الغد-نادية سعد الدين
تُخيّم المواقف المتناقضة على التحرك الأميركي لتنفيذ خطة الرئيس "دونالد ترامب" بشأن قطاع غزة، حيث تزامن تأكيد واشنطن قرب الإعلان عن "مجلس السلام" مع رفض الاحتلال الانتقال للمرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار إلا بشروطه المُعيقة لأي تقدم، ضمن مساعي تحويل "الخط الأصفر" من "أمني" إلى "جغرافي" لتعزيز فكرة تقسيم غزة، مما قد يُفجّر الأوضاع مجدداً.
وأعطى إعلان الرئيس "ترامب" بأن مطلع العام المقبل سيشهد إشهار "مجلس السلام"، الذي أُنشئ بموجب الخطة التي تم طرحها لإيقاف إطلاق النار في قطاع النار، بأنه عبارة عن تدشين بدء المرحلة الثانية من الاتفاق، إلا أن معاكسات الاحتلال لا تزال مستمرة.
ومن المفترض أن تتضمن المرحلة الجديدة إضافة إلى "مجلس السلام" الذي يقوده ترامب، مسألة تشكيل حكومة تكنوقراط فلسطينية تعمل تحت إشراف مجلس تنفيذي يضم نحو 15 شخصاً، لا ينتمون إلى حركة حماس، أو أي فصيل فلسطيني آخر، بما فيها حركة "فتح".
وبذلك، تكون متطلبات الانتقال للمرحلة الثانية قد وجبت مع التزام حركة "حماس" بتنفيذ استحقاقات المرحلة الأولى من الاتفاق، بينما لم يلتزم الاحتلال بها مطلقاً، حيث ما تزال خروقاته متواصلة منذ بدء سريان وقف إطلاق النار، كما فرضت منطقة خضراء ومنطقة صفراء وخطاً أصفر، علما أن هذه التسميات لم تكن موجودة في الاتفاق.
واستمرت قوات الاحتلال في ضرب المنشآت واستهداف المدنيين في مختلف أنحاء قطاع غزة، ومنع إدخال المساعدات الإنسانية، في محاولة منها لفرض شروط جديدة ووضع عراقيل أخرى.
ويسعى رئيس الحكومة المتطرفة "بنيامين نتنياهو" للانتقال إلى المرحلة الثانية من الاتفاق بشروطه الخاصة، بهدف تحويل الخط الأصفر من خط أمني إلى خط جغرافي، ثم يضعه على طاولة المفاوضات لتعزيز فكرة تقسيم غزة، في ظل ذريعة التمسك بمطلب نزع سلاح المقاومة الفلسطينية، في إطار محاولة فرض وجود الاحتلال العسكري الدائم في القطاع ضمن مخطط التقسيم الذي يرمي إليه.
في حين أن الولايات المتحدة لم تستكمل حتى الآن إتمام الملف الخاص بتحديد القوة الدولية، التي يُفترض أن تكون مهمتها فرض وحفظ السلام، فضلاً عن موضوع فتح المعابر، خاصة معبر رفح.
من جانبه، قال رئيس حركة "حماس" في الخارج خالد مشعل، إن مطالب نزع سلاح المقاومة الفلسطينية "غير واقعية ومحكوم عليها بالفشل"، مؤكدًا أن سلاح المقاومة مرتبط بوجود الاحتلال، ولا يمكن فصله عن حق الشعب الفلسطيني في الدفاع عن نفسه.
وشدد مشعل، في تصريحات له أمس، على أن ما تشنه قوات الاحتلال في قطاع غزة "حرب إبادة جماعية غير مسبوقة"، معتبرًا أن الاحتلال يمارس "هولوكوست جديدًا" بحق الشعب الفلسطيني في مساحة جغرافية محدودة، مستخدمًا أقصى أدوات القتل والتدمير.
وأضاف أن مخاطبة الرأي العام الغربي مباشرة باتت ضرورة، في ظل ما وصفه بـ"التضليل المزمن" لطبيعة الصراع العربي –الإسرائيلي.
وفي ردّه على تصريحات "نتنياهو"، ومستشار الأمن القومي الأميركي "مايك والتز"، بشأن نزع سلاح حماس "بالطريقة السهلة أو الصعبة"، أكد مشعل أن الشعب الفلسطيني لا يثق بالاحتلال "بحكم سجله التاريخي في المجازر ونقض الاتفاقات"، مشيرًا إلى أن كل التجارب السياسية السابقة، بما فيها اتفاق أوسلو، انتهت بالفشل.
وأوضح أن "حماس" رفضت بشكل قاطع أي مسار يفضي إلى نزع السلاح بالقوة، مؤكداً أن المشكلة الجوهرية ليست في التزام الطرف الفلسطيني، بل في "الطبيعة العدوانية للكيان المُحتل بوصفه الطرف المسلح والمحتل".
واعتبر أن أي محاولة لـ"اجتثاث حماس" أو إقصائها أمنيًا وسياسيًا ستؤدي إلى فوضى شاملة، موضحاً أن حماس "ليست مجرد تنظيم مسلح"، بل حركة متجذرة في المجتمع الفلسطيني، أدارت شؤون غزة على مدار عقدين، ونجحت في حفظ الأمن العام وبناء بنية مدنية رغم الحصار.
وشدد على أن فرض أي سلطة غير فلسطينية في غزة "سيُعامل كاحتلال"، وسيقابل بمقاومة شعبية شاملة.
وانتقد مشعل الانحياز الأميركي المطلق للاحتلال، معتبرًا أن ذلك يضر بالمصالح الأميركية نفسها، وداعيًا واشنطن إلى التعامل مع القضية الفلسطينية بمنطق المصالح لا إملاءات الاحتلال.
وفي نفس السياق، قال عضو المكتب السياسي لحركة "حماس"، حسام بدران، بأنّ الفلسطينيين سيتولّون مسؤولية الأمن داخل قطاع غزة، فيما ستكون مهمة الجهات الأجنبية مراقبة الحدود مع الاحتلال.
وأكد بدران، في تصريحات أمس، أنّ جميع الفصائل الفلسطينية اتفقت على موقف موحّد بشأن الوجود الأجنبي في قطاع غزة، موضحاً أنّ الموافقة على وجود أي قوة دولية مشروطة بأن يكون تفويضها محدّداً بمراقبة وقف إطلاق النار على الحدود فقط.
وأضاف أنّ الفلسطينيين سيقومون بإدارة قطاع غزة بشكلٍ مستقل، بالتعاون مع لجنة خبراء، بهدف ضمان الأمن الداخلي للقطاع، مشدداً على أنّ القوات الدولية لن يكون لها أي دور في هذا الجانب.
ولفت إلى أنّه بات واضحاً عملياً عدم وجود دولة مستعدة للمشاركة الحقيقية، في ظل إدراك الجميع صعوبة الوضع.