دور مصر فى دعم لبنان.. جيوسياسية الدبلوماسية والتنسيق القومى* حسين دعسة
الدستور المصرية -
عاشت الورقة السياسية الأمنية اللبنانية فى أدراج الدولة، وهى أى لبنان تنادت خلال أكثر من 72 ساعة إلى خوض عمار حراك سياسى أمنى، وفق ملفات جيوسياسية، تتصارعها مصالح يديمها العدو الإسرائيلى الصهيونى، فكان الوسيط الأمريكى مع دعوات طائرة لتوسيع عمل لجنة «الميكانيزم» وبالطبع واشنطن، بدورها كانت تريد مفاوضات سياسية مباشرة برّاك السياسى العنيد يلغى زيارته لبيروت.
عمليًا، استنادًا للنظريات التى تفسر طبيعة الحراك السياسى والأمنى، بيروت جعلت «حالة اللا تفاوض واللا حلول مرحلة»، معلقة لتحسم من الإدارة الأمريكية، وبقيت مضامين اللقاءات التى شهدتها بيروت فى اليومين الماضيين، ولا سيما اجتماعات مدير المخابرات العامة المصرية حسن رشاد، مدار بحث فى الكواليس السياسية، خصوصًا أن ما سُرّب عن لقاءات الموفدين مع المسئولين اللبنانيين، أشارت إلى أنهم لم يحملوا أى تهديد بالحرب.
أظهرت الحصيلة الأولية لاجتماعات واتصالات الساعات الماضية أنّ لبنان مُقبِل على موجة متصاعدة من الضغوط السياسية، تترافق مع رفع وتيرة الاعتداءات الإسرائيلية على أراضيه، وهذا مرهون بالضغط الأمريكى الأوروبى المشترك.
المبعوثة الأمريكية مورجان أورتاجوس، يبدو أن جولتها فى لبنان، فى حراك متعمد، مثلما أفيد أن المبعوث الأمريكى توم برّاك عدل عن زيارة بيروت لأنه «لا يرى حاجة للزيارة فى هذه المرحلة إنّما سنتابع سياسة الضغط»، وتردد أن برّاك قال إنه لا داعى للحضور إلى لبنان لأنّ السياسيين اللبنانيين يعرفون الرسالة، وفق معطيات سياسية فى بيروت..
وقالت مصادر مواكبة لزيارة أورتاجوس للمسئولين اللبنانيين، إن «الخطة اللبنانية وآلية تنفيذها لحصر السلاح»، تحظى بموافقة الجانب الأمريكى، لكن الملاحظات تتركز على السرعة فى تنفيذها، كما طرحت أورتاجوس توسيع لجنة «الميكانيزم» لتضم مدنيين إلى جانب العسكريين.
وقالت المصادر إن التهويل بتهديدات إسرائيلية لتصعيد عملياتها فى العمق اللبنانى، «مصدره تسريبات مختلفة مررها الإعلام اللبنانى»، وإنه «لا صحة لتهديدات إسرائيلية نقلها موفدون دوليون إلى لبنان».
من جانبها توقعت صحيفة «الأخبار» اللبنانية أنّ الجانب الأمريكى دخل فى مرحلة:[إعادة صياغة لدوره فى الملف اللبناني]، وسط اعتقادٍ بأنّ وصول السفير الجديد ميشال عيسى إلى بيروت خلال الأيام العشرة المقبلة سيفتح الباب أمام مستوى جديد من المتابعة والاهتمام الأمريكي بالوضع اللبنانى.
وبحسب مصادر مطّلعة على تواصلٍ مع العاصمة الأمريكية، فإنّ جولة «المستشارة» مورجان أورتاجوس- وهى الصفة التى مُنحت لها من قبل إدارة لجنة الـ«ميكانيزم» - لم تحمل جديدًا نوعيًا لجهة توقّع أى تبدّل فى السلوك الإسرائيلى. فالمسئولة الأمريكية، التى استمعت إلى تقارير تتعلّق بعمل الجيش اللبنانى من جهة، وبالاتصالات السياسية الجارية من جهةٍ ثانية، كرّرت أمام جميع من التقت بهم أنّ «المعطيات المتوافرة لدى واشنطن تفيد بأنّ لبنان لم يفِ بما تعهّد به الرئيسان جوزيف عون ونواف سلام، وأنّ الجيش اللبنانى لا يقوم بكلّ ما يستطيع فعله لنزع سلاح حزب الله».
