سلام.. بعلامة استفهام
الغد
ترجمة: علاء الدين أبو زينة
مراقبون – (إنتر برس سيرفس) 14/10/2025
يستمتع الرئيس الأميركي دونالد ترامب بعبارات المديح على صفقة غزة التي رتبها. ولكن كيف ينظر الشرق الأوسط إلى هذا الاتفاق؟ في ما يلي وجهات نظر من الدول المجاورة في المنطقة.
إسرائيل
(من الصعب التنبؤ بكيفية تطور المزاج العام في إسرائيل خلال الأشهر القادمة)
كان الجو في إسرائيل في الأيام التي سبقت العودة الآمنة للرهائن الناجين مشحونًا. بعد عامين تقريبًا من كارثة 7 تشرين الأول (أكتوبر) 2023، امتزج الأمل والترقب بالقلق من أن شيئًا ما قد يفسد الأمور في اللحظة الأخيرة. ثم في ذلك اليوم التاريخي، 13 تشرين الأول (أكتوبر) 2025، اختلطت مشاعر البهجة بتحرير الرهائن العشرين الناجين بالحزن على أولئك الذين سيعودون جثثا فقط -أو الذين ربما لن يعودوا أبدا.
تم التوصل إلى الاتفاق غير المباشر بين إسرائيل وحركة "حماس"، التي تُصنّفها إسرائيل "منظمة إرهابية"، نتيجة للضغط الهائل الذي مارسه الرئيس الأميركي دونالد ترامب على كلا الجانبين. ولا شك أن هذا يُحسب له، حتى وإن لم تكن العناصر المفردة للخطة ذات النقاط العشرين من ابتكاره، وإنما كانت مطروحة للنقاش منذ بعض الوقت. وكانت الخطة لافتةً -ليس لأنها شاملة فحسب، بل لأنها شكلت تحوّلًا جذريًا بزاوية 180 درجة عن أفكار الرئيس الأميركي السابقة (ما سُمّي بـ"خطة الريفييرا")، وتفتح أفقا نحو إقامة دولة فلسطينية.
بقدر ما هو الفرح كبير في إسرائيل بعودة الرهائن، يظل الانقسام السياسي واضحًا. وقد ظهر هذا الانقسام عندما قوبل خطاب المبعوث الأميركي الخاص، ستيف ويتكوف، الذي ألقاه أمام مئات الآلاف من الإسرائيليين في تل أبيب قبل وقف إطلاق النار وإطلاق سراح الرهائن بقليل، بالصافرات وصيحات الاستهجان الموجهة إلى نتنياهو وسط الهتافات للرئيس الأميركي.
كما تجلت هشاشة خطة النقاط العشرين في الرفض الذي قابلها به الوزيران المتطرفان بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير خلال الاجتماع الحاسم لمجلس الوزراء.
وعلى الرغم من أن صوتيهما المعارضَين لم يحولا دون مرور المرحلة الأولى من الاتفاق قدُمًا، فإن من الممكن تمامًا أن تنهار حكومة نتنياهو الائتلافية خلال المراحل اللاحقة من التنفيذ، وهو ما قد يؤدي إلى أجراء انتخاباتٍ برلمانية مبكرة -وهو ما يطالب به نحو نصف السكان الإسرائيليين منذ وقتٍ طويل على أي حال.
