عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    19-Oct-2025

إسرائيل والسابع من أكتوبر: نجاحات تكتيكية وخسارات استراتيجية!*د. أحمد بطّاح

 الراي 

 
كان السابع من أكتوبر الفائت (07/10/2025) هو الثاني على بدئها حيث بدأت كما هو معروف في 07/10/2023 وبهذه المناسبة، فإنّ من واجب المحلّلين الموضوعيّن أن يسجلوا ما أحرز كل طرف وما خسره، ورغم أنه من السابق لأوانه أن نصل إلى أحكام نهائية بشأن الموضوع فإن نظرة متفحصة إلى ما حققه وما فشل في تحقيقه الجانب الإسرائيلي يشير بوضوح إلى أنه أحرز مكاسب تكتيكية لا يُستهان بها، ولكنه سجل أيضاً خسارات استراتيجية لا شك فيها ولعلّنا نفكّك النجاحات والإخفاقات على النحو الآتي:
 
أولاً: فيما يتعلق بالحرب في قطاع غزة:
 
لقد نجحت إسرائيل في توجيه ضربة عسكرية قوية إلى حماس ولكنها لم تستطع تدميرها بالكامل، كما نجحت في تدمير قطاع غزة وإحالته إلى مكان غير صالح للعيش ممارسةً في سياق ذلك إبادة "جماعية"، وتهجيراً داخلياً، وتجويعاً، وترويعاً، غير مسبوق في العصر الحديث، والواقع أنّ إسرائيل لم تحقق الأهداف الاستراتيجية لها من هذه الحرب وهو استئصال حماس نهائياً (عسكرياً وسلطةً) من القطاع، وتهجير السكان المدنيين، والقضاء على فكرة أن يكون القطاع في المستقبل جزءاً من كيان الدولة الفلسطينية وفق حل الدولتين (الضفة الغربية بما فيها القدس كعاصمة بالإضافة إلى قطاع غزة) ولعلّنا يجب أن نضيف هنا أن إسرائيل حتى لو نجحت في نزع سلاح المقاومة من خلال "خطة ترامب"، فإنها لن تنجح في قتل فكرة المقاومة للاحتلال ما دام موجوداً، كما أنها لن تستطيعَ أن تقف إلى ما لا نهاية. في وجه بروز دولة فلسطينية تعترف بها الآن (157 من أصل 193 دولة) في الجمعية العامة للأمم المتحدة.
 
ثانياً: فيما يتعلق بإيران:
 
لقد نجحت إسرائيل، وبالتعاون مع الولايات المتحدة، في المواجهة الأخيرة التي دامت (12) يوماً في ضرب إيران كقوة نووية ناشئة، وكقوة صاروخية واعدة، ولكن لا أحد يستطيع أن يزعم -بما في ذلك القادة الإسرائيليون والأمريكيون- أن الخطر الإيراني قد أزيل وانتهى. فإيران ما زالت تحتفظ بكمية غير قليلة من اليورانيوم المُخصّب بنسبة تزيد عن 60%، ولديها القدرة التقنية على التخصيب، وليس هناك من تأكيد على تدمير منشآتها النووية بالكامل، وعليه فإنّ خطر إيران الاستراتيجي على إسرائيل لا يمكن استبعاده وحتى مع تراجع وضعف ما سُمي بمحور المقاومة والممانعة أو المحور الإيراني (حماس وحزب الله، والحشد الشعبي العراقي، وجماعة أنصار الله).
 
ثالثاً: فيما يتعلق بالجماعات المسلحة المناوئة لإيران:
 
لقد نجحت إسرائيل بتوجيه ضربة عسكرية موجعة لحزب الله اللبناني، واستطاعت القضاء على معظم قياداته العسكرية والتنظيمية، وأجبرته على التراجع إلى شمال الليطاني وهو الآن واقع تحت الضغط داخلياً وخارجياً من أجل "نزع سلاحه"، كما أنها وجهت ضربات قوية ومؤثرة لجماعة أنصار الله الحوثيين في اليمن، وأبقت على الجماعات المسلحة المناوئة لها في العراق "كامنة" وغير قادرة على التحرك ضدها، ولكن الحقيقة تبقى ماثلة وهي أن كل ما قامت به إسرائيل على صعيد ضرب هذه الجماعات وتحييدها لا ينهي خطرها استراتيجياً عليها، فهذه الجماعات ما زالت تحتفظ ببعض قوتها المُعتبرة، و بأيديولوجيتها المعادية بشدة لإسرائيل، ولا يمكن ضمان عدم نشوء ظروف مستقبلية تعود فيها بعض هذه الجماعات أو كلها إلى العمل ضد إسرائيل وبفعالية أكثر من السابق.
 
رابعاً: فيما يتعلق بصورة إسرائيل في العالم:
 
لقد دأبت إسرائيل على تصوير نفسها على أنها ضحية، وعلى أنّ أعداءَها العرب يريدون القضاء عليها، ولكن ما مارسته في الحرب من "إبادة جماعية" وتجويع استفز ضمائر شعوب العالم كافة وإلى درجة أن مظاهرات ومسيرات ضخمة عمت شوارع عواصم وحواضر العالم وبخاصة المدن الأوروبية التي اعتادت جماهيرها على تأييد إسرائيل وتفهم سرديتها وحتى الإيمان بتفوقها الأخلاقي، وقد تكون إسرائيل نجحت تكتيكياً في جعل العالم الرسمي يسكت عما فعلته في قطاع غزة، ولكن المؤكد أنها خسرت استراتيجياً حين خسرت "سرديتها" و"صورتها" أمام جماهير العالم وشرائحه الشبابية بالذات، الأمر الذي لا يمكن تعويضه لأجيال قادمة.
 
وباختصار فإنّ مما لا شك فيه أنّ إسرائيل سجلت نجاحات تكتيكية مهمة بعد السابع من أكتوبر في ما أسمته حربها على الجبهات السبع (قطاع غزة، الضفة الغربية، لبنان، سوريا، العراق، إيران، اليمن)، ولكنها بالقطع لم تستطع استبعاد الأخطار الاستراتيجية عليها، وإذا تذكرنا إن إسرائيل دولة احتلال، وأنها غريبة في المنطقة التي تتواجد فيها، وأنها تعاند التاريخ والمنطق في تجاهلها لحق الشعب الفلسطيني في وطنه نستطيع أن نستنتج أنها خاسرة لا محالة، ولها خير مثال فيما سبق من قوى استعمارية اغتّرت بقوتها وجبروتها ولكن مصيرها كان الزوال والهزيمة.