عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    05-Oct-2025

مادبا بلا مركز ثقافي.. حلم مؤجل وأصوات المبدعين تنتظر التنفيذ

 الغد-أحمد الشوابكة

 منذ أكثر من عقدين، يتطلع أهالي مادبا إلى اليوم الذي يتحقق فيه حلمهم بإنشاء مركز ثقافي يليق بتاريخ مدينتهم العريق، المدينة التي ارتبط اسمها عالميا بالفسيفساء والإرث الديني والحضاري. ورغم تخصيص الأرض لهذا المشروع الحيوي وتكرار الوعود الرسمية بوضع حجر الأساس قريبا، بقي المركز الثقافي حبيس الأدراج، فيما ما تزال أسئلة المواطنين معلقة، لماذا لم يقم المركز بعد؟ وهل ستبقى مادبا محرومة من بيت يجمع الثقافة والفنون، ويوفر للمبدعين فضاء للتعبير والعرض، وللأجيال الصاعدة نافذة لاكتشاف ذاتها؟
 
 
يؤكد أبناء المدينة أن المركز الثقافي ليس مجرد مبنى من حجر وإسمنت، بل هو ضرورة لتثبيت الهوية الثقافية المحلية ومكانة مادبا في الوعيين الوطني والعالمي.
الكاتبة والأكاديمية الدكتورة إنعام القيسي، ترى أنه من غير المنطقي أن تبقى مادبا، وهي مدينة الفسيفساء والتاريخ والروح الدينية، بلا مركز حديث يحتوي على قاعات للمحاضرات والعروض الفنية والمكتبات، مشددة على أن المركز سيكون مظلة جامعة للفنون والآداب والأنشطة الفكرية، تمنح المثقف المادبي مكانه الطبيعي بدل الاضطرار للارتحال إلى مدن أخرى.
أما الكاتب والمحامي إسلام أبو حيدر، فيشير إلى أن النشاط الثقافي في مادبا اليوم يعتمد على مبادرات فردية متفرقة تفتقر إلى المكان المؤسسي، وغالبا ما يضطر أصحابها لنقل فعالياتهم إلى عمّان، ما يترك شعورا بالتهميش بين المثقفين.
ويضيف الشاعر نزال الكعابنة أن غياب مركز ثقافي مؤسسي يحرم الأدب المحلي من الحضور الطبيعي، ويغيب الكتاب والمبدعين عن جمهورهم.
فنانون تشكيليون يعانون بدورهم، من غياب قاعة عرض مجهزة. يقول الفنان التشكيلي محمد السوريكي "إن الفنانين يشاركون في معارض داخلية وخارجية، لكن داخل مدينتهم لا يجدون مكانا"، مشيرا إلى أن المركز سيكون متنفسا لهم وللجمهور المحلي الذي يحق له الاطلاع على تجارب الفنانين من دون عناء التنقل.
ويؤكد المخرج المسرحي والشاعر الدكتور علي الشوابكة أن المسرح ليس ترفا، بل حاجة مجتمعية للتعبير والتربية الجمالية، وأن غياب قاعة مسرح مجهزة يحرم الجمهور من التواصل مع هذا الفن، ويقيد المخرجين والممثلين في قوالب محدودة.
ويضيف أن المركز سيكون بمثابة مصنع لإنتاج العروض الفنية التي تعزز الذائقة الجمالية في المجتمع، وتعمق الانتماء الثقافي.
بدوره، يشير الممثل الأردني معتز أبو الغنم إلى أن غياب المسرح في مادبا أضعف الحركة الفنية بشكل عام، مشددا على أن المواهب الشابة في التمثيل والإلقاء لا تجد مساحة للتدريب أو العرض، وأن المركز الثقافي لو تحقق سيكون رئة يتنفس منها المسرحيون والمواهب الصاعدة.
