عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    30-Sep-2025

صخرة لبنان* غازي العريضي

المدن -

 
عاش لبنان خضّة عنوانها " إضاءة صخرة الروشة " بمناسبة الذكرى الأولى لاستشهاد السيد حسن نصرالله ونائبه السيد هاشم صفي الدين ولا تزال ارتداداتها تتفاعل وموضع تعليقات وتصريحات وتشنجات. كنا في غنى عن كل ذلك ويكفينا ما فينا وما نحن عليه. أمام هذا المعلم يمكن تسجيل الملاحظات والوقائع التالية لمن يريد أن يتعلم: 
 
 
 
1- حكومياً: 
 
لا نقاش مبدئياً في الالتزام بالقانون، واحترام القرارات والتعاميم التي تصدر عن الحكومة. هذا أمر بديهي طبيعي في أي بلد طبيعي، وتركيبة سياسية طبيعية آخذين بعين الاعتبار أن كثيراً من السياسات والقرارات والخطوات اعتمدتها حكومات او اتخذها مسؤولون لم تكن صائبة بل أدت تراكماتها الى صدامات وصراعات في البلد كانت كلفتها كبيرة. لذلك كان بالامكان معالجة الأمر باستيعاب وعقلانية وهدوء بعيداً عن الانفعالات الشخصية أو السياسية. نحن أمام الذكرى السنوية الأولى لاستشهاد شخصية كبيرة بمقام السيد حسن نصرالله. بيئته تعيش حالة من الاحتقان والغليان وتشعر بالتخلي عنها منذ قرار وقف الأعمال العدائية. العدوان مستمر بالقتل. والاحتلال. والتوسّع. أبناء الجنوب ممنوعون من العودة الى ديارهم. واسرائيل تهدّد بالمزيد من القصف في أي مكان. ولا خطوة على صعيد إعادة الإعمار، وثمة تهديدات من الخارج وتبرير الاحتلال من بعض الداخل واستقواء بنتائج عدوانه لتكريس قلب المعادلة السياسية القائمة، وابتزاز خارجي للبنان وتخييره بين " الجوع " أو الخضوع للشروط والعنوان الثابت " نزع سلاح حزب الله " في وقت حقق الجيش خطوات كبيرة بامكانات متواضعة وقدّم الشهداء والجرحى ولا يزال يقوم بمهامه، وقرارات الحكومة في هذا الاتجاه يجب أن تنفّذ وكان الخلاف قائماً حول الآليات لكن النقاش حسم من خلال الخطة التي تقدّم بها الجيش، لذلك ينبغي استيعاب " البيئة ". سوء الإدارة، سوء التدبير، الانفعال، التوتر، أدى الى نتائج معاكسة والتعميم في الحديث عن الطائفة الشيعية أدى الى توحيدها بقوة وهذا أمر لا يمكن تجاوزه في بلد تركيبته طائفية ونحن أمام طائفة كريمة كبيرة فاعلة قدمت الكثير من التضحيات في البلد منذ ال 48 وحتى اليوم وفي مرحلة معينة كانت المناطق التي تتواجد فيها تعاني الظلم والقهر والحرمان. 
 
 
 
قال أحد الشعراء الكبار: " لا يحمل الحقد من تعلو به الرتب 
 
ولا ينال العلى من طبعه الغضب ".
 
وقال سقراط: " دواء الغضب الصمت ".
 
وقال الإمام علي: " آلة الرئاسة سعة الصدر ".
 
وقال كمال جنبلاط: " الحياة انتصار للأقوياء في نفوسهم لا للضعفاء ". قوة النفس في التعالي. في الوقار الطبيعي. لا في الانفعال أو الافتعال. في التقدير الصحيح للموقف. في التبصّر والتفكّر لا في التهوّر، لحفظ هيبة الموقع وكرامة الموقف، وإلا وقع المسؤول في حالة إنكار وتعرض للإنكسار. سعة الصدر أولى شروط المسؤولية. والصمت عند الغضب لا يعني السكوت عن الباطل أو الاستسلام إنما التفكير بعمق وعدم الذهاب الى خيارات متسرّعة، والوقوع تحت ضغطها، فكيف إذا كان المسؤول ممن تعلو به الرتب ؟؟ وأية مخارج تأتي لن يكون فيها انتصار مهما تمّ تزيينها. لا الاعتكاف قرار مسؤول بمفرده ولا الاستقالة أيضاً. فالمعادلة التي تأتي بأي مسؤول، أصحابها هم أصحاب القرار. مررنا بتجارب كثيرة في لبنان قبل الطائف وخصوصاً بعده. عند اعتكاف أو " زعل " أي مسؤول والتسرّع في الاقدام على موقف ما كانت نتيجته معروفة. أصحاب الشأن يعالجون الأمر وفق مصالحهم وليس وفق مصلحة هذا أو ذاك. نحن اليوم أمام إدارات عربية أميركية غربية إيرانية واستباحة اسرائيلية فماذا ينتظر غير ذلك ؟؟ وفي استحضار الأملاك العامة لاسيما البحرية والاعتداءات عليها، وينبغي أن يكون تشدّد في هذا الأمر مع كل المعتدين من الناقورة الى العريضة، وسبق لنا عندما كنا في وزارة الأشغال أن اصدرنا كتاباً وثيقة سجلنا فيه كل الاعتداءات ولم يستثنى أحد من المعتدين، وحدّدنا الغرامات المطلوبة فلماذا لم يبادر المسؤولون الى العودة اليه وإضافة ما استجد من اعتداءات اليه وجمع الغرامات المطلوبة وهي كبيرة تعالج جزءاً من أزمات العسكريين المتقاعدين والمعلمين والموظفين وما شابه ؟؟ استحضر العنوان مع الإعلان عن مناسبة إضاءة " الصخرة " وكل عواميد الكهرباء ملفوفة بأعلام وصور حزبية هنا وهناك وكذلك الجسور وغيرها من المواقع. بدا الأمر وكأنه غبّ الطلب. أعود واقول نعم لهيبة الدولة وقرارها وفرض سلطتها بالصغيرة والكبيرة لكن الأمر يتطلب حكمة ونية طيبة وذهنية استيعابية والتحصّن بقوة ثقة الناس واحتضان قضاياهم والوقوف على آلامهم وأوجاعهم ومعاناتهم. سئل ابن المقفع: " من هو الحاكم " ؟؟ فأجاب: " البلاط " !!
 
