عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    19-Oct-2025

كيف نجح ترامب في إبرام اتفاق فشل فيه بايدن؟

 الغد

جون سوبيل - (الإندبندنت) 2025/10/15
 
نجح دونالد ترامب، بجرأته وضغوطه على نتنياهو، في فرض اتفاق أنهى حرب غزة وأعاد الرهائن، مستفيدا من لحظة سياسية لم يحسن بايدن استغلالها. لكن السؤال يظل باقيا عما إذا كان قادرا على تحويل هذه الهدنة إلى سلامٍ دائم، أم أنها ستكون مجرد فصل جديد من صراعٍ لا ينتهي.
 
 
لو ذهبت إلى كوسوفو اليوم، فسوف تجد أن عدداً كبيراً من الشبان في منتصف العشرينيات من العمر يُدعون "تونيبلر". وليس هذا اسماً من التراث السلافي، ولكن بعد الدور الحيوي الذي لعبه توني بلير في قيادة الحرب ضد الزعيم اليوغوسلافي سلوبودان ميلوسيفيتش في العام 1999، ظهر جيل جديد يحمل اسم "تونيبلر".
ما هي احتمالات أن يحمل جيل من المواليد الجدد في غزة وإسرائيل الذين سيبصرون النور خلال الأشهر والسنوات القادمة اسم "دونالد" -الغريب تماماً عن ثقافة المشرق؟
يخطر لي شخص واحد سيشعر بغبطة كبيرة إذا حصل ذلك. ولنكن منصفين بحق دونالد ترامب: إن أساليبه غير التقليدية في الدبلوماسية، وقوة شخصيته، وضغوطه المتواصلة على بيبي نتنياهو، هي التي أوصلتنا إلى ما نحن عليه اليوم.
يتمتع دونالد ترامب في هذه اللحظة بنشوة السردية التي تصوره كصانع سلام وصفقات استثنائي. لا بأس في ذلك؛ فمن حقه أن يستمتع بهذه اللحظة. ولكن لا يمكن الاستهانة بأهمية التوقيت في السياسة. فإذا نظرنا إلى الاتفاق الذي أرغم ترامب إسرائيل على توقيعه، سنجد أنه لا يختلف كثيراً عن ذلك الذي قدّمه جو بايدن قبل عام. فلماذا نجح ترامب حيث أخفق بايدن؟ نعم، يعود ذلك إلى شخصيته، ولكن أيضاً إلى التوقيت.
قبل عام، لم يكن نتنياهو يظن أنه في حاجة إلى اتفاق. ولكن بعد انهيار الدعم له إثر محاولاته البشعة لتجويع الفلسطينيين بهدف إخضاعهم، ثم الهجوم الصاروخي الأحمق على بعثة "حماس" في قطر، بدت إسرائيل في عزلة غير مسبوقة. وهذا ما منح ترامب الفرصة التي كان ينتظرها، والنفوذ الذي لا يملك سواه استخدامه.
منذ نحو خمسة عشر عاماً، كنتُ قد ذهبتُ إلى إسرائيل لإجراء مقابلة مع توني بلير، الذي كان بصفته رئيس "اللجنة الرباعية للشرق الأوسط" مكلفاً بالسعي إلى إيجاد السلام بين إسرائيل والفلسطينيين. وتجولنا معاً في أنحاء الضفة الغربية، وكان بلير يرى بوضوح أن حل الدولتين ممكن. كان الجميع يعرف ملامح الاتفاق المحتمل، لكن المشكلة أن الأمر كان يتطلب توافق الظروف واستعداد الطرفين للمخاطرة.
أبدى نتنياهو موافقة شكلية على حل الدولتين، لكنه فعل كل ما يمكن لإفشاله. وفي عهد الرئيس بيل كلينتون، اعتقد أنه توصل إلى اتفاق، لكن الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات تراجع خشية ألا يتمكن من تمريره.
