الغد
في زمن تتسارع فيه التحديات الاقتصادية وتتزايد الضغوط على سوق العمل، تظهر مشاريع التدريب المهني وتنمية الحرف اليدوية كخيط ذكي في نسيج النهضة الاقتصادية الأردنية، شرط أن تدار برؤية وشراكة لا تكتفي بالشكل بل تعيد تعريف المضمون.
وهذا تماما ما نراه اليوم في المبادرة النوعية التي جمعت الأردن والمغرب بمبادرة وقيادة من السفيرة الأردنية في الرباط جمانة غنيمات، التي لا تكتفي بدور الدبلوماسي التقليدي، بل تتقدم إلى خط المواجهة التنموية، حيث تُصنع القيمة.
المعهد المهني الأردني المغربي المشترك، الذي وضع على سكة التنفيذ في عمّان، ليس مشروعا تدريبيا عابرا، بل خطوة نوعية في ترجمة رؤية التحديث الاقتصادي على الأرض، فلا تحديث بلا تأهيل، ولا نمو بلا مهارات، ولا جدوى من الطموحات الكبرى إذا ظل الشباب خارج المعادلة.
ليس ما سبق وحسب، بل ثمة مشروع آخر يصب في الاتجاه ذاته، يتمثل بتوقيع اتفاقيات توأمة بين مدن فاس مكناس "عاصمة الصناعات التقليدية في المغرب" ومادبا والسلط ومراكز التدريب المهني في المدينتين لرفع سوية مخرجات التدريب والاستفادة من تجربة المغرب الناجحة في الصناعات التقليدية والحرف اليدوية.
المشروعان، بخبرات المغرب ومناهجه العملية، يشكلان استثمارا مباشرا في رأس المال البشري الأردني، ويفتحان آفاقا واقعية لتأهيل اليد العاملة في مجالات تقنية وحرفية وسياحية، من صيانة المركبات الذكية إلى فنون الطهي والحرف التراثية، التي باتت في العالم صناعات تصديرية تحمل هوية البلاد وتروج لها أكثر مما تفعل الإعلانات.
في صلب خطة التحديث الاقتصادي بند واضح حول التمكين وتشبيك التعليم بسوق العمل، وهو ما يتحقق هنا بأدوات عملية لا تحتاج إلى حملات علاقات عامة، بل إلى ورش عمل ومقاعد دراسية ومعلمين مهرة ومنصات تسويق.
السفيرة غنيمات، حين تفتح نوافذ التعاون مع المغرب في الحرف التقليدية، إنما تبني جسرا يربط الاقتصاد الثقافي الأردني بفضاء أوسع، وتعيد الاعتبار لفكرة أن الحرفة ليست من بقايا الماضي بل من أدوات المستقبل، إذا ما أحسن تأطيرها وتحديث طرائق تقديمها وتسويقها للعالم.
الأثر الاقتصادي لهذا النوع من المبادرات ملموس وقابل للقياس، وقادر على توليد فرص عمل حقيقية لا موسمية، داخل الأردن وخارجه. وهو يتماهى تماما مع الرؤية الأردنية التي تريد أن تتحول من دولة الوظيفة إلى دولة الإنتاج، ومن الانكماش إلى الشراكة، ومن التلقي إلى التصدير.
والمبادرات التي تقودها السفارات الأردنية حين تخرج من عباءة المجاملات إلى ميدان الفعل، تصنع الفارق بصمت، ولكن بأثر عميق.