عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    09-Nov-2025

الحرب في فلسطين.. وحشية أعلى بضجيج أقل*د.ابراهيم بدران

 الغد

كان هناك تفاؤل كبير، بأن تؤدي خطة ترامب إلى وقف الحرب في غزة والانتقال الى مراحل الهدوء وإعادة الإعمار، ووضع حد للمأساة الانسانية في قطاع غزة. ولكن حقيقة الأمر والممارسة اليومية للكيان الصهيوني تشير الى غير ذلك تماما. فخلال الأيام القليلة التي مضت انتهكت إسرائيل وقف إطلاق النار مئات المرات، وراح المئات من المصابين والشهداء. ولم يتوقف تدمير المنازل والمدارس والمرافق المعيشية وانتهاك المقدسات ليوم واحد حتى هذه اللحظة. وفي واقع الأمر فإن نتنياهو ووزراءه وجنرالاته لا يأخذون وقف إطلاق النار مأخذا جاداً، بل يعتبرون الإعلان عنه والترويج له فرصة ربما تساعد إسرائيل على الخروج من استنكار العالم لوحشيتها ورفضه لنازيتها المفرطة، وربما تكون طريقا لخروجها من عزلتها الدولية دون أي تغيير يذكر في سياستها وبرامجها. وفي نفس الوقت تتزايد حملات العدوان في الضفة الغربية بشكل غير مسبوق. الامر الذي يكشف النوايا الخبيثة لليمين الإسرائيلي والمتمثلة في التدمير الهادئ للمرافق الاقتصادية والمعيشية للمواطنين الفلسطينيين، في إطار من التوسع المتواصل في مصادرة الأراضي وهدم المنازل وتعذيب المعتقلين وتدمير المخيمات وإجبار السكان على النزوح من قراهم ومساكنهم الى أماكن أخرى، انطلاقا من القاعدة الاستعمارية القائلة: «النزوح أول الطريق للهجرة». وقد تجاوز عدد النازحين الـ 50 الف مواطن من قرى ومخيمات وتجمعات سكنية مختلفة. كما ان الحملة تشتد عنفا في القدس وفي الخليل بهدف التهويد وتدمير الأماكن المقدسة في وقت قريب. وفي نفس الوقت فرضت سلطات الاحتلال إجراءات معقدة واشتراطات تعجيزية على المنظمات الإنسانية التي تقدم المعونة والإغاثة للفلسطينيين في غزة والضفة. وذلك لإجبارها على التخلي عن دورها الانساني ووقف عملياتها. وهو ما يمثل وجها آخر للعقاب الجماعي واستمراراً لحرب الابادة من خلال التجويع ومنع كل مستلزمات الحياة. ولا زالت سيارات المساعدات التي تدخل غزة لا تغطي 20 % من احتياجات القطاع. كل ذلك والموضوع الذي يركز عليه الجانب الأميركي والإعلام  يدور حول «حكم غزة»، ونزع سلاح المقاومة، والقوة الدولية التي يعمل ترامب على تشكيلها. كل ذلك دون اعطاء الجانب الانساني الذي يوقف المعاناة والسياسي الذي يمكن أن يحقق السلام العادل الدائم والتشارك مع الفلسطينيين اي اهتمام. وفي نفس الوقت لم تتوقف الاعتداءات المتكررة على لبنان، والاختراقات في سورية بما في ذلك الاحتلال وتهريب الأسلحة للقوى الانفصالية في السويداء والشمال السوري. وأخيراً سيطرة إسرائيل على معبر رفح بكامله، وإعلان خط الحدود مع مصر منطقة عسكرية مغلقة. بل والادعاء بأن الجيش المصري غدا يشكل تهديدا مباشرا لأمن إسرائيل.
 
