عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    03-Nov-2025

أن تكون أردنيا في زمن اللااستقرار*د.عامر سبايلة

 الغد

مع وضع الرئيس ترامب خطته للشرق الأوسط كإطار عام لمسار التسويات، تعود كثير من الملفات العالقة إلى الواجهة. ملفات التسويات في لبنان والعراق، والواقع المفروض في غزة والضفة الغربية، هي أهم عناوين المرحلة القادمة.
 
 
 من منظور عملي، دخلت المنطقة في المرحلة الثانية من التصعيد على طريق التسويات، ما يعني تداخل الملفات الإقليمية مع واقعها المحلي. لذلك، فإن الأردن، المعني تمامًا بكل ما يجري في محيطه الجغرافي، قد يجد نفسه مضطرًا للتعامل مع انعكاسات هذه التطورات، ما يستدعي متابعة دقيقة لما يجري، مع الحفاظ في الوقت نفسه على توازن دقيق في طبيعة التعاطي السياسي مع المتغيرات الإقليمية والواقع الداخلي. وبمعنى آخر، قد يكون العنوان الأردني الأبرز في المرحلة المقبلة هو: الالتفات إلى الداخل.
 التفكير أردنيًا اليوم هو الأساس في مواجهة التداعيات القادمة من الخارج. التركيز على الواقع الداخلي يمثل نقطة ارتكاز بالنسبة للأردن، ليس فقط لضمان الاستقرار ومنع انتقال الأزمات وتصديرها إلى الداخل، بل أيضًا للحفاظ على دوره الإقليمي، وهو بالنسبة لعمان ركيزة أساسية لضمان التحالفات الفاعلة وانعكاسها على الدعمين السياسي والاقتصادي.
 أما ملفات الداخل الأردني، فبعضها باتت تعقيداته تفوق القدرة على إيجاد حلول مباشرة، خصوصًا في الجوانب الاقتصادية والمديونية. لكن في المقابل، لا يمكن تجاهل الانعكاسات المجتمعية التي تولدها السياسات القائمة، والتي تزيد من شعور المواطن بالضغوط، سواء من الضرائب أو المخالفات أو غيرها. الحلول العملية للمشاكل الاقتصادية تحتاج إلى وقت ورؤية طويلة الأمد واستراتيجيات واقعية لا تُبنى على عوامل داخلية فقط. فحتمية التغيير في طبيعة المنطقة تجعل الأردن أمام فرصة للاندماج الإقليمي وضمان المشاركة في مشاريع التنمية الكبرى، مثل النقل والطاقة والسياحة.
 ملفات الفقر والبطالة تبقى من أبرز التحديات التي يجب التعامل معها بأساليب غير تقليدية، خصوصًا مع ارتفاع منسوب الإحباط المجتمعي وتزايد السلوكيات السلبية ومؤشرات التطرف. هذه الملفات يجب أن تكون اليوم أساس السياسة الأردنية وأولويتها.
 الجميع بات يدرك أن المنطقة على أعتاب مرحلة جديدة، وأن حالة القلق — المعلن وغير المعلن — أصبحت السمة العامة. لذلك، أصبح تطوير الخطاب الرسمي واجبًا وضرورة، ليس فقط كأداة تواصل، بل كحاجة وطنية لتعزيز الشعور الجمعي، وشحن المجتمع وتطمينه. فالحاجة اليوم إلى لغة صريحة قائمة على المكاشفة والمصارحة باتت أساسية لرفع حس المسؤولية والشعور بأهمية المرحلة ودقتها. وقد لا نكون فقط أمام ضرورة لتجديد الرواية الرسمية أو أسلوب التعاطي مع الداخل الأردني، بل أمام عملية تجديد حقيقية تفرز مشهدية جديدة بعقول ووجوه قادرة على التجسير بين الرسمي والشعبي، وبين الرؤى النظرية والواقع الملموس.
 الالتفات إلى الداخل لا يعني تراجع الاهتمام بالخارج. فالأردن بلد بُني على التوازنات، وجغرافيته التي فرضت هذه التوازنات تاريخيًا ما تزال تضغط بالاتجاه نفسه، وربما أكثر مع كل حقبة زمنية. من المسألة الفلسطينية وتعقيداتها المستمرة، إلى حرب العراق ونتائجها، ومن الأزمة السورية وتداعياتها المأساوية، وصولًا إلى العلاقة المتوترة والقابلة للتصعيد مع إسرائيل. هذه الجغرافيا القاسية تفرض أخطارًا متزايدة — من خطر تصدير الأزمات، إلى محاولات رسم خرائط جديدة — ما يعيدنا مجددًا إلى نقطة الارتكاز الأهم: التفكير بالداخل.
باختصار، أن تكون أردنيًا اليوم هو المفتاح الحقيقي لمواجهة المتغيرات، وعامل الاستقرار في مرحلة عنوانها الأكبر: اللااستقرار.