ممداني.. نجاح برسائل*محمود خطاطبة
الغد
نجاح زهران ممداني بمنصب عمدة نيويورك، قد يكون شكل مُفاجأة مُدوية، للكثير من رجال السياسة والمال والأعمال، وعرابي المُنظمات والمؤسسات، العاملة في الولايات المُتحدة الأميركية، والداعمة للكيان الصهيوني.
وقد يكون هذا النجاح، أول لُبنة أساسية في «تغُير» المزاج العام الأميركي، خصوصًا بين قطاع الشباب، من القضية الفلسطينية، وعدالتها، وأهميتها وعلوها على جميع القضايا العالمية.
وبعيدًا عن صحة ذلك من عدمه، أو عقد آمال على تغيير المزاج العام الغربي بشكل عام، إلا أن نجاح ممداني بعث بأكثر من رسالة، كُل واحدة منها، تصلح لأن تكون بحثًا أو دراسة، يُبنى عليها الكثير من الاستنتاجات في قابل الأيام، لعلى وعسى أن تعود على هذه الأُمة بالنفع، لترى النور مُجددًا، كما كانت في الأيام الخوالي.
أول هذه الرسائل، يتعلق بأمر ديمقراطي، إذ لم ينسحب الحاكم السابق لمدينة نيويورك، على الرغم من خسارته للانتخابات الداخلية للحزب، وهذا يُعتبر مثلبة في أساسيات الديمقراطية.. ويا ليت الأمر وقف عند هذا الحد، بل تجاوزه كثيرًا، حيث تلقى دعمًا مقطوع النظير من قيادات الحزب الديمقراطي نفسه، الأمر الذي يدل على أن هُناك شائبة فيما يتعلق بديمقراطية هذا الحزب.
هذا على المُستوى الديمقراطية داخل أحد ركُنيها الأساسيين (الحزبين الجمهوري والديمقراطي)، في بلد يدعي بأنه صاحب أكبر ديمقراطية، أما على مُستوى الديمقراطية بشكل عام، وهذه هي الرسالة الثانية، فقد كشف نجاح ممداني «زيف» ديمقراطتيهم، و»عدم أخلاقيتها»، وأن شعارات «الحُرية» التي تُنادي بها دومًا، أصبحت «كذبة كبيرة» يرآها الجميع، إلا من على قلبه غشاوة.
فالكثير رأي بأُم عينيه، وسمع بأذنيه، كيف عملت الطبقة الأميركية، التي تدعي الديمقراطية، على إسقاط ممداني، وإتهامه بتهم باطلة، وتذكيره والشعب الأميركي بأصوله، في إشارة على أنهم ينظرون إلى كُل ما هو غير أميركي، بأنه أقل منهم شأنًا وقيمة، وقد يصلون إلى درجة ينكرون فيها «إنسايته»، وحقه في العيش.
«وسائل غير أخلاقية»، «كذب»، «زيف»، «طائفية»، «احتقار».. كُلها عناوين مورست بشكل علني، بمُشاركة صُحف ووسائل إعلام، إن دلت على شيء، فإنها تدل إلى أي درجة وصل هذا البلد (أميركا)، من درجات الانحطاط، والفشل، والهش.
والدليل على صحة هذه الكلمات، أن نجاح إنسان بنسبة بسيطة تجاوزت النصف بقليل، أثر بشكل مُباشر على ما يدور في رؤوسهم من خطط شيطانية، ويسلط الضوء على كم هم «متكبرون، مُتغطرسون، مُتعجرفون»، ينظرون إلى الآخرين بطريقة «دونية».
الرسالة الثالثة، أستطيع أن أُطلق عليها بأنها ضربة في مقتل للرأسمالية، وبمعنى أدق معلقها الرئيس، وعاصمتها العُظمى، وأقصد هُنا نيويورك، على الرغم من أن ممداني برنامجه اشتراكي بحت، فضلًا عن أنه «يسن» أسنانه لزيادة الضرائب على رجال المال في نيويورك.
نقطة أخيرة، وقد تكون بمثابة رسالة رابعة، أستطيع القول إن نسبة الشباب ممن صوتوا لممداني بلغت نحو 75 بالمائة، ما يؤشر على احتمالية أن التفكير القادم للولايات المُتحدة مُختلفًا، ولو كان على فترات مُتباعدة، في حال تمكن مثل هؤلاء الشباب أن يستلموا سدة الحُكم، وهو ما قد يعني أن العالم مُقبل على تغيير بالأفكار والمُعتقدات، التي كانت يومًا ما «مُقدسة».