الخير.. المقياس الأوحد*محمود خطاطبة
الغد
يُركز مقطع في أحد الأفلام الهندية، يتكلم عن مناوشات ونزاعات وكراهية بين أتباع ديانتين، على طفل ينظر إلى ما يجري في منطقته من قتل واعتداءات.
وأهم ما جاء فيه، هو عندما يسأل الطفل والدته، بشكل عفوي وتلقائي: “لماذا هؤلاء أشرار، ولماذا يكرهوننا؟”، وأخذ يردد ما يسمعه من قبيل: “إنهم أشرار، إنهم أوغاد، يجب قتلهم”. وهذا مربط الفرس، أو ما يُسمى بـ”حبكة” الموضوع، أو الفيلم، أو القصة، أو الفائدة المرجوة.
اللافت للنظر، هي طريقة رد أو جواب الأم على سؤال طفلها؛ فما كان منها إلا أن قامت برسم رسمة بسيطة، مضمونها أن هناك شخصًا يقدم وردة لآخر، وهو ما يمثل هنا الخير، وبالمقابل هناك شخص آخر يُشهر سيفه أو سكينه أو أداة حادة بوجه آخر يريد أن يقتله أو يؤذيه، وهو ما يمثل هنا الشر.
وبلغة بسيطة، شفافة، واضحة، طلبت الأم من فلذة كبدها أن يجيب على سؤال: أي الشخصين أفضل، ويمثل الخير، بنظرك؟.. ليجيب بلا تردد أو تلعثم، والبراءة في عينيه، أن ذلك الشخص الذي يقدم الوردة هو الأفضل، ومرآة للخير ويمثله.
صورة توحي بأن مخرج ذلك الفيلم يريد أن يوصل رسالة واحدة للعالم أجمع، وليس فقط لأبناء وطنه.. رسالة سمتها الأساس الخير، ومن يمثله، والتي يتبعها أو يلازمها بشكل تلقائي الأخلاق والإنسانية.
وأستطيع أن أصف الحوار الذي دار ما بين الأم وطفلها بأنه أهم درس في هذه الحياة، وبهذا التوقيت بالذات.. فالشخص الذي يمثل الخير، ويقدم كل ما هو مفيد للبشرية، هو الأفضل، أيًا كانت معتقداته، ومبادئه، وأفكاره، وشكله، وجنسه.
نُريد مجتمعًا يؤمن كما تؤمن تلك الأُم، يؤمن بلغة قوامها الأساسي: الأخلاق والإنسانية، يؤمن بالخير وصاحبه أو من يمثله، بعيدًا عن أي تعصب أو تعنت أو عناد أو حقد أو حسد.
يتوجب علينا المضي قدمًا على منوال تلك الأُم، التي أعطت درسًا لطفلها، وأرسلت رسالة حق لكل من يشاهد هذا الفيلم من جميع أنحاء العالم.. درس ورسالة يشتملان على محور أساسي واحد، وهو النظر جيدًا للخير وأهله وفاعليه، بغض النظر عن أي اعتبارات أخرى.. نعم، الخير هو المقياس الأوحد في هذا الكون، الذي ينبغي أن يكون نبراسًا أو دستورًا نقتفي أثره، ونتشبث به بكل ما نملك من قوة، وندافع عنه بألسنتنا وأيدينا وأسناننا وأعيننا.
ذلك الحوار، القائم على الخير والشر، وأتباع كل منهما، يتوجب أن نعلمه نحن لأبنائنا، بداية من الأسرة، مرورًا بالمدرسة فالجامعة، انتهاءً بالحياة العملية، وقبل كل ذلك يتوجب علينا نحن أيضًا أن نتقنه، ونعمل به، قولًا وفعلًا. إذا ما أردنا النهوض والتقدم ببلدنا، وترك العصبية، أو الجهوية، أو الطائفية، أو المناطقية، يجب أن نضع حجر أساس لذلك، يتمحور حول الخير وأصحابه، وجعله المقياس الوحيد لكل خطوة نخطوها.. وهذا ينطبق على الفرد، والأسرة، وأهالي الحي الواحد، وقاطني منطقة معينة، وأولئك الذين يعملون في مكان واحد.
ما يدفعني إلى قول مثل ذلك، ما يُرى ويُسمع من قيل هُنا أو هُناك، والذي يأتي في ظل وضع اقتصادي معيشي صعب، وجوار إما مُلتهب بنزاعات داخلية، أو عصابات إرهابية تحتل أراضي دولة شقيقة، باتت قاب قوسين أو أدنى على البدء بعملية تهجير لمواطني هذه الدولة، وإن لم ينفع التهجير، فهم بالأصل يتعرضون لإبادات جماعية.
مرة ثانية، الذي يُمثل الخير، بغض النظر عما يُؤمن به، هو المقياس الأوحد.. فقد يكون هُناك أخ أو قريب، وبعيد كُل البعد عن الخير، ما يوجب الابتعاد عنه، وعدم نُصرته أو مؤازته، أو حتى مُحاباته ومُجاملته.
وعلى العكس تمامًا، فقد يوجد شخص “غريب”، أو لا يتكلم لُغتنا، ولا ينتمي لعاداتنا وتقاليدنا، لكنه يُمثل الخير، فذلك يجب مؤازرته، وجعله مقياسًا أو نبراسًا للبناء عليه، لما فيه مصلحة الوطن.
خلاصة القول، الناس نوعان: إما أشخاص صالحون أو أشرار.