عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    17-Oct-2025

بين غزة ولبنان* غازي العريضي
المدن - 
ما أن أعلن الاتفاق على وقف الحرب –نظرياً- على غزة، حتى انبرى لبنانيون إلى الحديث عن: "الخطوة التالية: التفرّغ للبنان". أي "الحرب مجدداً على لبنان". "إسرائيل لن تقبل الواقع القائم" ." الدولة اللبنانية لم تفعل شيئاً لتنفيذ قرار سحب السلاح من حزب الله. إسرائيل ستنفذ المهمة".
 
 
 
تجاهل هؤلاء الذين استند موقفهم إلى قرار وقف الحرب، أن في لبنان قراراً بوقف الأعمال العدائية اتخذ منذ أشهر. لبنان التزم بكل بنوده. الجيش قام بدور استثنائي في الجنوب واليونيفيل تلعب دورها. لكن اسرائيل لم تلتزم بكلمة واحدة من بنود القرار بل احتلت أرضاً واسعة تؤكد يومياً انها لن تنسحب منها. وتريد التمدّد أكثر. وتمارس هواية وحرفة القتل والإجرام وقد سقط مئات الشهداء والجرحى بينهم أطفال ونساء، وتمنع الأهالي من العودة إلى أرضهم. وخرج لبنانيون في مواقع رسمية وحزبية إلى شن حملات ضد الجيش الذي قدّم خطته للحكومة ثم قدّم تقريره الأول، ذكر فيه بالتفصيل بالخطوات التي نفذها لحصر السلاح بيد الدولة تنفيذاً لقرارات الحكومة. ومع أنه فنّد بالوقائع كل المعلومات، فلم يكن ترحيب من قبل كثيرين مشاركين في الحكومة وخارجها. رغم ان رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة وقائد الجيش أعلنوا أكثر من مرة أن الاعتداءات الاسرائيلية تعيق التعافي والاستقرار في لبنان، وكانت مطالبات للدول "الراعية" بالعمل على إلزام اسرائيل وقف اعتداءاتها، فإن الاتهامات المتتالية للجيش بالتقصير استمرت، واستمر أصحابها بدعوة مسؤولين أميركيين إلى وقف المساعدات عنه! وذهب آخرون إلى تبرير العدوان الاسرائيلي من خلال التركيز على أن من يملك السلاح هو من بدأ الحرب، وأن عدم تسليمه للدولة يعطي ذريعة لاسرائيل لاستكمال عدوانها. قلنا ونكرّر: توقفت الحرب نظرياً بموجب اتفاق، واسرائيل لم تلتزم. فما هو المبرّر؟ ما هو المبرّر لتعتدي منذ أيام وقبل اتفاق غزة على دوريات مشتركة للجيش وقوات "اليونيفيل" وترمي القنابل عليهما؟ وقد صدر موقف مشترك من الطرفين وصمت هؤلاء اللبنانيون "السياديون"، ثم بعد اتفاق غزة مباشرة قامت اسرائيل بقصف معارض آليات صناعية، جرّافات وغيرها وأحدثت دماراً هائلاً في المصيلح، فهل العمل الشريف، والارتزاق وعودة الأعمال إلى طبيعتها في الجنوب وتجارة الأهالي تشكل ذريعة لاسرائيل للعدوان، وأمس كرّرت اعتداءها على قوات اليونيفيل وأصابت عنصراً منها، فهل توقف العدوان فعلياً؟ وهل عودة عائلة السيدة أماني بزي التي استشهدت، وأصيبت هي، ولا تزال في المستشفى مع ابنتها المصابة وحالتها حرجة جداً، هل كانت زيارة بلدتها تشكل تهديداً للأمن القومي الاسرائيلي ولقرار وقف الأعمال العدائية؟
 
 
 
الحمدلله أن وزارة الخارجية اللبنانية اصدرت بياناً أكدت فيه ان الاعتداء على معارض المصيلح يعرقل مهمة الجيش في الجنوب. فلماذا الهجوم على الجيش إذاً وتبرير عدوان الاحتلال وخلق أجواء متشنجة في الداخل؟ من الواجب أن تقوم الدبلوماسية اللبنانية بدور نشط فاعل يومي لفضح اسرائيل وممارساتها وأهدافها وهي التي أقامت منطقة عازلة في الجنوب وتصرّ على عدم الانسحاب منها وعلى منع الأهالي من العودة إلى قراهم. ولطالما قلت وأكرر أخشى أن نصل إلى مرحلة نطالب فيها بتكريس حق عودة الجنوبيين إلى ديارهم تماماً كما يحصل مع إخواننا الفلسطينيين منذ عام 1948. فهل هذا هو المطلوب؟ هل يرسّخ هذا الأمر استقراراً وأمناً وهدوءاً في الداخل؟ وماذا ينتظر من الأهالي؟ وهل يلامون إن هم رفعوا الصوت ضد الظلم والقهر والإهانات التي توجّه اليهم بطريقة أو بأخرى تهدّد الوحدة الوطنية الداخلية؟
 
 
 
إن المطلوب أكثر من اي وقت العمل على تثبيت وحدة الحكم في لبنان، وحدة الموقف والرؤيا بين سلطاته، وترجمة روح التعاون بينها، في خطة سياسية دبلوماسية إعلامية إنمائية متكاملة لدعم الجيش والمؤسسات الأمنية، ومطالبة الدول "الراعية" قرار وقف الأعمال العدائية والهيئات والمؤسسات الدولية بممارسة كل الضغوط على اسرائيل لوقف عدوانها وفرض انسحابها من الأراضي المحتلة، واحتضان أبنائها ووقف الحملات المسعورة التي تأخذ بعداً مذهبياً طائفياً لا يخدم إلا اسرائيل، وتحمّل القوى السياسية مسؤولياتها الوطنية بعيداً عن الأحقاد والحسابات الفئوية أو المذهبية أو الطائفية أو السياسية البغيضة الضيقة. يهلّل كثيرون لاتفاق غزة الحديث. واسرائيل ستعود لاحقاً إلى ممارسة هواياتها وترفها ونزواتها في القتل ويتناسوا ان ثمة اتفاقاً حصل في لبنان منذ أشهر ويبرّر بعضهم عدوان اسرائيل ويراهن على نتائجه لقلب المعادلة السياسية في الداخل. إنه لعب بالنار ستكون نتائجه كارثية على كل لبنان لاسيما على اللاعبين الذين لم يتعلموا من كل التجارب السابقة!