الغد
وفق تقرير نشرته صحيفة «الغارديان»، تتصور خطة ترامب لغزة التي صادق عليها قرار مجلس الأمن أخيرًا نشر «قوة استقرار دولة» في غزة.
وتتصور الخطة أن يكون قوام هذه القوة قوات عربية أو ذات غالبية مسلمة تعمل تحت قيادة أميركية مباشرة. وليس من الصعب تصوّر المخاطر التي تنطوي عليها مثل هذه المشاركة. سوف يمنح وجود قوات عربية أو ذات أغلبية مسلمة ضمن هذه القوة المهمة الأميركية -»الإسرائيلية» الشرعية الإقليمية التي تحتاجان إليها لإظهار أن ما يُرتب لغزة ليس إرادة القوى الغربية وحدها، وإنما رغبة عربية أيضًا.
قد يحاجج المؤيدون لمشاركة الدول العربية في المهمة بأن هذه المشاركة ستُظهر أن الدول العربية ليست غائبة عن مستقبل غزة، وأنها قادرة على التأثير في ترتيبات ما بعد الحرب بما يخدم مصالح الفلسطينيين. وقد يُطرح الوجود العربي العسكري باعتباره جزءًا من جهد تضامني وإقليمي لحماية الغزيين وتثبيت الأمن ومنع فراغ السلطة، بحيث يكون العرب شركاء فاعلين في الإعمار والتنظيم وإدارة المرحلة الانتقالية. ربما يقول مؤيدو المشاركة إنها يمكن أن تتيح للعرب هامشًا من النفوذ داخل البنية الجديدة التي تريد واشنطن فرضها على القطاع. ومن منظورهم، يمكن أن يخدُم وجود قوات عربية في التخفيف من عسكرة الخطة الأميركية، والتأثير على أولويات إعادة الإعمار وإدخال تعديلات على آليات العمل الدولية بما يحدّ من تغوّل الاحتلال. وقد يشير هؤلاء إلى أن بعض الدول المشاركة في النقاشات الأولية، والذين يطرحون تصورًا لإعادة إعمار غزة يشمل إنشاء «مناطق آمنة» للمدنيين، يمكن أن تقدم خبرة ميدانية وإدارية تُضفي طابعًا أكثر إقليمية على المشروع، وتمنع تحوله إلى احتلال مباشر أو إدارة أجنبية كاملة.
لكن لدى المعارضين لهذه المشاركة الكثير ليقولوه عندما يتعلق الأمر بالأبعاد الأخلاقية والسياسية والاستراتيجية لهذه المشاركة.
كبداية، سوف تضفي مشاركة قوات عربية في تنفيذ خطة صاغها في الأساس أصحاب أسوأ النوايا تجاه فلسطين –والعرب– شرعية على مشروع «نيوكولونيالي» لا يمكن أن يكون هدفه سوى إعادة ترتيب غزة بما يخدم الهيمنة الأميركية وترسيخ الاحتلال.
وبما أن الخطة تمنح «قوة الاستقرار الدولية» تفويضًا واسعًا يشمل نزع السلاح وفرض الاستقرار وإدارة المعابر والمساعدات تحت إشراف «مجلس سلام» يترأسه ترامب نفسه، فإن القبول العربي بالمشاركة يساعد عمليًا مشروع حرمان الفلسطينيين من إدارة شؤونهم، واستبدال سيادتهم بهيكل أمني مفروض عليهم من الخارج.
من شبه المؤكد أن وجود قوات عربية تحت قيادة أميركية مباشرة، سيضع هذه القوات موضع الشك بالنسبة للفلسطينيين.
سوف تبدو كأدوات تُستخدم لتنفيذ أجندة أقرها واحتفى بها الاحتلال، خاصة إذا اضطرت إلى مواجهة الفلسطينيين أو تنفيذ عمليات لنزع السلاح الفلسطيني. وعندما يقول ترامب إن نزع سلاح الفلسطينيين سيتم بالطريقة السهلة أو الصعبة لفرض الأمن، فإن ذلك يعني عمليًا احتمال انخراط قوات عربية في صدام مباشر مع المقاومة، فيما ستكون له تداعيات اجتماعية هائلة يغلب أن تتعدى غزة إلى الدول المشاركة ذاتها، حيث قد يُنظر إلى المشاركة على أنها خيانة صريحة للقضية الفلسطينية، ومشاركة في تجريد الفلسطينيين من حقهم في المقاومة بكافة الوسائل المشروعة، ومنها الكفاح المسلح.