أما الشاب محمد سلامة، المهتم بالشأن الثقافي والاجتماعي، فيرى أن وجود مكتبة عامة وقاعة لقاءات أصبح ضرورة ملحّة، فالثقافة اليوم ليست رفاهية، بل حاجة أساسية لتربية جيل واع قادر على مواجهة تحديات العصر.
وتؤكد الروائية نوال القصار أن المركز سيشكل بديلا حقيقيا لأبنائنا من الانغماس المفرط في الشاشات والهواتف الذكية، من خلال أنشطة ثقافية تثري عقولهم وتفتح أمامهم آفاق الإبداع والتفاعل.
ويعبر الشباب أيضا عن توقهم لوجود مسرح حقيقي يتيح لهم التعبير عن طاقاتهم. يقول الطالب الجامعي أحمد الفساطلة "إن مادبا مليئة بالمواهب في التمثيل والموسيقا، لكنها تذبل بسبب غياب المكان، ولو توفر المركز لأمكن إقامة مهرجانات ومسابقات محلية، تجذب الزوار وتشجع على الإبداع".
ويرى المواطن محمد أبو قاعود أن المشروع ليس رفاهية، بل يمكن أن يكون عنصر جذب للسياح ومحركا اقتصاديا يربط بين السياحة والثقافة، مؤكدا أن استثمارا كهذا سيربح فيه الجميع من مواطنين ومؤسسات محلية.
ورغم وضوح الحاجة وارتفاع الأصوات، ما يزال المشروع متعثرا بين البيروقراطية ومبررات التمويل. أبناء المدينة يرون أن ما يحدث ليس سوى مماطلة غير مبررة، ويؤكدون أن حقهم في مركز ثقافي لا يقل عن حق أي مدينة أخرى في المملكة.
وفي هذا السياق، أوضح مدير ثقافة مادبا محمد سلمان الرواحنة أن لجنة مجلس المحافظة (اللامركزية)، رصدت 500 ألف دينار للبدء بإنشاء المركز على ثلاث مراحل، مشيرا إلى أن وضع حجر الأساس سيكون في العام المقبل،  بدعم من وزارة الثقافة.
وأضاف أن وزير الثقافة مصطفى الرواشدة أكد خلال زيارته الأخيرة للمديرية التزام الوزارة بدفع المشروع إلى التنفيذ وعدم تركه أسير الخطط الورقية كما حدث في الماضي.
كما يؤكد رئيس لجنة مجلس محافظة مادبا (اللامركزية) المهندس حسام عودة، أن المجلس يعطي أولوية للمشاريع التنموية التي تنمي قدرات المجتمع، ومن أبرزها إنشاء المركز الثقافي، مشيرا إلى تخصيص قطعة أرض مناسبة لهذا الغرض، وأن المجلس يتابع الإجراءات الفنية والتمويلية مع الجهات المختصة.
بين أصوات المثقفين والفنانين والمواطنين، ووعود المسؤولين، يبقى السؤال حاضرا: هل سترى مادبا مستقبلا بناء مركزها الثقافي الذي طال انتظاره؟
أم أن الحلم سيظل مؤجلا لعقد جديد؟
مادبا بتاريخها العريق وإرثها الإنساني تستحق أن يكون لها صرح ثقافي حي يليق بمكانتها، فهي المدينة التي أنجبت قاماتٍ فكرية وفنية تركت بصمتها في المشهد العربي والعالمي، من أمثال الراحل العلامة روكس بن زايد العزيزي، والروائي غالب هلسة، والكاتب سالم نحاس، والفنان فارس عوض، والمخرجين أحمد دعبيس وحسين دعيبس، والروائي جلال برجس، وغيرهم الكثير.
ولعل من المفارقات، أن أول مسرح أردني انطلق في مادبا العام 1916 في دير اللاتين، لتبقى المدينة منذ ذلك الحين مسرحا مفتوحا للثقافة والحياة، تنتظر فقط أن يرفع عنها "غبار الإهمال"، وتمنح ما تستحقه من حضور واعتراف.