عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    07-Jul-2025

الصبر الاستراتيجي*إسماعيل الشريف

 الدستور

سأفكر في قصف إيران مرة أخرى إذا قامت بتخصيب اليورانيوم إلى درجة تثير قلقي-  ترامب.
 
أخطأ جميع المحللين -وأنا منهم - حين توهّمنا أن استهداف البرنامج النووي الإيراني سيكون على شاكلة «خيار شمشون» الصهيوني، في إشارة إلى البطل اليهودي الأسطوري الذي، حين وقع في قبضة أعدائه واقترب أجله، قرّر أن ينهار الهيكل عليه وعليهم معًا. كنا نتوقّع أن تردّ إيران بإشعال المنطقة بأسرها، من آبار النفط إلى القواعد الأميركية، وأن تكون تلك الضربة هي الشرارة الأولى لحرب عالمية ثالثة.
 
لكن شيئًا من ذلك لم يحدث. فلم تستهدف طهران أحدًا سوى الكيان، ولم يشارك أي من حلفائها في المواجهة. واقتصرت ضرباتها على الكيان وهجوم محدود استهدف قاعدة «العديد» الأميركية، فتعرّضت للسخرية، وتشمت بها الأعداء، وبدت وكأنها ابتلعت الإهانة في صمت.
 
ويبقى السؤال الجوهري: لماذا لم تلجأ إيران إلى «خيار شمشون»؟
 
الجواب البسيط والمباشر أن توسيع إيران لدائرة الحرب كان سيعني انتحارها وتدميرها الكامل على يد الولايات المتحدة. فـ»خيار شمشون» لا يُستخدم إلا حين تفقد الدولة كل ما يمكن أن تخسره. وبناءً عليه، يمكن القول إن إيران لا تزال تحتفظ بأوراق قوة، وطالما أنها تملك شيئًا لتخسره، فلن تُشعل النار في الإقليم.
 
يصرّح الرئيس ترامب تارة بأنهم دمّروا البرنامج النووي الإيراني بالكامل، وتارة أخرى بأنهم أعادوه عقودًا إلى الوراء. وبين هذين التصريحين يتجلّى تناقض لا يمكن تجاهله.
 
وبعيدًا عن بهرجة السياسيين وخُطب الانتصار، تبقى تصريحات المختصين، وعلى رأسها الوكالة الدولية للطاقة الذرية، هي الأكثر دقة وأهمية. إذ تؤكد الوكالة أن إيران لا تزال تمتلك جميع مكونات تصنيع السلاح النووي، ولا تحتاج سوى إلى تجميعها لإنتاج ما يصل إلى تسعة رؤوس نووية. ويُعتقد أن إيران قامت بتوزيع كميات صغيرة من اليورانيوم عالي التخصيب في أماكن سرية، لا يعلم مواقعها إلا الله. بل تذهب الوكالة إلى أبعد من ذلك، فتشير إلى أن إيران تحتفظ بعدد كبير من أجهزة الطرد المركزي، موزعة بدورها في مواقع مختلفة، فضلًا عن امتلاكها أطنانًا من «الكعكة الصفراء» القابلة للتخصيب لإنتاج أسلحة نووية.
 
وهذه التقارير تبدو منطقية؛ فكل دولة تُقدّر مصالحها وتملك مشروعًا نوويًا لا بد أن تتخذ احتياطاتها وتحمي بنيتها التحتية الحساسة. أما الحكومات التي تُفرّط بذلك، فهي من أغبى الحكومات على وجه الأرض، وهذا بالتأكيد لا ينطبق على إيران. ومن هنا، فإن الضربات الأميركية لم تكن كافية، ويبدو أن إيران باتت قادرة على تصنيع رؤوس نووية في وقت قريب جدًا.
 
وتبقى القضية الأهم هي تلويح إيران بالانسحاب من معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، بعد تصويت البرلمان ومصادقة مجلس صيانة الدستور على قرار تعليق الاتفاقية إلى حين الحصول على ضمانات بعدم استهداف برنامجها النووي. ومع ذلك، فإن الانسحاب ليس إجراءً بسيطًا، إذ يتطلب توجيه إنذار رسمي قبل ثلاثة أشهر من تاريخ التنفيذ. ولا شك أن هذا الانسحاب في نظر الولايات المتحدة وحلفائها سيُعدّ بمثابة إعلان حرب.
 
لذلك، يتحدث أبرز المحللين الاستراتيجيين، وتؤكّد التقارير المدعومة بتصريحات قادة الكيان، أن الحرب قد تعود في أي لحظة، وربما في الأسبوع المقبل، تحت شعار «إنهاء البرنامج النووي الإيراني». إلا أن الهدف الحقيقي يتجاوز ذلك بكثير، إذ يتمثل في إسقاط النظام، باعتباره الضمانة الوحيدة لإنهاء البرنامج بشكل نهائي. وعندها فقط، قد تجد إيران نفسها مضطرة للجوء إلى خيار شمشون.
 
في خضم هذه التوترات، يشعر الغرب والكيان الصهيوني بالدهشة من الموقف العربي المتعاطف نسبيًا مع إيران، رغم الخلافات العميقة معها. فقد عبّرت العديد من الدول العربية عن رفضها استهداف إيران، وأعلنت عدم مشاركتها في أي مواجهة ضدها. ويبدو أن هذا الموقف نابع من إدراك متزايد بأن التهديد الأخطر للأمن القومي العربي لا يزال يتمثل في الكيان الصهيوني، وأن سقوط إيران لن يؤدي إلا إلى تعظيم نفوذ الكيان في المنطقة.