يبقى أن نرى ما إذا كانت مراسم السلام الرمزية التي دعا إليها ترامب والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في شرم الشيخ بعد ظهر يوم الاثنين، ستسهم فعلًا في توضيح الخطوات التالية، أم أنها ستكون مجرد عرضٍ ترويجي للذات من طرف ترامب. ما تزال خطة النقاط العشرين غامضة في العديد من جوانبها: ما هي الدول التي ستشارك في القوة الدولية المكلّفة بتأمين العملية؟ هل سيكون لهذه المهمة تفويض من الأمم المتحدة؟ من سيكون جزءًا في الإدارة الفلسطينية الانتقالية "التقنية"؟ كيف سيعمل "مجلس السلام الدولي" التي يريد ترامب أن يترأسه بنفسه؟ ما الدور الذي ستلعبه "السلطة الفلسطينية"؟ وقبل كل شيء: هل ستقوم "حماس" فعلًا بنزع سلاحها، وهل سيكون من الممكن استبعادها من العملية السياسية لما بعد الحرب؟
ثمة ارتياحٌ كبير في إسرائيل إزاء نهاية الأعمال العدائية واحتمال تحسّنٍ سريع في الوضع الإنساني في قطاع غزة. ومع ذلك، حتى يوم الاثنين الماضي ظلت قضية الرهائن تهيمن على الوعي العام. ومن الصعب التنبؤ بكيفية تطور الرأي العام الإسرائيلي في الأشهر القادمة، خاصةً وأن الثمن كان، وفقًا للمنظور الإسرائيلي، باهظًا –إذا ما قيس على خلفية إطلاق سراح نحو 2.000 أسير فلسطيني. وتشير استطلاعات الرأي الحالية إلى أن الائتلاف الحاكم لا يحظى بالأغلبية. لكن إمكانية حدوث تغييرٍ في السياسات وانفصالٍ عن نهج حكومة نتنياهو ستعتمد في النهاية على التشكيلة المحددة للكنيست المقبل. ومع ذلك، ثمة فرصة تبرز الآن لبدء عمليةٍ سياسية مدعومةٍ دوليًا ومتجذرة إقليميًا نحو حل دولتين.
-رالف ميلتسر، "مؤسسة فريدريش إيبرت" – مكتب إسرائيل
***
فلسطين
(الفلسطينيون يريدون أكثر من مجرد إنهاء القصف –إنهم يطالبون بحلٍّ سياسي يضمن حقوقهم)
في الساعات التي تلت إعلان الاتفاق لإنهاء الحرب، أظهرت مقاطع الفيديو القادمة من قطاع غزة أطفالًا يرقصون، وأناسًا يحتفلون في الشوارع، وأول النازحين الذين يحاولون العودة إلى منازلهم -أو ما تبقى منها.
ثمة موجة من الارتياح تعم فلسطين بأكملها: ارتياح من توقف القصف، ومن الوصول المتوقع للمساعدات الإنسانية العاجلة والملحة إلى قطاع غزة، ومن الإفراج عن نحو 2.000 أسير فلسطيني تم اعتقال معظمهم في ظروف غامضة خلال الحملة الإسرائيلية.
ما تزال الاعتقالات المنهجية في ظل الاحتلال الإسرائيلي قضيةً تؤرق كل الفلسطينيين؛ حيث لا تكاد أسرة فلسطينية تخلو من أسير لها في السجون. وما يزال أكثر من 11 ألف فلسطيني يقبعون في السجون الإسرائيلية، بينهم 400 طفل، و3.500 شخص محتجزين من دون محاكمة. وتعتبر منظمات حقوق الإنسان ظروف الاحتجاز في السجون الإسرائيلية كارثية، خصوصًا منذ 7 تشرين الأول (أكتوبر) 2023.
هذا ما يجعل الفرح بالاتفاق أقرب ما يكون إلى تنهيدة ارتياح قصيرة، تعكرها المعاناةٍ المتواصلة والشكوكٍ العميقة في إمكانية تحقيق سلامٍ دائم. وقد قُتل أو جُرح نحو 20 في المائة من سكان قطاع غزة، وتشكّل النساء والأطفال ما يقرب من نصف عدد القتلى الذين تجاوز عددهم 67 ألفًا. كما تم الإعلان رسميًا عن وجود مجاعةٍ في القطاع، ويعاني أكثر من 55 ألف طفل دون سن السادسة من سوء تغذية –في ما كان نتيجة مباشرة للحصار الإسرائيلي المفروض على القطاع.
