عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    03-Oct-2025

الرواية فضاء مفتوح: البنية وأسئلة المعنى عند محمد شاهين

 الغد-عزيزة علي

 يقدّم الدكتور محمد شاهين في كتابه "آفاق الرواية: البنية والمؤثرات" قراءات نقدية لمجموعة من أبرز الأعمال الروائية العربية، واضعًا القارئ أمام ثراء التجربة الروائية وتعدد مستوياتها الفنية والفكرية. وهي قراءات لا تدّعي الشمول ولا الاكتمال، بقدر ما تروم إضاءة مسارات وأسئلة تستدعي المزيد من النظر والتأمل.
 
 
 
كما يقدّم الكتاب، الصادر عن دار الفينيق للنشر والتوزيع في نسخته الثانية، إسهامًا متواضعًا في حقل النقد الروائي، لكنه يفتح أبوابًا واسعة للباحثين والمهتمين، ويؤكد أن الرواية بما تمتلكه من حرية وانفتاح قادرة على أن تظل الحاضن الأرحب لأحلام الإنسان وأسئلته الكبرى.
وتأتي هذه الدراسة النقدية لتضيء جوانب متعددة من مسار الرواية العربية، في بنيتها ومؤثراتها، ولتكشف عن قدرتها على التجدّد والانفتاح على آفاق لا متناهية من التعبير عن الواقع والخيال معًا. فالرواية، بوصفها الجنس الأدبي الأقرب إلى نبض الحياة، لا تسعى إلى تقديم صورة مكتملة أو نهائية للعالم، بل تظل فضاءً مفتوحًا للتأويل والاختلاف والبحث الدائم عن معنى.
يضم الكتاب دراسات نقدية تناولت عددًا من الأعمال الروائية، منها: السندباد يعود: أمل منشود وطريق مسدود ، ألف ليلة وليلة: الرواية والمتلقي وما بينهما الزمن، عودة الروح، آمال عظام، موسم الهجرة إلى الشمال: دهشة السر الأسطوري وما بعدها، سراب عفان: حصاد المرايا المهشمة، إميل حبيبي: ذات جماعية ليست للنسيان، سيرة مدينة: تاريخ تشفع له الذاكرة، مدن الملح: الأخدود والكنز المفقود، و ما تبقّى لكم: رحلة في قلب الظلام.
 
