عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    21-Jul-2025

تعزيز الـخطاب الإعلامي الأردني الخارجي المتوازن: ضرورة استراتيجية في ظل التحولات الإقليمية والدولية*أ. د. عبد الرزاق الدليمي

 الراي 

يشهد العالم اليوم تحولات متسارعة في موازين القوى، وتداخلًا غير مسبوق في الأزمات الإقليمية والدولية، مما يفرض على الدول الصغيرة والمتوسطة، ومنها الأردن، أن تعيد صياغة خطابها الإعلامي الخارجي بما يعكس مصالحها الوطنية، ويحفظ صورتها أمام الرأي العام العالمي، ويعزز من قدرتها على التأثير. وفي ظل هذه المعطيات، تبرز الحاجة إلى خطاب إعلامي أردني خارجي متوازن، يقوم على المهنية، والواقعية، والقدرة على إيصال الموقف الأردني بشفافية وفاعلية دون انفعال أو خضوع.
 
مبررات تطوير الخطاب الإعلامي الأردني الخارجي
 
يحتاج الأردن إلى تجديد وتطوير خطابه الإعلامي الخارجي لأسباب متعددة، تتعلق بالتحولات العالمية والإقليمية، وكذلك بالمصالح الوطنية والأهداف الاستراتيجية للمملكة. فالأردن بسبب نجاحاته السياسية ومواقفه المتوازنة كان وسيبقى لاعبا ايجابياً مهما في قلب الاحداث التي تعصف بالمنطقة ويمكن تلخيص هذه الأسباب بما يلي:
 
التغيرات في المشهد الإعلامي العالمي:
 
-الثورة الرقمية ووسائل التواصل الاجتماعي: لم تعد القنوات الإعلامية التقليدية كافية للوصول إلى الجمهور العالمي. الفضاء الرقمي يتطلب خطاباً سريعاً، تفاعلياً، ومتكيفاً مع طبيعة المنصات المختلفة (تويتر، فيسبوك، إنستغرام، يوتيوب، تيك توك، وغيرها).
 
-هيمنة المحتوى المرئي والمبسط: الجمهور العالمي يتجه نحو المحتوى السريع والجذاب بصرياً.
 
-تفتت الجمهور: لم يعد هناك جمهور واحد، بل جماهير متعددة ومتخصصة تتطلب رسائل مصممة خصيصاً لها.
 
-التنافسية الشديدة: هناك عدد هائل من الدول والجهات التي تسعى لإيصال رسائلها، مما يتطلب تميزاً وجاذبية للخطاب الأردني.
 
-التعامل مع التحديات الجيوسياسية والإقليمية:
 
-المنطقة المضطربة: يقع الأردن في منطقة تشهد صراعات وأزمات مستمرة، مما قد يؤثر على صورته الخارجية. يحتاج الأردن إلى خطاب يوضح موقفه الحكيم، ودوره في تحقيق الاستقرار، والتحديات التي يواجهها جراء هذه الأزمات (مثل استضافة اللاجئين).
 
-مواجهة الروايات السلبية والمضللة: قد يتعرض الأردن لحملات تشويه أو معلومات مغلوطة تستهدف استقراره أو مواقفه. الخطاب المتجدد يساعد في التصدي لهذه الروايات بشكل فعال ومباشر.
 
-توضيح المواقف الدبلوماسية: يحتاج الأردن إلى شرح مواقفه من القضايا الإقليمية والدولية (مثل القضية الفلسطينية، ملفات سوريا، العراق، لبنان وغيرها ) بوضوح وموضوعية للجهات الدولية المؤثرة والجمهور العالمي.
 
-تعزيز المصالح الوطنية والأهداف التنموية:
 
-جذب الاستثمار والسياحة: الخطاب الإعلامي الخارجي الفعال ضروري لتقديم الأردن كوجهة آمنة ومستقرة وجذابة للاستثمار والسياحة، وتسليط الضوء على المقومات الاقتصادية والثقافية والتاريخية.
 
-الحصول على الدعم الدولي: سواء كان دعماً سياسياً لمواقف الأردن، أو دعماً اقتصادياً لمواجهة التحديات الاقتصادية، أو دعماً إنسانياً لجهوده في استضافة اللاجئين.
 
-الترويج للإصلاحات: إبراز التقدم في مسيرة الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي في الأردن، وتعزيز صورته كنموذج للاعتدال والاستقرار في المنطقة.
 
-بناء الصورة الذهنية الإيجابية وتعزيز القوة الناعمة (Soft Power):
 
-تجديد القوالب المستخدمة:قد يكون لدى بعض الجهات الدولية تصورات نمطية أو غير دقيقة عن الأردن أو المنطقة. الخطاب المتجدد يساعد في تقديم صورة أكثر عمقاً وحداثة.
 
-إبراز الهوية الوطنية والقيم الأردنية: تسليط الضوء على ثقافة الأردن الغنية، قيم التسامح والتعايش، ودوره التاريخي في الحفاظ على التراث.
 
