عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    24-Jul-2025

الجيش الإلكتروني*إسماعيل الشريف

 الدستور

«امنح الجميع القدرة على مشاركة أي شيء مع أي شخص»   مارك زوكربيرغ.
 
في واحدة من أكثر الدول عنصريةً ودعمًا للكيان الصهيوني، رفع البطل الأردني لاعب كرة القدم الدولي موسى التعمري العلم الفلسطيني بعد انتهاء مباراة فريقه في الدوري الفرنسي، أمام أنظار ملايين المتابعين على وسائل التواصل. لقد كان فعله هذا، في بساطته وصدقه، أبلغ من عشرات المقالات وأقوى من أضخم حملات الإعلام. هو ما يُعرف بتأثير المؤثرين الحقيقي؛ حين تتحول القضايا الكبرى إلى مواقف شخصية يهتز لها الرأي العام.
 
وقبل أيام، طالعت خبرًا مفاده أن الكيان الصهيوني يستضيف ستة عشر من أبرز المؤثرين في حملة «أمريكا أولًا»   ذلك التيار الانعزالي الذي يسعى إلى تحويل شعار ترامب إلى واقع ملموس. ومع تصاعد الغضب داخل هذا التيار من ازدواجية مواقف الرئيس الأمريكي، وتناقضها مع شعاراته، بدأت الأسئلة تُطرح: كيف لمن يرفع شعار «أمريكا أولًا» أن يدعم كيانًا أجنبيًا بلا حدود، ويتغاضى عن الإبادة الجماعية في غزة، بل ويقوم بضرب إيران؟
 
وزارة الخارجية الصهيونية تتكفّل باستضافة هؤلاء المؤثرين بتكلفة تبلغ 86 ألف دولار، في محاولة مدروسة لاستمالة تعاطفهم واستغلال جماهيرهم التي تصل إلى ملايين المتابعين. الهدف واضح: تلميع صورة الكيان، وإنتاج رواية جديدة تثير التعاطف مع الكيان داخل هذا التيار الأمريكي الصاعد.
 
يعرف الكيان أن الرأي العام الأمريكي يتغير، خاصة بين الشباب، حيث تتزايد النظرة السلبية نحوه. ويُدرك أن أدواته التقليدية لم تعد كافية لصناعة التأييد، وأن وسائله المباشرة على المنصات الرقمية تفقد تأثيرها تدريجيًا. لذلك، يلجأ اليوم إلى المؤثرين، عله ينجح عبر وجوههم وصورهم في اختراق العقول من جديد.
 
ولا تقتصر الخطة على هذه المجموعة فحسب، بل إنها جزء من مشروع أوسع يستهدف استضافة أكثر من 500 مؤثر، مع تركيز خاص على من هم دون الثلاثين عامًا. ويتولى إدارة هذا المشروع منظمة «365» الصهيونية، التي تُعد من أكثر الجهات تطرفًا؛ فهي ترى في «حق اليهود في فلسطين» منحة إلهية، وتصف حل الدولتين بالوهم، وتزعم أنها تدافع عن «الحضارة الغربية» ضد «التطرف الإسلامي» و»اليسار الراديكالي».
 
وقد بدأت نتائج هذه الاستراتيجية بالظهور؛ فخلال حرب الأيام الاثني عشر مع إيران، تجاوزت مشاهدات منشورات المؤثرين الموالين للكيان 1.8 مليار مشاهدة، ما يبرز حجم التأثير الذي يمكن أن تحدثه هذه الحملات في تشكيل وعي العالم.
 
في هذا السياق، يبدو أن الدولة الأردنية تتابع بوعي هذه التحولات. ففي لقاء لرئيس مجلس الأعيان مع نخبة من القيادات الشبابية التطوعية، أكد على المسؤولية الوطنية التشاركية للتصدي لخطابات الكراهية والفتن، ودعا إلى تأسيس «جيش إلكتروني» قادر على مواجهة الذباب الإلكتروني المعادي لنا ودعم القضايا الوطنية والعربية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية.
 
وهذا التوجه ليس موضع انتقاد، بل هو ضرورة وطنية. فجميع الدول، دون استثناء، تستخدم ما يُعرف بالغول أو الـ»trolls»   حسابات مأجورة تُستخدم لتوجيه الرأي العام. فالكيان الصهيوني يدير أضخم ماكينة دعائية على الإنترنت، وشركة «نتر بريد» الأمريكية حصلت على عقد يتجاوز 3 ملايين دولار لإنشاء حسابات ضمن مشروع «صوت إيرنست» للترويج للدعاية الأمريكية. وفي تركيا، يشغّل حزب العدالة والتنمية 180 موظفًا يعملون على مدار الساعة في هذا المجال، بينما تنشر الصين يوميًا قرابة نصف مليون مادة دعائية عبر منصاتها الرقمية. وهذه أمثلة فقط.
 
ونحن، بلا شك، نملك جيشنا الإلكتروني، ونسعى لتوسيع معاركنا الرقمية، واستضافة مئات المؤثرين حول العالم لنقل رسالتنا   تلك الرسالة الوسطية، الرحيمة، والإنسانية التي تستحق أن تصل إلى أسماع العالم، خاصة في ظل التهديدات الصهيونية المتزايدة التي تطرق أبواب منطقتنا بلا خجل.