ثمة قلق كبير بين الفلسطينيين من أن هذا "السلام" لن يدوم طويلاً. ولا تدعو التجربة مع وقف إطلاق النار الأخير في كانون الأول (يناير) من هذا العام إلى التفاؤل. في ذلك الوقت، قررت الحكومة الإسرائيلية خرق الاتفاق وفرض حصار شامل على مدينة غزة. والسؤال الكبير الآن هو: ما الذي سيحدث بعد أن يتم التقاط الصور الاحتفالية مع دونالد ترامب؟ إن الفلسطينيين يريدون أكثر من مجرد إنهاء القصف –إنهم يطالبون بحل سياسي يضمن حقوقهم.
لا تقدم حكومة انتقالية تكنوقراطية في قطاع غزة، كما هو متصور في الخطة، والتي تشرف عليها هيئة تفتقر إلى الشرعية الدولية، أي آفاق كافية للتفاؤل. ويذكّر الوضع الحالي بـ"اتفاقات أوسلو" للعام 1993؛ في ذلك الوقت أيضاً، تم إنشاء حكومة انتقالية تقنية في فلسطين -هي "السلطة الفلسطينية". لكنّ ذلك الترتيب لم يؤدِّ إلى تنفيذ حق الفلسطينيين في تقرير المصير. وعلى الرغم من أن عدداً متزايداً من الدول أصبح يعترف الآن بفلسطين كدولة، فإن الاحتلال الإسرائيلي ما يزال مستمراً. وبالإضافة إلى ذلك، شددت الحكومة الإسرائيلية مرة تلو المرة على أنها لن تسمح أبداً بقيام دولة فلسطينية.
لهذا السبب لن يكون الانخراط الألماني والأوروبي الذي يركّز فقط على إعادة الإعمار في القطاع كافيًا. بدلًا من ذلك، يجب استثمار الزخم الحالي لحشد القوى الدولية التي ستتخذ خطوات ملموسة لدفع منظورٍ سياسي يضمن السيادة الفلسطينية والحقوق المكفولة.
- ماريا ديلاسِيغا، "مؤسسة فريدريش إيبرت" – فلسطين
***
مصر
(بالنسبة لمصر، يعتبر اتفاق غزة حاسمًا، ليس للاستقرار الإقليمي فحسب، بل في جزء منه أيضاً من أجل مستقبلها هي)
بالنسبة لمصر، يُعتبر يوم 13 تشرين الأول (أكتوبر) 2025 يوماً تاريخياً –للأفضل أو للأسوأ على حد سواء. فقد أعاد التوقيع على اتفاق السلام في شرم الشيخ، بحضور دونالد ترامب، وفريدريش ميرتس، وكير ستارمر، وإيمانويل ماكرون -ولكن في غياب حماس وإسرائيل- تسليط الضوء مجددًا على دور مصر باعتبارها الوسيط المركزي. ومع ذلك، يخفي الاعتراف الدولي بجهود مصر الدبلوماسية في الأيام الأخيرة في ظلاله الحقيقة المريرة للاتفاق. كانت القاهرة قد قدمت في آذار (مارس) الماضي خطة أكثر تفصيلاً والتي حظيت بقبولٍ أكبر في المنطقة، لكنها فشلت في الحصول على الدعم الدولي اللازم لها.
ركزت ما تسمى بـ"خطة القاهرة"، التي وافقت عليها "جامعة الدول العربية"، على الحلول الإقليمية -مثل تشكيل حكومة انتقالية فلسطينية تكنوقراطية، ومنح مسؤولية أكبر للدول العربية، وفي مقدمتها مصر، مدعومةً بدعمٍ دولي. ولذلك، بالنسبة للقاهرة، تُضعف خطة ترامب فعلياً الدور المصري. ومع ذلك، تغتنم الحكومة المصرية الفرصة لإجراء محادثات مباشرة مع "حماس" بوصفها الوسيطٍ الأخير المتبقي -بعد هجوم إسرائيل على "حماس" في قطر- ولدعم الخطة الأميركية. وشعارها في ذلك هو: "من الأفضل أن تكون مشاركًا في وساطةٍ معيبة من أن يتم استبعادك بالكامل". لأنه حتى النجاح الجزئي سيكون مهمًا لمصر باعتبارها الدولة المضيفة.