وفي مقدمة الكتاب، يشير الدكتور شاهين إلى أن رواية "آنا كارنينا"، تحفة تولستوي الخالدة، التي تبدأ بالقول: "إن حياة كل عائلة سعيدة تشبه حياة غيرها من العائلات السعيدة، أما تاريخ كل عائلة تعيسة فهو تاريخ له خصوصيته المتميزة والمختلفة".
موضحًا أن هذه الجملة الافتتاحية تُتداول كثيرًا بين النقاد والقراء بوصفها مثالًا للبداية الموفّقة في العمل الروائي، إذ يضع تولستوي القارئ منذ اللحظة الأولى في إطار منظور الرواية، ويُبقيه مشدودًا إليه حتى آخر سطورها.
ويبين شاهين أن استبعاد واقع الحياة السعيدة، لما فيه من تسطيح واستهلاك، يقود إلى التركيز على الواقع المغاير المليء بالصراع والمدّ والجزر، وهو ما يمنح الراوي، ومن ثم القارئ، فرصة للتوغّل في أعماق النفس البشرية المترامية الأطراف.
ويضيف أن إحدى قراءات هذه البداية تفيد بأن كل رواية، مثل حياة كل أسرة بائسة، لها تميّزها واختلافها؛ أي أن لكل رواية خصوصية لا تتكرر في أخرى. ولعل ما يدفعنا إلى الإقبال بشغف على قراءة الروايات هو هذا الاختلاف فيما بينها، وهو أيضًا ما يجعل عقد المقارنات ممكنًا، استنادًا إلى فرادة التمايز لا إلى وضوح التشابه.
ويرى أن الانفتاح اللامحدود على الواقع هو ما يمنح الرواية حرية الحركة والتعبير أكثر من أي جنس أدبي آخر، ويُبعدها عن التأطير، ويتيح لها فرصة إظهار التميز والاختلاف في كل عمل روائي.
ولعل هذا ما دفع فورستر إلى القول: إن مجموعة من الكتّاب، لو اجتمعوا حول طاولة مستديرة كتلك الشهيرة في مكتبة المتحف البريطاني، وكُلّفوا بكتابة رواية عن موضوع موحّد، لخرج كل منهم برواية مختلفة تمامًا عن الآخر.
وربما هو أيضًا ما جعل "فرجينيا وولف" في زمن الحداثة تؤكد أن أي موضوع يصلح أن يكون مادة للرواية، فلا ضرورة لحصرها في موضوعات تقليدية مألوفة، مثل: الحب، الزواج، الثروة، الملهاة، المأساة، وغيرها من القوالب التي شغلت الرواية الفكتورية.
ويشير إلى أن فرجينيا وولف أرادت أن تبيّن أن الرواية لا تملك، بل ولا تستطيع أن تمنح نفسها، الحق في تقديم صورة كاملة أو حتى شبه كاملة عن الواقع، على الرغم من كونها أقرب الأجناس الأدبية إلى الواقع المعيش وأقدرها على التعبير عنه.
ويضيف شاهين أن الروائي في القرن العشرين بات ينظر إلى الرواية بوصفها شكلاً مفتوحًا، دون ادعاء امتلاك القدرة على تقديم صورة متكاملة أو متنامية لواقع لا متناهٍ. وهذا يختلف عن التصوّر الذي ساد في القرن التاسع عشر، والذي كان يرى في الرواية وسيلة للسيطرة على الواقع.
ويبيّن أن خلاصة القول هي أن الراوي الحديث يسلك نهجًا مغايرًا في تعامله مع الواقع، من دون أن يأمل، كما كان يفعل الراوي قديمًا، في الوصول إلى نهاية محددة. فكل رواية تقدم شيئًا مختلفًا في خضم واقع لا نهائي، ويظل الراوي يروي من دون أن يدرك ذلك.
ويخلص شاهين إلى أن بعض فصول هذا الكتاب كانت قد نُشرت ضمن كتب تكريمية أو في مناسبات مختلفة، فرأى أن يجمعها في مؤلف واحد ليسهُل الاطلاع عليها، إذ إن الكتاب أقرب إلى القرّاء من الدوريات ووقائع المؤتمرات والندوات. وهو يوضح أن ما يقدمه ليس دراسة شاملة أو صورة مكتملة لنقد الرواية، بل رؤى خاصة وإسهام متواضع يفتح أفقًا قد يفضي إلى آفاق أرحب للباحثين في هذا الحقل.
وحول مقالة "سيرة مدينة: تاريخ، التي أُضيفت في هذه الطبعة الثانية بعد أن ظهرت أول مرة في مجلة الطريق التي خصصت عددًا خاصًا لعبد الرحمن منيف، يقول شاهين إنه تلقى يومها ثناءً مميزًا من منيف نفسه على هذه المقالة. وفي آخر لقاء جمعه به، سأله منيف عن سبب استبعادها من الطبعة الأولى الصادرة في دمشق، فأجابه بأن القرار كان للمحرر الروائي المشرف على النشر. فردّ منيف – بأدبه الجم المعروف – بأن من حقه ألا يعتبر سيرة مدينة رواية. ويضيف شاهين: "ها أنا أعيد اليوم نشر ما كتبته أول مرة عن سيرة مدينة في هذا السفر، إكرامًا – على الأقل – لصاحب السيرة التي خلد فيها مدينة صباه، لتبقى ذكرى تتناقلها الأجيال."
ويتابع: "وفي جميع الأحوال، لا ضير في أن نعد سيرة مدينة رواية؛ فآفاق الرواية، كما هو معروف، لا حدود لها. وربما هذا ما منحها، كجنس أدبي، كل هذا المجد. ويكفي أن نستذكر مرايا نجيب محفوظ، التي لا نجد صعوبة في تصنيفها ضمن الرواية، لنرى في سيرة مدينة مرايا عبد الرحمن منيف، بكل ما تحمله من واقع وواقعية، حيث تتجلى شخصيته بوصفها الشخصية الرئيسة التي تطل على الحياة من نافذة الخيال، لا من نافذة التاريخ السير ذاتي."