائيلي في جولة على الحدود مع لبنان.
ولم تتمكن هذه المجلة من تأكيد ما إذا كان المشاركون في الرحلة على علم بشرط الكتابة. لكنهم إذا كانوا يعرفون هذا الشرط والتزموا به -وكانوا على علم بعلاقة الحكومة الإسرائيلية بالرحلة- فكان  يجب عليهم أيضًا التسجيل كوكلاء أجانب، وفقًا لفريمان.
في وقت قريب من وقت الرحلة إلى إسرائيل، كان تريفينو يدفع أموالاً لماندل، وبرلينسكي، وديفور لكتابة مقالات عن ماليزيا في إطار جهود تريفينو لصالح مسؤولين ماليزيين. (ينكر الثلاثة أي معرفة بأن الأموال جاءت من الحكومة الماليزية).
يبدو أن تريفينو أنهى شراكته مع "العمل من أجل إسرائيل" في أواخر العام 2011. وهو يعمل الآن على قضايا السياسات الداخلية في "مؤسسة تكساس للسياسة العامة"، وفي قضايا الأمن في أميركا اللاتينية ضمن "المعهد الأميركي للسياسة الأولى". ولم يردّ تريفينو ولا الصحفيون الذين شاركوا في الرحلة على طلبات التعليق.
في الأثناء، واصلت نوا تِيشبي، مؤسسة منظمة "العمل من أجل إسرائيل"، وشارون ليفنسون، الشريكة المؤسسة للمنظمة، العمل بجد لجمع الأموال من الجماعات المؤيدة لإسرائيل في الولايات المتحدة للمساعدة في تمويل نشاطهما. وفي خطاب عرض قدمتاه للمتبرعين المحتملين، قالتا "إن ’العمل من أجل إسرائيل‘ ستواصل العمل بالشراكة مع وزارة الخارجية لتطوير شبكة من ’صانعي الرأي‘ المؤيدين لإسرائيل القادرين على الوصول إلى الجماهير رقميًا" -في ما كان تمهيدًا مبكرًا لحملة تأثير مشابهة مؤيدة لإسرائيل كشفت عنها "ريسبونسيبل ستيكرافت" في أيلول (سبتمبر). وكانت المنظمة مصمِّمة بشكل خاص على تحويل الرأي العام الأميركي ضد سلسلة من "الأساطيل" المدنية التي كانت تحاول كسر الحصار الإسرائيلي على غزة.
أثمرت هذه الجهود دعمًا رفيع المستوى من الحكومة الإسرائيلية. في رسالة من العام 2011 موجهة إلى تِيشبي كشفت عنها التسريبات، وصف الرئيس الإسرائيلي آنذاك، شمعون بيريس، "العمل من أجل إسرائيل" بأنها "حل لنمط جديد من نزع الشرعية" عن إسرائيل.
وكتب بيريس في الرسالة التي لم يُكشف عنها سابقًا: "إنكم تقدمون نداءً سريعًا وفعّالاً للشباب حول العالم. ومن خلال ذلك، تقدمون مساعدة كبيرة لجهود العلاقات العامة التي تقودها دولة إسرائيل".
بعد "العمل من أجل إسرائيل"
يبدو أن "العمل من أجل إسرائيل" قد توقفت عن العمل خلال السنوات اللاحقة. لكن العديد من المنتسبين إليها واصلوا العمل على تشكيل نظرة الأميركيين تجاه إسرائيل. وأصبحت تِيشبي، على وجه الخصوص، صوتًا مؤثرًا يدعو إلى عودة الرهائن الإسرائيليين بينما تهاجم ما تُسمى بالحركات المؤيدة للفلسطينيين في الولايات المتحدة. وما يزال كتابها التاريخي المبسّط عن إسرائيل واحدًا من أكثر الكتب شعبية حول الصراع على منصة أمازون. وقال يوآف ديفيس، وهو من المساهمين الدائمين معها، في تصريح لصحيفة "نيويورك تايمز" في العام 2023: "إنها صوت هذا الجيل اليهودي. أقول لها دائمًا إن الله كان يهيئها لهذه اللحظة".
