حواسيب الكم في الجامعات الأردنية.. حلم قريب أم خيال بعيد؟*حسام الحوراني
الدستور
في الوقت الذي تُعاد فيه كتابة قوانين الفيزياء والمعرفة داخل مختبرات الحوسبة الكمومية حول العالم، حيث تتسابق دول كبرى لتطوير أجهزة تتفوق بقدراتها على أعظم الحواسيب الكلاسيكية، يطرح سؤال نفسه بإلحاح في منطقتنا العربية، وبالتحديد في الأردن: هل يمكن لجامعاتنا أن تدخل هذا السباق؟ هل سنرى يومًا في جامعة أردنية أول مختبر حوسبة كمومية؟ أم سيبقى كل هذا ترفًا علميًا في نظرنا، ورفاهية لا مكان لها في معادلات واقعنا؟
السؤال ليس بسيطًا، لكنه ضروري. فالحوسبة الكمومية لم تعد خيالًا علميًا من كتب الفيزياء النظرية، بل أصبحت واقعًا يُشكّل أساسًا لمستقبل الذكاء الاصطناعي، وأمن المعلومات، وتطوير الأدوية، ونمذجة الجزيئات، وتقديم حلول لمشكلات كانت مستحيلة عبر الحواسيب التقليدية. نحن لا نتحدث هنا عن جيل جديد من الحواسيب فقط، بل عن طفرة ستغيّر جذريًا طريقة تعاملنا مع المعلومات والعالم.
ولأن الجامعات هي مهد المستقبل، فلا بد أن تكون أول من يتحرك. وحين نقول «جامعاتنا الأردنية»، فإننا لا نقصد فقط المباني أو الكليات، بل نقصد العقل الأردني الطامح، الطالب الذي يُشعل الكثير من الاسئلة في عقله حين يسمع عن الكيوبتات، والأستاذ الذي يؤمن أن المعرفة تبدأ بسؤال صعب، والباحث الذي لا يرى في محدودية الموارد عذرًا لغياب الطموح.
الحقيقة أن الأردن يمتلك ما هو أثمن من البنية التحتية: يمتلك العقول. شبابنا الأردني أثبت جدارته في مسابقات البرمجة، في مراكز البحث العالمية، في الشركات الناشئة، وفي المختبرات الدولية. فما الذي يمنعنا من أن نبدأ رحلة الحوسبة الكمومية من هنا، من جامعاتنا؟ هل هو غياب التمويل؟ التكنولوجيا؟ أم غياب الإيمان بأن الحلم يستحق المحاولة؟
المعادلة ليست سهلة، لكنها ليست مستحيلة. فالدخول إلى عالم الحوسبة الكمومية لا يبدأ ببناء حاسوب كمومي كامل من الصفر – فهذا ما زال بعيدًا حتى عن بعض الدول الكبرى – بل يبدأ بتأسيس بنية معرفية، يبدأ بتدريس مفاهيم الكم، ببناء فرق بحثية مشتركة، بتدريب الطلاب على محاكيات الحوسبة الكمومية، بالتعاون مع الشركات العالمية التي تتيح الوصول إلى حواسيبها السحابية. يبدأ حين تصبح «الفيزياء الكمومية» ليست مادة نخشى الرسوب فيها، بل جسرًا نمرّ من خلاله إلى المستقبل.
تصوّروا لو أن في كل جامعة أردنية نادٍ علمي للحوسبة الكمومية، أو مساقًا جامعيًا واحدًا يعرّف الطلبة على مبادئ هذه التقنية، أو مختبرًا يستخدم المحاكيات المجانية المفتوحة. تخيلوا إنجازات الطلبة حين يُتاح لهم الوصول إلى أدوات IBM أو Google أو Microsoft الكمية عبر الإنترنت، ويبدأوا بابتكار حلول لمشاكل الطاقة أو الأمن السيبراني في الأردن. تخيلوا مشروع تخرج في جامعة البلقاء أو العلوم والتكنولوجيا يحل معادلة جزيئية معقدة باستخدام بوابات كمومية. هذا ليس خيالًا، بل مستقبل يمكن بناؤه خطوة بخطوة.
بل إن الجامعات الأردنية، إن تحركت بذكاء الآن، قد تحتل مكانة ريادية في العالم العربي في هذا المجال. لأن حجم المنافسة الإقليمية لا يزال محدودًا، ويمكننا عبر تعاون بين وزارة التعليم العالي، ومراكز البحث، والقطاع الخاص، أن نكون الدولة العربية الأولى التي تؤسس مركزًا وطنيًا للأبحاث الكمومية الجامعية.
ما نحتاجه هو قرار. قرار بأن المستقبل لا ينتظر المترددين. قرار بأن الجامعات لا يجب أن تكتفي بتخريج موظفين، بل يجب أن تخرّج رواد علم. قرار بأن العلوم المتقدمة ليست رفاهية، بل ضرورة وطنية.
في وادي رم، تأمّل الأردنيون النجوم قرونًا. واليوم، حان وقت تأمل ما وراء النجوم في عالم من الكيوبتات والتراكب والتشابك. إن لم نبدأ الآن، فمتى؟ وإن لم تؤمن جامعاتنا بقدرة طلابها على خوض هذا المجال، فمن سيؤمن؟
حواسيب الكم في الجامعات الأردنية ليست خيالًا بعيدًا، بل حلمٌ يمكن أن يصبح قريبًا، فقط إن تجرأنا على الحلم، وامتلكنا شجاعة المحاولة.