كانت مصر تستعد منذ شهور لإعادة إعمار قطاع غزة، وهي الآن جاهزة للانطلاق إلى العمل: ثمة تسليم شحنات المساعدات عبر معبر رفح؛ وبناء الملاذات المؤقتة؛ وإزالة الأنقاض؛ وإعادة إنشاء البنية التحتية –وفي كل هذا تعمل مصر كمحورٍ رئيسي للنقل. وفي الوقت نفسه، تُثير احتمالات الحصول على عقود مربحة للشركات المملوكة للدولة آمالاً اقتصادية كبيرة.
مع ذلك، تظل العاطفة السائدة بين المواطنين المصريين هي الرغبة في أن تنتهي معاناة غزة أخيراً. وقد تركت الصور اليومية للدمار، والمعاناة الإنسانية التي لا تُحتمل، والهجمات الإسرائيلية المتعمدة على مناطق الحماية، الكثيرين في حالة من الصدمة المستمرة على مدى العامين الماضيين. وتظهر آمالٌ حذرة بإنهاء العنف في أحاديث المقاهي الشعبية في شوارع القاهرة -يصحبها السؤال القَلِق: ماذا لو أفرجت "حماس" عن الرهائن ثم عاودت إسرائيل هجومها مرة أخرى على الرغم من ذلك؟
ما تزال الثقة في الالتزام بالاتفاق هشة للغاية. ويخشى كثيرون أن تصبح عملية التهجير القسري للفلسطينيين إلى سيناء واقعاً بعد كل شيء. وتبقى الأسئلة مطروحة: هل يمكن للخطة الأميركية أن تجلب الأمن حقًا؟ وهل ستلتزم جميع أطراف النزاع بالاتفاقيات -وماذا سيحدث إذا لم يفعلوا؟ هل تستطيع مصر أن تبقى لاعباً أساسياً حتى بعد توقيع الاتفاق -وبأي ثمن؟ وأخيراً: ماذا لو واصلت إسرائيل العنف على الرغم من كل ذلك -هل ستتحرك حينها الدول العربية والولايات المتحدة؟
بالنسبة لمصر، ليس اتفاق غزة حاسماً من أجل الاستقرار الإقليمي فحسب، بل في جزء منه من أجل مستقبلها هي أيضًا. ويبقى أن نرى ما إذا كان البلد سيستطيع أن يجني فوائد اقتصادية وسياسية من دوره في المرحلة الثانية من المفاوضات ومن عملية إعادة الإعمار المخطط لها. أما في ما يتعلق بالناحية الأمنية، فإن مشاركة مصر الوثيقة بصفتها الطرف الرئيسي في التواصل تبقى محفوفة بالمخاطر -لأن التنسيق مع الجيش الإسرائيلي، والمهام المعقدة العديدة المرافقة لتنفيذ الخطة، ستصبح أكثر صعوبة على القاهرة إذا ما تراجع الاهتمام الدولي.
- رونيا شيفر، "مؤسسة فريدريش إيبرت" – القاهرة
***
الأردن
(بوصفه داعماً راسخاً لحلّ الدولتين، للأردن مصلحة عليا في إيجاد وسيلة واقعية وقابلة للتطبيق لتحقيق السلام في حرب غزة من دون تقويض هذا الأفق)
كما هو الحال في أماكن أخرى، تخالط الأردنيين مشاعر مختلطة بشأن تنفيذ خطة سلام غزة ذات العشرين بندًا. احتمال وقف إطلاق النار، والوعد باستئناف المساعدات الإنسانية لسكان غزة، يُقابلان بترحيبٍ عام. ومع ذلك، ثمة قدرٌ كبير من الشكوك يسود حول مدى استدامة هذه الالتزامات.
