عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    19-Oct-2025

مستقبل الهدنة دروس لبنان*إسماعيل الشريف

 الدستور

إذا لم ينزعوا سلاحهم سننزعه نحن، وسيتم ذلك بسرعة، وربما بعنف- ترامب.
تقف اللغة عاجزة أمام فظاعة استمرار الاحتلال في منع وصول المساعدات إلى غزة، متعللًا بحجة زائفة مفادها رفض حماس تسليم جثامين جنود صهاينة دفنهم جيشهم نفسه تحت الأنقاض. والأشد إيلامًا أن يُثار نقاش حول شرعية هذا الفعل، وكأن المسألة قابلة للجدل، في مشهد يكشف مدى الانحطاط الأخلاقي الذي وصلت إليه البشرية. وبذلك، يرسلون رسالة صريحة مفادها أن تجويع الفلسطينيين كان أمرًا مشروعًا طوال فترة الإبادة.
يدرك الكيان يقينًا أن حماس سلّمت بالفعل جثامين من تمكنت من انتشالهم، وأنها لم تمتنع عن تسليم البقية، بل عجزت عن الوصول إليهم تحت الأنقاض. وكان هذا الأمر واضحًا أثناء مفاوضات وقف إطلاق النار، غير أن الكيان أصر على وضع جدول زمني لتسليم الجثث، وهو يعلم حقيقة الواقع، ليبقي هذه القضية ورقة ضغط وذريعة جاهزة للتنصّل من الهدنة والعودة إلى القتل متى شاء.
ولا يزال الاحتلال يواصل استهداف المدنيين العُزّل ممن يحاولون العودة إلى بيوتهم لتفقدها، متذرعًا بتجاوزهم ما يسميه «الخط الأصفر»، ذلك الحد المؤقت الذي فرضته الهدنة، ويُبقي نصف قطاع غزة تحت قبضته العسكرية.
كانت الأيام الأولى لوقف إطلاق النار في غزة تحمل عنوانًا واحدًا: الجوع والموت. ومن يبحث عن مآل هذه الهدنة، فما عليه إلا أن يتأمل مصير الهدنة اللبنانية الموقعة منذ عشرة أشهر، ليدرك بوضوح الطريق الذي تمضي إليه الأحداث.
تُشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن الكيان قد ارتكب ما يزيد عن 4600 خرق لاتفاق الهدنة مع لبنان. أسفرت هذه الانتهاكات عن مقتل مئات المدنيين، أغلبهم من الأطفال، وتدمير عشرات الآلاف من المنازل، بالإضافة إلى ضم خمس مناطق لبنانية، على الرغم من أن الاتفاق نصَّ بشكل صريح على انسحاب كامل من الأراضي اللبنانية.
يبدو أن السيناريو اللبناني مُقدَّر له أن يتكرر في غزة؛ حيث ترعى الولايات المتحدة اتفاق وقف إطلاق النار، كما فعلت في لبنان، بانضمام فرنسا هذه المرة. تشرف على التنفيذ لجنة دولية تقودها واشنطن، التي تتعمد هي وحلفاؤها غض الطرف عن الانتهاكات المستمرة للكيان، مُسوّغين ذلك بذرائع «استهداف سلاح حزب الله» و»مكافحة الإرهاب». في هذا السياق، أصبحت قوات «اليونيفيل» (قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان) بلا فاعلية أو إرادة، كونها تحت الهيمنة الأمريكية المطلقة. ضمن المشهد اللبناني، برز المبعوث الأمريكي الخاص، توم باراك، بصفته لاعبًا محوريًا ووسيطا، حيث أدلى بتصريح صادم وواضح: «ستتحرك إسرائيل إلى حيث تشاء، ومتى تشاء، لتفعل ما تشاء، طالما أن الهدف هو حماية الإسرائيليين وحدودهم، وضمان عدم تكرار أحداث السابع من أكتوبر». تُظهر لنا التجربة اللبنانية أن الكيان سيمارس انتهاك الاتفاقات كعادته، وأن دورات القتل والتجويع والاحتلال لن تتوقف. وفي المقابل، يقف الضامن الأمريكي داعمًا صريحًا وغير مشروط، في مشهدٍ لم يعد فيه المسؤولون الإسرائيليون يُخفون نواياهم العدوانية أو جرائمهم. في هذه المرحلة الدقيقة، يجب على الأطراف الوسيطة السعي لإدراج بندٍ يضمن دخول الصحافة الغربية إلى غزة، لنقل القصة للعالم بكل حقيقتها. قد يكون هذا الإجراء وسيلة ضغط فاعلة على الولايات المتحدة لفرض وقف إطلاق نار مستدام، وفتح المعابر، والحيلولة دون استخدامها من قبل الصهاينة كورقة للابتزاز والمساومة. بناءً على ما سبق، يُرجَّح أن تكون الهدنة في غزة شديدة الهشاشة؛ فقد لا تعود الحرب بكامل ضراوتها، لكن من المتوقع استمرار عمليات القتل والتوسع في الضم، وسيظل التجويع سلاحًا موجهًا ضد الفلسطينيين، كل ذلك تحت غطاء المبررات الواهية والادعاءات الزائفة المتكررة.