-تعزيز مكانة الأردن الدولية: التأكيد على الأردن كدولة فاعلة ومؤثرة في القضايا الدولية، لا سيما في مجال حفظ السلام والوساطة.
 
-الاستفادة من التطورات الداخلية:
 
مع تزايد أعداد الشباب المتعلم والمتمكن من التقنيات الحديثة، هناك فرصة كبيرة للاستفادة من هذه الطاقات في صياغة خطاب إعلامي أكثر حيوية وتأثيراً.
 
باختصار، يمثل تجديد وتطوير الخطاب الإعلامي الخارجي للأردن ضرورة حتمية لمواجهة تحديات العصر، والاستفادة من الفرص المتاحة، وتحقيق الأهداف الوطنية في عالم شديد الترابط والتنافسية.
 
-تحولات الإقليم وتزايد الاستقطاب
 
النزاعات الممتدة في الجوار العربي، ومحاولات الهيمنة الإقليمية من قوى متعددة، تستدعي أن يملك الأردن صوتًا إعلاميًا قادرًا على شرح موقفه الوسيط بموضوعية.
 
-التأثير المتنامي للرأي العام العالمي
 
لم تعد السياسات الخارجية تُصاغ فقط في الغرف المغلقة، بل أصبحت تحت مجهر الإعلام الدولي، والمنصات الرقمية، ومواقع التواصل الاجتماعي، مما يجعل الخطاب الإعلامي الخارجي أداة دبلوماسية بحد ذاته.
 
-تشويه الصورة وتضارب الروايات
 
يعاني الأردن أحيانًا من تهميش صوته أو تقديم روايات مغلوطة عن دوره الإقليمي، وخاصة في ملفات القدس، واللاجئين، والإصلاح السياسي. وهو ما يفرض ضرورة بناء خطاب قادر على تصحيح الصور النمطية والرد على الحملات الموجهة.
 
سمات الخطاب الإعلامي الأردني المتجدد
 
-التوازن بين الثوابت والمصالح
 
على الخطاب الإعلامي أن يحافظ على الثوابت الوطنية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، دون أن يُغلق الباب أمام التفاعل مع قضايا العصر أو الانخراط في الشراكات الدولية.
 
-التعدد اللغوي والمنصاتي
 
لا يمكن بناء خطاب خارجي فعّال دون الاستثمار في أدوات الإعلام المتعدد اللغات، وعلى رأسها اللغة الإنجليزية، إضافة إلى منصات متخصصة قادرة على مخاطبة صناع القرار، والرأي العام العالمي، والنخب الفكرية في آنٍ واحد.
 
-الاحتراف والمصداقية
 
خطاب يبتعد عن التهويل أو الإنكار، ويعتمد على الحقائق، البيانات، السرد العاقل، ويقدم الأردن كدولة عاقلة وسط إقليم مضطرب، دون الوقوع في فخ المثالية أو الانعزال.
 
-المبادرة وعدم الاكتفاء برد الفعل
 
بناء رواية إعلامية أردنية استباقية يتيح للأردن قيادة بعض الملفات بدل الاكتفاء بالدفاع عن موقفه أو توضيحه بعد فوات الأوان.
 
أدوات التنفيذ
 
-إنشاء منصات إعلامية خارجية رسمية وخاصة
 
ودعم المنصات الناطقة باللغات الأجنبية، أو تلك التي تستهدف الجاليات والفاعلين الدوليين، مثل: موقع إلكتروني حديث، قنوات يوتيوب، نشرات إلكترونية دورية، حملات علاقات عامة ذكية.وإعداد ناطقين إعلاميين متخصصين وتدريب ناطقين رسميين ومحللين أردنيين قادرين على الظهور في الإعلام العربي والغربي باحتراف، مع دعمهم بالمعلومة الدقيقة والتحليل السياسي المتزن.وعقد شراكات إعلامية دولية
 
-بناء علاقات مؤسسية مع وكالات أنباء عالمية ومراكز دراسات كبرى لترويج الرواية الأردنية حول القضايا المحورية، مثل القدس، واللاجئين، والإصلاح.واستثمار الجاليات الأردنية والنخب في الخارج
 
-دعم التواصل مع الكفاءات الأردنية في أوروبا وأميركا لتعزيز الدور الإعلامي الأردني غير الرسمي، عبر مقالات رأي، ومشاركات أكاديمية، وتفاعل مع قنوات غربية.
 
إن تعزيز الخطاب الإعلامي الأردني الخارجي المتوازن ليس ترفًا سياسيًا، بل ضرورة وطنية تمليها الظروف الإقليمية والدولية المتشابكة. خطاب يستمد شرعيته من ثوابت الدولة الأردنية، ويستمد قوته من صدقه وعقله، ويستهدف حماية مصالح الأردن، وتعزيز مكانته، وتصحيح صورته في الأذهان العالمية. فالسياسة لا تكفي وحدها، والإعلام بات ركيزة من ركائز التأثير في عالم متغيّر.