الجريدة -
أهدى لي الزميل أنور الياسين الكتاب مشكوراً ولم يخطر على البال أنه «واكب الإصدار ودعمه» بترجمته وطباعته إلى اللغة العربية، والصادر عن «دار الجديد» في بيروت، وصاحبتها السيدة رشا الأمير، شقيقة الشهيد لقمان سليم.
لم أتوقع أن يذهب بي الكتاب إلى حيث أراده الكاتب والمؤلف البريطاني أليكس راول، والباحث السياسي المتذوق للشعر العربي، والذي أقام في لبنان فترة من الزمن، وله كتاب «خمريات أبونواس».
أنا من جيل وعى على الناصرية والقومية العربية، جيل الستينيات، وخروجي مع الجماهير العربية إلى الشوارع يوم وفاته في سبتمبر 1970 رافعين صوره والأعلام السوداء حزناً على فراقه، بعدما نزلنا إلى شوارع بيروت عام 1967، «جماهير 9 يونيو» تطالب بعودته عن الاستقالة على أثر النكسة التي قصمت ظهر مصر والعرب في الحرب مع إسرائيل.
أكثر زعيم في العالم العربي صدرت عنه كتب، فقد ملئت المكتبات بالإصدارات التي تناولت عهده وحكمه، ومع انتشار الإنترنت وسهولة الوصول إلى المعلومات طغت سيرة الرجل وتوافرت بكثرة وتحولت لدى وسائل التواصل الاجتماعي إلى مسخرة وسخرية.
كتاب أليكس راول، والمترجم بنسخته الجديدة عام 2025، أخذ مساراً معاكساً تماماً لمن سبقه بتناول «ظاهرة الناصرية»، فقد ذهب إلى دراسة الشعوب التي حكمها عبدالناصر، والتي «لم تنصع بالضرورة لاستبداده» كما في مقدمة المؤلف.
الربط بين حكم عبدالناصر وما تلاه هو ما يتناوله هذا الكتاب بتركيزه على سبع دول تحديداً هي: مصر، والعراق، وسورية، ولبنان، والأردن، واليمن، وليبيا.
سار المؤلف في دروب مظلمة وغير مطروقة «التفجيرات، المعسكرات، الاعتقالات، محاولات الانقلاب، الاغتيالات، الغزوات العسكرية، الحروب الكيماوية»، والتي تغيب عن سيرة عبدالناصر ومن كتب عنه، حتى في العالم الناطق بالإنكليزية.
أراد بوضوح أن يرصد ويسرد ويحلل تأثير عبدالناصر على الداخل العربي. الجدل حول عبدالناصر لم يتوقف حتى اليوم، ثورات الربيع العربي لم يغب عنها إرثه بالقمع والاستبداد، وهي أحد دوافع تلك الثورات التي هبّت ضد القمع والفساد والفقر، فالشخص بقي ظله موجوداً، والأحكام الصادرة بحقه لم ترحمه، فمنهم من يؤلّه الزعيم وبعضهم يشيطنه، كما وصفه وزير الداخلية الأردني السابق الجنرال حسين المجالي، فلا منطقة وسطى بينهما؟
يستغرب الباحث الإنكليزي راول حين لا يجد تقييماً جاداً وصارماً ونزيهاً للحكم الذي دام 18 عاماً وترك آثاراً عميقة في المنطقة.
انقسم الناس حوله إلى فئتين: الأولى نظرت إليه كزعيم وطني قاد حركة تحرر، شجاع، نحر تنّين الإمبراطورية الغربية، والثانية وصفته بأنه عميل سوفياتي سلّم مفاتيح الشرق الأوسط إلى موسكو.
وضع المؤلف صورة عن عهد عبدالناصر في إطار غير مألوف، قال عنه: «قام بتدمير ممنهج لمؤسسات الديموقراطية البرلمانية، حظر جميع الأحزاب السياسية، كمم أفواه الصحافة، فتك بأجهزة القضاء، خنق الحريات المدنية، سجن وقتل خصومه، ليس فقط في مصر بل في الخارج».
قد يكون الحكم الذي توصل إليه المؤلف ظالماً بحق قائد عربي كبير، لكن هل تلك الأوصاف تنطبق فقط على عبدالناصر أم أن تلك العلامات مارسها غيره من القادة ولم يجرؤ أحد على أن يتحدث عنها؟
ألحق المؤلف في نهاية الكتاب خاتمة خاصة بالترجمة العربية حول ما آلت إليه الأوضاع في سورية، ونهاية عصر الأسد، ومجيء أحمد الشرع، كتبها في مايو 2025.
الكتاب يفتح أبواباً من النقاش تحتاج إلى من يتجرأ على الاقتراب منها في العالم العربي.