 
 وهنا لا بد من التركيز على عدد من المسائل على النحو التالي: أولاً: إن السلام الذي يتحدث عنه ترامب وتتطلع اليه دول المنطقة وينتظره الفلسطينيون لا زال بعيداً بل تحول إلى حرب احتلال عنصري ضد كامل فلسطين ولكن بدون ضجيج. إن السلام من غير الممكن أن يتحقق، طالما استمر نتنياهو وحكومته بأساليب المراوغة والمماطلة والادعاءات الكاذبة واختلاق الحوادث لتبرير تصاعد القتل والتدمير في القطاع والضفة الغربية، وطالما استمر في التمتع بحماية ترامب.
 ثانياً: من غير الممكن أيضا أن يتحقق سلام دائم طالما يتمسك الثنائي ترامب ونتنياهو بنظرية أن «القوة هي التي تفرض السلام» وليس العدل وحقوق الأطراف.
ثالثا: ان المجموعة العربية الاسلامية التي شهدت لقاء نيويورك وتوقيع اتفاقية شرم الشيخ لا يجوز أن تعتبر أان مهمتها قد انتهت، وإنما عليها أن تقوم بدورها في الضغط على أميركا وإسرائيل للالتزام بمعطيات الاتفاقية وفي مقدمتها وقت القتل والتدمير بشكل كامل، والسماح للمواد الإغاثية على أنواعها بالدخول الى غزة دون عوائق وإنهاء حالة العقاب الجماعي الذي تتغاضى عنه إدارة ترامب والدخول الجاد في المرحلة الثانية.
رابعاً: إن تصعيد الحرب شاملة غير المعلنة ضد الفلسطينيين في الضفة والقدس بشكل خاص وتدمير وحرق المزارع واقتلاع الأشجار، وحواجز الجيش التي تعدت 877 حاجزاً والقتل والاعتقال والإهانة لعشرات المواطنين بشكل يومي كل ذلك يشكل خطراً على مستقبل المنطقة بكاملها وبشكل خاص الدول المجاورة لفلسطين وهي سورية ولبنان والأردن ومصر والسعودية والعراق.
خامساً: على الجانب العربي أن يدرك جوهر العقلية السياسية الأميركية عموما، وإدارة ترامب بشكل خاص. الجوهر «أن الأميركي لا يقدم حلولاً لإنهاء الصراع وإنما يقدم مبادرات لتحريك الموقف، وعلى المتخاصمين أن يصلوا إلى أي اتفاق، وفي هذه الأثناء يبحث الأميريكي عن مكاسب جديدة قد توفرها طريق التفاوض». الأمر الذي يستدعي ألا ينتظر الجانب العربي (والإسلامي) الحل مع كل التفاصيل ليأتي من ترامب لأنها ستكون من صنع وكلاء إسرائيل، وإنما على هذا الجانب المبادرة بالضغط بالحلول التي يريدها لتحقيق سلام عادل ودائم.
سادساً: إن المقاومة وبشكل خاص حماس أبدت كل مرونة والتزام بما تم الاتفاق عليه في شرم الشيخ، ومع هذا فلا زالت على قائمة الإرهاب. وهي القائمة التي يهدد فيها نتنياهو منذ سنوات الفصائل الفلسطينية والسلطة من الاتفاق وإنهاء الانقسام، إذ سيسحب ترامب وحلفاؤه صفة الإرهاب على الجميع. ومن هنا على الوسطاء وعلى المجموعة العربية الاسلامية ان تضغط باتجاه انهاء موضوع الارهاب عن المقاومة حتى يمكن للأطراف الفلسطينية الالتقاء والعمل كفريق واحد.
 سابعاً: ان توجه إسرائيل لإغلاق القنصليات الدولية في القدس الشرقية كجزء من الاعتراف بدولة فلسطين مسألة غاية في الخطورة، ولا بد من البحث عن روافع وآليات قانونية وسياسية وجماهيرية تمنع ذلك، حتى لا يكون تهويد القدس في الأشهر القادمة مجرد أمر واقع.
واخيراً فإن الجهود السياسية والقانونية والثقافية و الإغاثية التي يقوم بها الأردن تستحق أن تستمر دون توقف، وبشكل خاص جهود الملك عبدالله الثاني والملكة رانيا العبد الله في تبيان لاإنسانية إسرائيل ولا أخلاقيات سلوكها كما تمثلها حرب الابادة ضد قطاع غزة والحرب غير المعلنة على الضفة الغربية. نعم إن الحرب لم تتوقف، ولكن خفت الضجيج المرافق لها، وحرب التهجير في الضفة تتحرك بوسائل غير مباشرة، وبالتالي فإن التحرك العربي الإسلامي يجب أن يأخذ أبعاداً فاعلة. فهل نرى ذلك؟ تلك هي المسألة.