منطق العلاقات المتوفرة بين الموفد الأمريكى ورجال الدولة من أطياف الحكومة، لا تتقاطع مع مقولات أن أورتاجوس دعت إلى عدم التعويل على وصول السفير الأمريكى الجديد، معتبرةً أنه «يفتقر إلى الخبرة السياسية الكافية»، فإنها شدّدت على أن الاهتمام الأمريكى ينصبّ اليوم على «إقناع لبنان بأن المفاوضات المباشرة مع إسرائيل تمثّل المدخل الأمثل لمعالجة الملفات العالقة»، وهو تكرار لما سبق أن نقله المبعوث الأمريكى توم برّاك الذى أرجأ زيارته لبيروت التى كانت مُرتقبة خلال الساعات المقبلة، من دون أن يحدّد موعدًا جديدًا.
وبحسب المصادر، فقد أوضح برّاك أنه ينتظر مباشرة السفير الأمريكى الجديد عمله لتنسيق الخطوات المقبلة، مشيرًا إلى أن التقارير التى وصلته لا تشجّعه على القدوم حاليًا، إذ لا يرى ما يستحقّ النقاش الجدّى فى بيروت. ونُقل عنه قوله، إنّ «على اللبنانيين أن يعتادوا من الآن فصاعدًا على وتيرة مختلفة من الاهتمام الأمريكى، وأن واشنطن لن تمارس أىّ ضغط على إسرائيل فى المرحلة المقبلة، بل لن تتدخّل فى أى خطوة إسرائيلية، محمّلًا لبنان المسئولية الكاملة عن أى تطوّر قد يحصل».
لكنّ مصادر لبنانية، وفق المصادر المحلية فى قصر بعبدا، أوضحت أن تأجيل برّاك زيارته لا يرتبط فقط بعدم وجود جديد ميدانى أو سياسى، بل بما تبلّغه من مواقف منسوبة إلى الرئيس عون، ومفادها بأن لبنان أجرى بالفعل مشاورات على مستوى الرؤساء والقوى السياسية البارزة، ولا يرفض مبدأ المفاوضات من حيث المبدأ، لكنه يرى أن لجنة الـ«ميكانيزم» هى الإطار الأنسب لإدارتها. وأضافت المصادر أن التطور الأبرز فى الموقف اللبنانى تمثّل فى إبداء استعدادٍ لقبول رعايةٍ أمريكية للحوار عبر اللجنة نفسها، شرط أن يقتصر الحضور على ممثّلين تقنيين وعسكريين من الجانبين اللبنانى والإسرائيلى، وهو طرحٌ وصفته المصادر بأنه محاولة لفتح نافذة محدودة للحوار غير السياسى، تُرضى واشنطن من دون أن تمسّ بالثوابت اللبنانية.
الحقيقة، إن الردودّ الرسمية، اللبنانية، استفزّت الجانب الأمريكى، ولا سيما براك، الذى كان قد ألمح سابقًا إلى أن رئيس الجمهورية يتحمّل مسئولية مباشرة عن الجمود القائم. ووفقًا لمصادر على تواصل مع العاصمة الأمريكية، فقد ذكّرت واشنطن الرئيس عون بما تنصّ عليه المادة 52 من الدستور اللبنانى، والتى تمنحه صلاحية التفاوض فى المعاهدات والاتفاقات الدولية بالاتفاق مع رئيس الحكومة، مع إمكانية تسمية مندوبٍ عنه للمشاركة فى مفاوضات مباشرة. وأوضح الأمريكيون تفاديًا لأى تأويل أو محاولة لبنانية للمناورة، أنهم يسعون إلى إدارة حوار سياسى مباشر بين ممثّلين مفوّضين من حكومتَىْ لبنان وإسرائيل، وبرعاية أمريكية كاملة، على غرار ما يجرى فى المفاوضات السورية – الإسرائيلية.
* حقائق عن «الميكانيزم»
فى متابعات تحليلات «النهار» البيروتية: فى ما يتصل بزيارة الموفدة الأمريكية مورجان أورتاجوس للبنان، حيث شاركت أمس فى اجتماع لجنة «الميكانيزم» فى الناقورة، بدا أن ثمة تغييرًا وتطويرًا لافتين فى الشكل والمضمون واكبا هذا الاجتماع تمثلا خصوصًا فى الإشادة الأمريكية باحترافية الجيش وتحديد أورتاجوس لنهاية السنة موعدًا لحصرية كل السلاح فى يد الجيش.
