عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    17-Jun-2025

"الفن الإسلامي": دراسة شاملة بالجماليات الإسلامية من المشرق للأندلس

 إعادة طباعة كتاب للمؤرخ البريطاني ديفيد تالبوت رايس

الغد- عزيزة علي
 يُعد كتاب "الفن الإسلامي" للمؤرخ البريطاني ديفيد تالبوت رايس أحد أبرز الدراسات الكلاسيكية التي تناولت تطور الفنون الإسلامية عبر العصور. يقدم الكتاب رؤية شاملة لمظاهر الفن في العالم الإسلامي، منذ بداياته المبكرة في صدر الإسلام وحتى العهد الصفوي المتأخر، عبر رصد دقيق للأساليب الفنية والتأثيرات الثقافية والجغرافية التي ساهمت في تشكيل هوية هذا الفن الفريد.
 
 
يمثل الكتاب الذي أعيد طباعته ضمن برنامج وزارة الثقافة، "مكتبة الأسرة – القراءة للجميع"، بترجمة فخري خليل. محاولة جادة لفهم الأنماط الزخرفية، العمارة، التصوير، وفنون النسيج من منظور تحليلي يراعي السياقين الزمني والجغرافي. وعلى الرغم من محدودية حجمه، فإن المؤلف ينجح في رسم صورة بانورامية لمسار الفن الإسلامي، ويقدم مدخلا ثريا لفهم تطوراته وتنوعاته عبر العصور والمناطق.
 