 
 
2 – الجيش: 
 
كانت المشكلة مع فريق فأصبحت مع الجيش وداخل الحكومة. وهذا خطأ سياسي كبير. جيش يعمل بالحد الأدنى من الامكانات. قائده عاقل وحكيم. عناصره صبورون. لا يجوز أن ينظر إليه البعض أنه المشكلة. وكذلك قوى الأمن الداخلي، والمستفيد من هذه الإدارة وهذه النتيجة هو اسرائيل بالدرجة الأولى وكل من يتربّص بالبلد ومن يهاجم الجيش داخله. بعض الذين استنفروا في الأيام الماضية ضد المؤسسات الأمنية يجب أن يتذكروا مرحلة الانقسام بين 8 و 14 آذار، يومها أعطيت أوامر للجيش لمنع المتظاهرين من 14 آذار بالتجمع بكثافة في ساحة الشهداء في ظل الصراع الكبير مع السلطة. الجيش استوعب الأمر وفتح الطرقات للناس فماذا فعل الذين استنفروا اليوم ؟؟ حيّوا الجيش ثم انتخبوا قائده رئيساً للجمهورية. ايام " الثورة " كان كثيرون يتمنون تصدي الجيش للمتظاهرين ولم يفعل وحقق من كان يؤيدهم أو يشاركهم التحركات بعضاً من غاياته وصولاً الى الدخول الى الندوة النيابية. الأمور في لبنان لا تؤخذ بالمكاسرة في وقت يتعرض الجيش لاستهداف وتهديد من قبل اسرائيل ومن يقف وراءها وتمنع عنه المساعدات حتى الآن وثمة لبنانيون يحرّضون عليه في الخارج لحجب المساعدات عنه. 
 
 
 
 
 
3 – " البيئة ": 
 
البيئة الحاضنة لحزب الله والمؤيدة له مطالبة بصدق وحرص عليها وعلى قاعدة ما سبق ذكره بأن تكون على درجة عالية من المسؤولية. ردّات الفعل يجب ان تكون بمستوى صاحب الذكرى وروحيته أياً تكن الجوارح. لا يجوز التعميم في الانتقاد أو الرّد. عندما نرفض استهداف رموزنا لا يجوز أن نمسّ رموز الآخرين، روحيين كانوا أم سياسيين أم إعلاميين. ولغة الشتيمة والتخوين مرفوضة من أي شخص أو جهة أو موقع أتت. هذا سقوط أخلاقي وسياسي. والكلام الذي صدر تعليقاً على حدث إضاءة الصخرة وأثار موجة غضب واستنكار لم يكن مقبولاً أو مبرراً أو مفيداً ولا يعبّر عن قوة موقف ومنطق. كلام يتناقض مع القيم الانسانية ولا يليق بمن له تاريخ عريق في العمل السياسي واللياقة السياسية ولكن لا يقابل بكثير من الكلام الجارح الذي تمّ توجيهه الى مرجعيات روحية وسياسية وشعبية في بيئة وطنية مناضلة مجاهدة رمزها وزعيمها هو الذي عقد مصالحات مع من تقاتل معهم، وحيّا ويحيي كل شهداء لبنان " وكل على طريقته " كما يقول دائماً. وهو بدماء شهداء حزبه فتح من الجبل طريق المقاومة الى الجنوب، وكان ولا يزال رمزاً أساسياً في احتضان بيئة المقاومة واليوم يعبّر مراراً وتكراراًعن ضرورة التعامل معها بطريقة مختلفة. نعم ثمة خلاف سياسي، لكن الحفاظ على وحدة البلد ومؤسساته وتعزيز الدولة وتجنّب كل ما يثير الانقسام هو في مصلحة الجميع ولطالما كان ولا يزال موقف هذا الفريق متقدماً لناحية إدانته الاحتلال الاسرائيلي ورفض الاستسلام للإرادة الأميركية والاسرائيلية.
 
اللهم وسّع صدور الناس، وألهم المسؤولين في كل المواقع تجنّب الانفعالات والزلاّت والحماقات لنحفظ لبنان الكبير ولا نكسر الصخرة التي بني عليها!!