بذلك، سيكون إقحام قوات عربية في هذه الخطة أساسًا معقولًا لاتهامها بالمشاركة في احتلال جديد أكثر من المشاركة في حماية السيادة الفلسطينية.
ومع غياب آليات واضحة للمساءلة، وعدم تحديد الجهة التي تملك صلاحية محاسبة القوة إذا تجاوزت تفويضها، ستكون المشاركة العربية مغامرة محفوفة بالمخاطر. وستكون خطوة جيوسياسية غير محسوبة ربما تثير ردود فعل غاضبة في الشارع العربي المناصر فطريًا للقضية الفلسطينية –أو على الأقل مراكمة مشاعر غير إيجابية تجاه أصحاب قرار المشاركة.
وفق أي قراءة واعية ومنصفة لخطة صاغها صهاينة معروفون، كوشنر وويتكوف وديرمر، وحملها مشرف على الإبادة الجماعية مثل ترامب، لن يستفيد من المشاركة العربية سوى الكيان الذي سيستغل وجود هذه القوات كغطاء لتمديد وجوده الاستعماري في غزة، وتخفيف الضغوط الدولية المطالِبة بإنهاء احتلاله. وسوف يستخدم الكيان الوحشي وجود هذه القوات لتبرير استمرار سيطرته على الحدود والمجال الجوي ومسار المساعدات، وتبرير كل انتهاك –وهو سيد الانتهاكات - بوصفه جزءًا من «جهود الاستقرار»، وليس استمرارًا لبنية الاحتلال.
لا عدد للمقالات والتحليلات والمقاربات التي كُتبت في الغرب قبل الشرق، التي تحذر من المخاطر العميقة التي تفرضها خطة ترامب وقرار مجلس الأمن الذي أقرها على الفلسطينيين. كتبت «الغارديان» أن الخطة تمثل محاولة لإعادة هندسة غزة باستخدام قوة أمنية تخضع لواشنطن.
وهو ما يعني أنها ليست قوة «أممية» محايدة. وتحدثت تقارير أوروبية عن أن التفويض الممنوح لهذه القوة يهدد بتفريغ السيادة الفلسطينية من مضمونها لصالح إدارة دولية مفروضة قسرًا من دون أي أدوار مؤثرة للفلسطينيين. وأشار كثيرون إلى أن الخطة لا تستهدف الاستقرار بقدر ما تريد إعادة تشكيل البيئة الأمنية والسياسية بما يتناسب مع مصالح الولايات المتحدة والكيان، بما في ذلك إضعاف المقاومة وتقويض حق الفلسطينيين في تقرير المصير.
بحساب الأرباح والخسائر، يصعب قراءة أي مشاركة عربية في «قوة الاستقرار الدولية» التي رتبها الكيان وأميركا إلا في سياقها السياسي الأوسع: أنها ستكون خدمة لمشروع يعيد إنتاج هيمنة هذين العدوين، وليس مسعى لحماية الفلسطينيين وتمكينهم. وعندما تكون القيادة والإشراف والتفويض كلها بيد واشنطن وتل أبيب، ستصعب رؤية أي مشاركة عربية إلا باعتبارها مساهمة في تثبيت احتلال جديد بواجهة عربية، خاصة وأن العرب لا يشكلون في معادلة القوة طرفًا موازنًا حقًا وشريكًا له نفوذ.
لعل «المشاركة» الأكثر انسجامًا مع المصلحة الفلسطينية والعربية هو أن يعمل العرب ما يمكنهم عمله لدعم إعادة إعمار تقودها مؤسسات فلسطينية يتوافق عليها الفلسطينيون، بإشراف دولي غير عسكري، والمطالبة بضمانات حقيقية للسيادة والمساءلة بعيدًا عن أي ترتيبات تفرضها أي قوى فوق إرادة الشعب الفلسطيني. وإذا كان لا بد من تدخل عسكري دولي، فينبغي أن يكون محايدًا حسن النية، هدفه حماية الفلسطينيين من وحشية الكيان ورعاته وليس معاقبته ومحاصرته وإخضاعه ونزع سلاحه.