في العام 2022، سجّلت تِيشبي نفسها كوكيلة أجنبية للمرة الأولى خلال فترة امتدت لعامين بصفتها المبعوثة الخاصة لإسرائيل لمكافحة معاداة السامية ونزع الشرعية عن إسرائيل. لكن رسائل البريد الإلكتروني المسرّبة تكشف أن نطاق وتاريخ عملها لصالح المصالح الإسرائيلية تجاوزا بكثير ما ورد في ذلك التسجيل. وهناك ما يدعو إلى الاعتقاد بأن بعض هذه الأنشطة ما تزال مستمرة.
أحد المؤشرات المحتملة هو حقيقة أن ديفيس، شريكها والمُتحدث السابق باسم الجيش الإسرائيلي، قد سجل نفسه مؤخرًا كوكيل أجنبي لصالح إسرائيل. في تسجيلين ضمن ملفات "فارا"، قال ديفيس إن الحكومة الإسرائيلية تدفع له 161.000 دولار للقيام بأعمال علاقات عامة تتعلق بـ"الرهائن والتوعية الإنسانية" من خلال شركة الاتصالات التي يملكها، "ديفيس ميديا نيويورك محدودة المسؤولية". وفي الشهر والنصف اللذين أعقبا تقديم هذا الإفصاح، تعاونت تِيشبي وديفيس في مقاطع فيديو عدة تتعلق بالرهائن قامت تِيشبي بنشرها على حسابها في "إنستغرام" الذي يتابعه 927.000 شخص.
لم تستطع "ريسبونسيبل ستيكرافت" إثبات أي صلة مباشرة بين هذا العقد وهذه المقاطع التي تعكس آراءً تتبناها تِيشبي منذ زمن طويل. ولم يردّ ديفيس على طلب التعليق.
ثمة أيضًا بعض المؤشرات على أن ديفيس قام بعمل إضافي لصالح إسرائيل يتجاوز ما ورد في تسجيله الأخير ضمن "فارا". اعتبارًا من العام 2020 على الأقل، كان ديفيس قد أدرج القنصلية الإسرائيلية في مدينة نيويورك كعميل لشركة العلاقات العامة الخاصة به، والتي تنتج وتخرج محتوى مرئيًا قصيرًا. ووفقًا لفريمان، فإن أي عمل علاقات عامة يتم نيابة عن القنصلية يكاد يكون مؤكدًا أنه يتطلب التسجيل بموجب "قانون فارا".
وقال فريمان: "ينبغي على الأشخاص الذين يقومون بهذا العمل أن يدرسوا بجدية ما إذا كان ينبغي عليهم التسجيل تحت مظلة ’فارا‘". وأضاف: "إذا لم يسجلوا، فقد تكون هذه حالة ترغب وزارة العدل بإلقاء نظرة عليها".
 
*كونور إيكولز Connor Echols: صحفي أميركي يعمل في مجال الصحافة التحليلية والاستقصائية، ويبرز اسمه خصوصًا في تغطيته لسياسات الأمن القومي والعلاقات الخارجية للولايات المتحدة. يكتب بانتظام في منصات معروفة مثل "نَن زيرو" و"نيوزلتر" و"ريسبونسيبل ستيتكرافت"؛ حيث يتناول قضايا الحروب، والضغط السياسي، وصناعة السلاح، كاشفًا الروابط بين المصالح الاقتصادية والعسكرية وصنع القرار الأميركي. يتميّز بأسلوب دقيق يعتمد على الوثائق والشهادات، وبقدرة على ربط الأحداث الدولية بالهياكل الأوسع للنفوذ والسلطة، مما جعله أحد الأصوات البارزة في نقد التدخلات الأميركية الحديثة وتسليط الضوء على آثارها الإنسانية والسياسية.
*نشر هذا التقرير تحت عنوان: Inside Israel's shadow campaign to win over American media