الغد
هل نسينا مأساة غزة؟.. سؤال يفرض نفسه في ضوء ما نشهده من تحول في اهتمامات الساسة ووسائل الاعلام العالمية وحتى الشعوب صوب العدوان الإسرائيلي على إيران، ومجريات المعركة التي تبدو أكثر شراسة من أي مواجهة سابقة، حيث يتسابق الطرفان في إظهار قوتهما وسط قراءات متقاطعة مع ما هو متاح من عناصر القوة لكل طرف، ومصالح المتفرجين من محيط أطراف العلاقة. وما يجري من أعمال حشد صامت لكنه معبر.
السؤال يحمل في طياته خشية من يؤدي التحول في الأضواء وما يتبعها من اهتمامات سياسية على تصاعد الأزمة التي يعاني منها سكان قطاع غزة والتي تجاوزت كل بعد إنساني، وتوغلت ضمن إطار جرائم الحرب التي زادت حدتها على وقع التغاضي الدولي عن كل ما تفعله إسرائيل، والدعم المطلق من قبل الولايات المتحدة والغرب عموما لكل تلك الجرائم، فمع التسليم بخطورة الوضع على الجبهة الإيرانية الإسرائيلية والانعكاسات المتوقعة لتلك الحرب الشرسة على المنطقة والعالم، والخشية من أن تجر المنطقة إلى حرب عالمية، وإلى تدخلات نووية، ترتفع وتيرة الخوف من أن يطغى ذلك الحدث على الملف الفلسطيني بشكل عام، وعلى مأساوية الوضع في قطاع غزة.
فكل وسائل الإعلام وجهت أضواءها نحو خط طهران تل ابيب، بكل تفاصيله المتعرجة، التي يعتقد محللون أنها ما تزال ضمن مرحلة عض الأصابع، فحتى اللحظة، يبدي الطرفان تصميما على السير في مسار الحرب، ويحتفظ كل طرف بقائمة أهداف استراتيجية، يدعي أنه قادر على تحقيقها. بينما تؤشر الأهداف التكتيكية المنظورة إلى أن الحصاد قد يكون مجرد دمار محكوم بمحاولات تحسين الموقف التفاوضي حول عنوان رئيس قد لا يكون خلافيا في ظاهره، لكنه أكثر من خلافي فيما يتعلق بالتفاصيل. وأكثر تعقيدا كعنوان استراتيجي بعيد المدى محكوما بهواجس انعدام الثقة.
هنا يتوقف المتابعون لهذا الملف عند حقيقة تتقاطع التأكيدات بشأنها، وتتمثل بصعوبة حسم المعركة ضمن المعطيات الحالية، وبمعزل عن تدخل أطراف خارجية. فإسرائيل لن تكون قادرة على تدمير» القارة الإيرانية»، ولا قلب نظام الحكم فيها الا ضمن ظروف ومعطيات ليست متاحة راهنا، ولن تستطيع إعادة رسم خريطة المنطقة ضمن المعطيات الحالية.
وفي المقابل، لن يكون بوسع إيران تدمير إسرائيل وترسانتها المفتوحة على المستودعات الأميركية والغربية. يساعد في ذلك الصمت الذي تمارسه العديد من الدول التي يمكن الاستماع لصوتها، والتأثر بموقفها. يساعد في ذلك أيضا ما يشهده العالم من فرز مسبق للمواقف محكوما بأطماع تاريخية يصعب أن تغادر الذاكرة الوطنية لسكان المنطقة ككل. ويجعل تلك المواقف محكومة بفرضيات الاصطفاف المصلحي المؤقت.
فالجانب العربي ـ مثلا ـ يتعاطف مع إيران من زاوية أنها تحارب إسرائيل التي تغتصب فلسطين وتكشف عن أطماعها في احتلال أراض عربية أخرى. لكنها تخشى ـ على المدى البعيدـ من أطماع إيران التوسعية التي تتكئ على مشروع يقوم على بعد فارسي قبل البعد الطائفي، وباقي الدول تتعامل مع الملف من مصالحها الخاصة، وتماشيا مع قراءاتها للمخرجات المنتظرة لتلك الحرب التي من المؤكد أنها ستعيد المنطقة عشرات السنين إلى الوراء، والتي قد تعطي شارة البدء لإعادة رسم خريطة المنطقة.
وسط تلك الأجواء تبدو الخشية من أن ينسى العالم مأساة قطاع غزة. حيث تتفاقم الأزمة» اللإإنسانية»، سواء في عمليات القتل المتواصلة، أو في مجال المجاعة التي تقول المنظمات الأممية إنها شارفت على دخول المرحلة الرابعة وقبل الأخيرة ضمن سلم الدرجات المعتمدة لدى منظمة الأغذية والزراعة الدولية.
ووفقا لتقرير» الفاو» يعاني 470 ألف شخص من أصل سكان قطاع غزة البالغ عددهم أكثر من مليوني شخص من أعراض المرحلة الخامسة من الجوع والتي تصل إلى مستوى تهديد حياتهم بشكل مباشر ويجعل أجسادهم غير قادرة على القيام بالوظائف الأساسية.
ويشير التقرير صراحة إلى أن الحصار المفروض على القطاع، والحرب المتواصلة التي تشنها إسرائيل ضد أبناء القطاع هو السبب الرئيسي لمثل تلك الحالة. كما يشير إلى تعمد جيش الاحتلال إلى إطلاق النار على الأفراد الذين ينتظرون الحصول على المساعدات، حيث وصل عدد» شهداء المساعدات» إلى 338 شهيدا و 2800 مصابا. وارتفع عدد الشهداء الإجمالي منذ السابع من أكتوبر إلى 56 الفا أغلبهم من الأطفال ، والإصابات إلى 129 ألفا.
فالقضية التي تعاني أصلا من عدم اهتمام الكثير من الدول الفاعلة، لم يعد يذكرها إلا القليل من الدول، فالدولة الوحيدة التي ما تزال تتحدث عن معاناة أبناء القطاع وكافة أبناء الشعب الفلسطيني هي الأردن. والمسؤولون الوحيدون الذين يواصلون بحث الملف مع نظرائهم في العالم هم الأردنيون. والشعب الوحيد الذي يواصل تقديم العون والمساعدة للأهل في القطاع والضفة الغربية هو الشعب الأردني. الذي يجمع في اهتمامه ما بين التعاطف مع الجانب الإيراني الذي يواجه ويحارب مغتصبي فلسطين، ومنفذي الحصار على الفلسطينيين من أبناء قطاع غزة. والذي يطالبون العالم بعدم نسيان معاناة القطاع أمام المواجهات الدائرة بين إيران وإسرائيل.