وكتبت صحيفة الحزب القومى السورى «البناء» أنّ أورتاجوس طرحت على المسئولين اللبنانيين تفعيل عمل اللجنة الخماسية للإشراف على اتفاق وقف إطلاق النار، وتحويله إلى لجنة للتفاوض غير المباشر بين لبنان و«إسرائيل» مع تطعيم اللجنة بمدنيين خبراء واختصاصيين فى ترسيم الحدود والخرائط.
غير أنّ مصدرًا نيابيًا نفى موافقة الرئيس برى أو رئيس الجمهورية حتى الآن على إشراك مدنيين فى الوفد المفاوض اللبنانى.
كما علم أنّ رئيس الجمهورية أبلغ أورتاجوس بوضوح أنّ استمرار الاعتداءات الإسرائيلية والاحتلال سيعوق الوصول إلى حلول للصراع القائم على الحدود، مؤكدًا أنّ لبنان طبّق ما عليه فى اتفاق 27 تشرين والكرة فى الملعب الإسرائيلى، وطالب أورتاجوس بتفعيل لجنة الميكانيزم والضغط على «إسرائيل» وقف اعتداءاتها والانسحاب الى الخط الأزرق وإجراء مفاوضات لتثبيت الحدود الدولية، لكى يتمكن لبنان من استكمال تطبيق خطة الدولة والجيش لحصر السلاح فى كامل الأراضى اللبنانية.
وكتبت «نداء الوطن»: ساد تفاؤل حذر الأوساط الرسمية بعد زيارة الموفدة الأمريكية مورجان أورتاجوس وأشارت مصادر رسمية إلى أن لبنان أكّد المضىّ فى المفاوضات غير المباشرة فى حين لم يعرف بعد رأى إسرائيل، ويتوقف كلّ ذلك على النيات الإسرائيلية ومستوى الضغط الأمريكى على تل أبيب للالتزام بالهدنة ووقف إطلاق النار.
ولم تنكر المصادر وجود ضغوط أمريكية أيضًا على لبنان من أجل الإسراع فى تسليم السلاح غير الشرعى، ما قد يرفع مستوى التوتر على الساحة اللبنانية وسط عدم تجاوب «حزب اللّه» مع هذا المطلب.
صحيفة «اللواء» المقربة من الأوساط السورية، حركت نيران المرحلة: بقى موضوع جمع السلاح الذى أثارته مجددًا الموفدة الأمريكية مورجان أورتاجوس خلال اجتماع اللجنة الخماسية طاغيًا، وسط معلومات عن الغاء الموفد السفير توم براك زيارته إلى لبنان والاستعاضة عنها برسالة الى المسئولين مفادها «بأن اللبنانيين يعرفون ما هو المطلوب منهم». فى إشارة إلى جمع السلاح والتوجه نحو مفاوضات مباشرة مع كيان الاحتلال الاسرائيلى، علمًا بأن لبنان الرسمى حسم موقفه لجهة التفاوض حول المواضيع الأمنية فى الجنوب عبر لجنة «الميكانيزم» مقابل الطلب الأمريكى بتطعيمها بموظفين مدنيين.
وأفيد بأن أورتاجوس ستبقى تتابع الوضع اللبنانى لحين الانتهاء من مهلة جمع السلاح نهاية السنة الحالية وفق خطة الجيش.
وكشفت مصادر مطلعة لـ«الديار» بأن نتائج زيارة الموفدة الأمريكية مورجان أورتاجوس ولقاءاتها مع الرؤساء الثلاثة تتلخص بممارسة المزيد من الضغط على لبنان من أجل إنجاز اتفاقية أمنية مع «إسرائيل» تتجاوز إطار اتفاق وقف إطلاق النار واتفاقية الهدنة.
وأضافت أنها ركزت على مبدأ التفاوض للتوصل لهذا الاتفاق، مطالبة بتشكيل لجان متابعة تحت مظلة لجنة مراقبة وقف النار «الميكانيزم» لمتابعة مختلف القضايا التى تندرج فى هذا الإطار، وتطعيمها إلى جانب العسكريين والتقنيين بأعضاء مدنيين».
ولفتت المصادر إلى أن الرسالة الثانية التى حملتها أورتاجوس من «إسرائيل» هى منع حزب الله من التسلح واعادة بناء قدراته العسكرية استنادًا إلى التقارير الأمنية الإسرائيلية مؤخرًا التى تحدثت عن تمكن الحزب من إدخال كميات من الصواريخ والأسلحة إلى لبنان عن طريق سوريا.