من ناحية، هناك شكوك كبيرة بشأن استعداد حركة "حماس" للموافقة على نزع سلاحها بالكامل. ثمة تأكيد على أن مدى سيطرة القيادة السياسية على الجناح العسكري للحركة ما يزال غير واضح -أو حتى مدى وحدة هذا الجناح نفسها في الوقت الراهن. ومن ناحية أخرى، ثمة إحالات إلى اتفاقات وقف إطلاق النار السابقة التي تم خرقها، والتي تحمِّل عمّان الحكومة الإسرائيلية المسؤولية عن ذلك. وهناك شكوك جدية في أن القيادة السياسية الإسرائيلية ستتخلى عن خططها لضمّ غزة والضفة الغربية، على الرغم من الضغط الأميركي. وتشير تقييمات واسعة إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي سيُبقي عمداً على الأزمة مشتعلة لضمان بقائه السياسي في الداخل.
وتتفاقم هذه المخاوف بسبب الثغرات العديدة في الخطة. ما تزال العديد من الصياغات فيها غامضة وقابلة للتأويل. وعلى وجه الخصوص، من غير الواضح كيف سيتم تنظيم الانتقال بين المرحلتين الأولى والثانية. وفوق ذلك، تشكل الأسئلة العالقة بشأن الترتيبات الأمنية والإدارية المستقبلية، فضلاً عن الدور الثانوي للأردن في هذا السياق، سببا القلق.
تُضاف إلى ذلك حقيقة أن إعادة غزة إلى الإدارة الفلسطينية جُعلت مشروطة بإصلاح "السلطة الفلسطينية" من دون أن يكون لهذا الإصلاح أي ارتباط من أي نوع بإنهاء -أو حتى تفكيك- سياسة الاستيطان الإسرائيلية في الضفة الغربية. وهو ما يثير شكوكاً كبيرة حول استدامة النهج بأكمله.
مع ذلك، شارك الأردن في صياغة النقاط التفصيلية للخطة وكان من بين أوائل الداعمين لها. إلى جانب الرغبة الأساسية في إنهاء الحرب واستئناف المساعدات الإنسانية، ثمة اعتبارٌ آخر لعب دوراً مهماً أيضًا: على الرغم من جميع الثغرات التي تم تحديدها، كان يُنظر تاريخياً إلى شؤون غزة في المنطقة بوصفها مسألة تخصّ العلاقات بين مصر وإسرائيل بالدرجة الأولى. غير أن للأردن، باعتباره من أشدّ المؤيدين لحلّ الدولتين، مصلحة عليا في إيجاد وسيلة واقعية وقابلة للتطبيق لتحقيق السلام في حرب غزة من دون تقويض هذا الأفق.
سفين شفِرِنسكي، "مؤسسة فريدريش إيبرت" – عمّان
***
لبنان
(يؤكد ممثلون بارزون لـ"حزب الله" أن وقف إطلاق النار في غزة هو شرطٌ أساسي لتحقيق السلام على الحدود اللبنانية الإسرائيلية)
يعيش لبنان أيضاً حالة حرب منذ عامين. فبعد الهجوم الذي شنه "حزب الله" على شمال إسرائيل في 8 تشرين الأول (أكتوبر) 2023، دخلت الميليشيا الموالية لإيران في صراعٍ مع إسرائيل. وباعتباره القوة الرئيسة في ما يُعرف بـ"محور المقاومة"، شنّ "حزب الله" هجمات صاروخية بهدف فتح الجبهة الشمالية ادفع إسرائيل نحو وقف لإطلاق النار، وإنقاذ حركة "حماس" من الانهيار. إلا أن أياً من هذه الأهداف لم يتحقق. على العكس من ذلك، أودت الحرب الإسرائيلية على لبنان بحياة أكثر من 4.000 شخص، بينهم 316 طفلاً، وشرّدت أكثر من مليون إنسان. وحتى اليوم، ما يزال كثير من اللبنانيين يشكّون في أن اتفاق السلام سيتم تنفيذه فعلاً، في ما يعود في جزء منه إلى أن الحكومة اللبنانية الهشة تملك نفوذاً محدوداً، وأن الانتهاكات التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي تمرّ من دون محاسبة تُذكر.