ولننظر إلى إيرلندا الشمالية، حيث نجح توني بلير في التوصل إلى اتفاق "الجمعة العظيمة". نعم، كان الطريق شاقاً؛ ونعم، بدت لحظات الفشل قريبة. كما أن بعض القضايا جرى الالتفاف عليها –مثل مسألة نزع سلاح "الجيش الجمهوري الإيرلندي". لكن الإرادة كانت موجودة لدى جميع الأطراف للمضي قدماً. في ذلك الحين تهيأت الظروف كلها في ذلك الفصح، واصطفت النجوم في موقعها الصحيح.
وهذا يقودنا إلى نقطة أخرى. إن الإفراج عن الرهائن لا يعني النهاية، بل البداية. ما تزال قائمة الأسئلة التي لم تتم الإجابة عنها طويلة: هل ستنزع حماس سلاحها؟ هل ستسلّم إسرائيل أمن قطاع غزة لهذه الهيئة التكنوقراطية؟ من سيعين هؤلاء التكنوقراط لإدارة غزة؟ كيف سيُمنع المسلحون من العودة؟ من سيمول إعادة الإعمار؟ كم سيستغرق ذلك وكم سيكلف؟ تذكروا أن خطة السلام تتكون من عشرين بنداً.
بالعودة إلى تلك الأحداث التاريخية في إيرلندا الشمالية في العام 1998، كان توقيع اتفاق "الجمعة العظيمة" هو الخطوة الأولى. كان لا بد من إعادة تشكيل "شرطة أولستر الملكية" لتصبح "شرطة إيرلندا الشمالية"؛ ونزع الأسلحة؛ والمضي في العملية المؤلمة لإطلاق سراح السجناء السياسيين، ثم إقامة نظام لتقاسم السلطة في ستورمونت [المجمع البرلماني والحكومي في إيرلندا الشمالية]. والآن، بعد سبعة وعشرين عاماً، ما تزال التوترات قائمة، غير أن السلام صمد -إلى حد كبير- لأن السياسيين لم يتوقفوا عن العمل للحفاظ عليه.
لا أحد يشك في قوة شخصية ترامب وعزمه على إنهاء هذا الصراع. لكن السؤال يبقى  عما إذا كان يملك القدرة السياسية والتركيز الكافيين لتحويل الخطة ذات العشرين بنداً إلى واقع، وتحقيق "سلام أبدي" كما وعد.
يستطيع الرئيس أن يركز بشدة على موضوعٍ ما -لكنه يسأم منه بالسرعة نفسها. ونحن نشعر جميعاً بأننا نعاني من اضطراب نقص الانتباه في ظل رئاسته، حيث يستحوذ موضوع تلو الآخر على اهتمامنا الكامل، قبل أن يحل محله موضوع جديد بعد ساعات.
لا شك أن هذه أفضل فرصة للسلام -وأحيي دونالد ترامب من دون تردد على بلوغه هذه المرحلة. لكن العمل الأصعب -وربما الأقل جاذبية إعلامياً- يبدأ الآن. ونحن نعرف جميعاً أن ترامب عاشق للعناوين الكبرى.
آمل أن أكون مخطئاً. فجميع السياسيين يفكرون في إرثهم. وإن كان ما سيورثه دونالد ترامب للعالم سلاماً عادلاً ودائماً، فامنحوه جائزة نوبل للسلام، ولتكن ميداليتها المصنوعة من ذهب خالص عيار 24 أكبر وألمع ما صنعه النرويجيون يوماً. سيكون قد استحقها حقاً.
 
*‏جوناثان ب. سوبيل‏‏ Jon Sopel: صحفي ومؤلف معروف بعمله في مجال الصحافة الاستقصائية والتحقيقات السياسية. يتمتع بخبرة واسعة في تغطية الأحداث الجارية في الشرق الأوسط، حيث قام بتغطية النزاعات والصراعات، بالإضافة إلى القضايا الاجتماعية والاقتصادية. معروف بأسلوبه التحليلي العميق وقدرته على تقديم رؤى شاملة حول القضايا المعقدة التي تؤثر على المنطقة. عمل في عدة مؤسسات إعلامية مرموقة، أبرزها هيئة الإذاعة البريطانية (بي. بي. سي) حيث يقدم عددًا من البرامج.