ينقسم الكتاب إلى أحد عشر فصلا، يتناول كل منها فترة زمنية أو منطقة جغرافية محددة، بدءا من الفنون الإسلامية المبكرة في المشرق، مرورا بالعصر العباسي، وفارس قبل وبعد الغزو المغولي، ووصولا إلى الأندلس، شمالي إفريقيا، الدولة العثمانية، والسلاجقة، مع تتبع تطورات الفن الفارسي والصفوي.
يولي المؤلف اهتماما خاصا للطابع الموحّد الذي ميّز الفن الإسلامي مقارنة بنظيره المسيحي، مبينا كيف أن العقيدة الإسلامية شكلت إطارا موحدا أسهم في خلق فن ذي سمات مشتركة رغم تنوع البيئات والأعراق. كما يوضح كيف استطاع الفنانون المسلمون الحفاظ على القوالب الفنية التقليدية وتجديدها بإبداع وابتكار ضمن حدود النمط العام.
الكتاب جاء في أحد عشر فصلا، حيث يتناول الفصل الأول الفن الإسلامي المبكر، بينما يناقش الفصل الثاني العصر العباسي. أما الفصل الثالث، فيتناول أولا الفن في فارس حتى الغزو المغولي، ثم فارس في العهد المغولي. ويتحدث الفصل الرابع عن إسبانيا ومصر وشمال إفريقيا حتى عام 1200، فيما يتناول الفصل الخامس بلاد الرافدين من القرن العاشر إلى الثالث عشر، ويغطي الفصل السادس سورية ومصر في القرنين الثاني عشر والثالث عشر.
أما الفصل السابع، فيتناول الفن الإسلامي المتأخر في شمال إفريقيا وإسبانيا وصقلية، ويشير الفصل الثامن إلى السلاجقة الروم، بينما يتحدث الفصل التاسع عن الأتراك العثمانيين. ويتناول الفصل العاشر الفن الفارسي في أوائل القرن الخامس عشر، ويُختتم الكتاب بالفصل الحادي عشر حول العصر الصفوي المتأخر.
في تقديم للكتاب، يرى المؤلف أن أحد أكثر الجوانب إثارة للدهشة في الفن الإسلامي هو الطريقة التي ارتبط بها أسلوب معين وموروث كامل من الموضوعات (الموتيفات) ونظام معماري محدد منذ بدايات عصر الهجرة، بفكرة وعقيدة موحّدة. وبهذا، يتميز الفن الإسلامي تميّزا واضحا عن الفن المسيحي، الذي اتسم بالتشعب والتنوع.
ويؤكد رايس أن الفنون المسيحية في أطوارها المختلفة (كالبيزنطية، الكارولينجية، الرومانسكية، القوطية، وعصر النهضة) كانت متباينة إلى حد بعيد من منطقة إلى أخرى. وكان التنوع هو سمة الفن المسيحي، في حين أن العالم الإسلامي شهد درجة كبيرة من التوحيد، سواء زمنيا أو جغرافيا.
ويضيف أن الفنانين في العالم الإسلامي لم يسعوا إلى التجديد على الطريقة الغربية كما فعل فنانو عصر النهضة، بل تمسكوا بالنماذج الفنية التقليدية، مجددين فيها من خلال تنويعات دقيقة في التفاصيل. كما ساهم اعتماد نسق خطي معين، امتد من الهند إلى إسبانيا، في ترسيخ شكل موحد من الزخرفة في الفن الإسلامي، وهو ما منح هذا الفن طابعا مشتركا قويا، مشيرا إلى أن هذا التشابه الظاهري قد يُصعّب على العين الغربية التمييز بين الفنون الإسلامية من حيث المكان أو الزمان، لكن مزيدا من التبصر والدراسة يبدد هذا الانطباع.
لذلك، فإن الهدف من هذا الكتاب هو عرض الأعمال الفنية حسب فترتها الزمنية ومصادرها الجغرافية، لتوضيح التطورات التي طرأت عليها عبر العصور، والاختلافات التي أضفتها الأقاليم المختلفة، علما بأن العالم الإسلامي كان يمتد على رقعة جغرافية شاسعة، تضم شعوبا من معظم الأعراق البشرية.
هذا الهدف فرض على المؤلف تقسيما مختلفا لفصول الكتاب عن معظم الكتب التي تناولت الفن الإسلامي، والتي كانت غالبا ما تعتمد إما على التقسيم الجغرافي، أو حسب المادة الفنية، مثل تخصيص فصول للأعمال المعدنية، أو الفخار، أو الرسم، وغيرها. أما هذا الكتاب، فيسعى إلى توضيح طبيعة التطورات الزمنية والفروقات الإقليمية بأسلوب شامل.
ويقر رايس بصعوبة تغطية مجال الفن الإسلامي بأكمله في كتاب صغير، ما اضطره إلى وضع حدود زمنية ومكانية مصطنعة نسبيا. فقد توقف عند بداية القرن السابع عشر، ما حال دون تناول بعض الفنون بالتفصيل، مثل السجاد الفارسي والبسط في آسيا الوسطى، رغم مكانتها البارزة في الفن الإسلامي.
كما تم استبعاد الهند، لأن الفن الإسلامي الذي تطور فيها انطلق من التأثير الفارسي في حدود عام 1400، ثم سلك خطا مميزا عن بقية العالم الإسلامي. كذلك، لم يتم التطرق إلى الأسلحة والدروع والمجوهرات وتجليد الكتب والطلاء، رغم روعة منتجات هذه الفنون. وأُغفلت أيضا موضوعات متخصصة مثل الأزياء، وشعارات النبالة، والخط العربي، على الرغم من أهميتها الكبيرة.
ويختتم المؤلف بالإشارة إلى الدور المحوري للخط العربي في الزخرفة الإسلامية، مؤكدا أن تحليلا تفصيليا للخط الكوفي وخط النسخ سيكون ضروريا في أي دراسة معمقة للفن الإسلامي، لكنه خارج نطاق هذا الكتاب المحدود. ومع أن المؤلف اضطر إلى حذف الكثير، إلا أن التطرق إلى المسائل الرئيسة والأساليب الأساسية كان لا بد منه، بهدف تقديم محتوى معرفي واسع لجمهور أكبر. ويُعد هذا الكتاب ثمرة سنوات طويلة من البحث والشغف، ومصدرا مهما في فهم تطور الفن الإسلامي، إذ إن كثيرا من الأعمال الفنية التي تناولها تبوأت مكانة بارزة في التاريخ الفني عبر العصور.
ويذكر أن البرنامج الوطني للقراءة مكتبة الأسرة الأردنية هو سلسلة تصدرها وزارة الثقافة الأردنية منذ العام (2007)، ضمن البرنامج الوطني للقراءة، وتهدف (مكتبة الأسرة الأردنية) إلى نشر المعرفة وإثراء مصادر الثقافة وتنمية التفكير الناقد، ورفع مستوى الوعي لدى الأسرة الأردنية من خلال توفير الكتاب بجودة عالية وبأسعار رمزية، تضم السلسلة ستة حقول أساسية هي: دراسات أردنية، تراث عربي وإسلامي، آداب وفنون، فلسفة ومعارف عامة، علوم وتكنولوجيا، والأطفال.