على الرغم من أن كثيراً من اللبنانيين يأملون في السلام، فإن هناك قدراً كبيراً من الشكوك بشأن اتفاق غزة -ولأسباب وجيهة. في تشرين الثاني (نوفمبر) 2024، تم التوصل إلى وقفٍ لإطلاق النار مع إسرائيل كان يُفترض أن يجلب السلام. لكن الحياة اليومية في لبينان تروي قصة مختلفة: منذ ذلك الحين، انتهك الجيش الإسرائيلي الاتفاق أكثر من 5.000 مرة، وما يزال يحتل مواقع داخل الأراضي اللبنانية جنوب نهر الليطاني، ويواصل انتهاك سيادة البلد مراراً وتكرارًا. ومنذ انتهاء وقف إطلاق النار، تم تنفيذ أكثر من 300 عملية اغتيالٍ مستهدفة بطائراتٍ مسيّرة. وقد اعتاد الناس منذ ذلك الحين على أزيزها المستمر -حتى فوق العاصمة بيروت نفسها.
يشكل انسحاب "حزب الله" وسائر الجماعات المسلحة في لبنان مسافة ثلاثين كيلومتراً إلى ما وراء نهر الليطاني، وكذلك نزع سلاح الميليشيا بالكامل، ركناً مركزياً في الاتفاق. وعلى الرغم من انسحاب مقاتلي "حزب الله"، ما تزال عملية نزع السلاح تتقدم ببطء.
في مطلع آب (أغسطس) 2025، وافق مجلس الوزراء اللبناني على خطوةٍ في هذا الاتجاه حين تقرر أن يضع الجيش اللبناني خطةً بحلول نهاية هذا العام، تهدف إلى إخضاع جميع الأسلحة في البلاد لسيطرة الدولة. لكنّ هذا القرار قوبل بانتقاداتٍ شديدة. وفي حين واصل "حزب الله" الرفض، سلّمت بعض المجموعات الفلسطينية في المخيمات أسلحتها للجيش. ولكن طالما أن "حزب الله" لم يسلم سلاحه، فسيواصل الجيش الإسرائيلي مهاجمة القرى في جنوب البلاد وشرقها، وتنفيذ عمليات الاغتيال المستهدفة.
يؤكد ممثلو "حزب الله" البارزون على أن وقف إطلاق النار في غزة هو شرطٌ أساسي لتحقيق السلام على الحدود اللبنانية الإسرائيلية. وفي حال صمد الاتفاق في غزة، فلن يكون لدى الميليشيا أي سببٍ لمواصلة الحرب ضد إسرائيل -شريطة أن يوقف الجيش الإسرائيلي هجماته على الأراضي اللبنانية. وبذلك يمكن لجبهة مستقرة في غزة أن تُزيل أحد المحفزات الأساسية للتصعيد الإقليمي، وتفتح الباب أمام إمكانية تفاوض لبنان على حمايةٍ أقوى بموجب القانون الدولي أو القرارات القائمة للأمم المتحدة.
يراقب الشعب اللبناني الأيام المقبلة بقلقٍ وترقب. ويمكن أن تكون هذه الأيام حاسمة بالنسبة لغزة ولبنان والشرق الأوسط بأسره. هناك يريد الناس ببساطة أن يعيشوا أخيراً في سلامٍ وكرامة.
- ميرين عبّاس، "مؤسسة فريدريش إيبرت" – بيروت.
*نشر هذا التقرير تحت عنوان: Peace with a question mark