وردًا على سؤال قالت المصادر إن الكلام عن أجواء جيدة سادت خلال لقاءات أورتاجوس مع رؤساء الجمهورية والمجلس والحكومة تعود إلى أنها لم تستخدم لغة التهديد المباشر كما روج بعض وسائل الإعلام قبل الزيارة، لكنها ركزت فى الوقت نفسه على التحذير من هدر الوقت واستفادة لبنان من الفرصة المتاحة من خلال السياسة التى تمارسها الإدارة الأمريكية لإنهاء الحروب فى المنطقة، مشددة على نزع سلاح حزب الله فى كل لبنان.
وحثت الجيش على تنفيذ خطته كاملة فى هذا الخصوص، منوهة فى الوقت نفسه بما قام به حتى الآن فى جنوبى الليطانى.
الإيجابية فى لقاءات أورتاجوس موافقتها على العمل من خلال لجنة الميكانيزم مع توسيع اللجان فيها.
وفى المقابل قال مصدر سياسى لـ«الديار»: «صحيح أن أورتاجوس لم تأت بتهديدات مباشرة، لكنها فى أحاديثها مع الرؤساء لم تعط أى جواب حول الاعتداءات الإسرائيلية والتصعيد المستمر، بل تبنت وجهة نظر العدو بتركيزها على نزع سلاح حزب الله».
وقال «إن الإدارة الأمريكية تعمل من أجل إدخال لبنان فى مفاوضات مباشرة على مستوى الأمنى والسياسى على غرار ما يحصل بين سوريا و«إسرائيل»، اعتماد النموذج السورى، وانظروا ماذا يجرى فى ظل هذا النموذج من انتهاكات وتمدد إسرائيلى فى الجنوب السورى، وعمليات أمنية وعسكرية إسرائيلية يومية داخل الأراضى السورية».
* الإشادة باحترافية الجيش اللبناني
عمليا، استنادا النظريات تفسر طبيعة الحراك السياسى والأمنى، بيروت جعلت حالة اللا تفاوض واللا حلول مرحلة، معلقة لتحسم من الإدارة الأمريكية، وبقيت مضامين اللقاءات التى شهدتها بيروت فى اليومين الماضيين، ولا سيما اجتماعات مدير المخابرات العامة المصرية حسن رشاد، مدار بحث فى الكواليس السياسية، خصوصًا أن ما سُرّب عن لقاءات الموفدين مع المسئولين اللبنانيين، أشارت إلى أنهم لم يحملوا أى تهديد بالحرب.
واجتمعت لجنة الإشراف على تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار فى رأس الناقورة أمس. وعلى غرار الاجتماعيْن السابقيْن خلال الشهرين الماضيين، حضرت أورتاجوس الاجتماع إلى جانب رئيس اللجنة الجديد، الجنرال جوزيف كليرفيلد، وممثّلين عن الجيش والجيش الإسرائيلى وقائد «اليونيفيل» ديواتو أبانيارا.
وكان اللافت هذه المرة، بحسب جريدة «الأخبار» عدم اتخاذ الجيش أى إجراءات عسكرية إضافية فى محيط الاجتماع، فيما وصلت أورتاجوس بطوافة عسكرية واكتفت بالمشاركة فى الاجتماع من دون القيام بجولات أو لقاءات جانبية.
لبنان الرسمى، استعرض، الانتهاكات الإسرائيلية لاتفاق وقف إطلاق النار، ما يعوق الجيش عن تنفيذ خطته وانتشاره على كل الأراضى اللبنانية». وتوقّفت المصادر عند التوافق الأمريكى - الإسرائيلى على توسيع عمل اللجنة «لتصبح الإطار الدولى المُعتمد للتواصل بين لبنان والعدو، وارثةً دور اليونيفل».
وبحسب المصادر، تحاول أمريكا الضغط على الجيش مجدّدًا للعب دور رئيسى فى التفاوض المباشر أو غير المباشر مع العدو ضمن إطار الـ«ميكانيزم»، باعتباره ممثّل لبنان فيها، لكنّ ضباط الجيش أبدوا تحفّظهم عن الطروحات بانتظار التوافق السياسى اللبنانى، خصوصًا أن اتفاق وقف إطلاق النار لم يلحظ التفاوض السياسى، بل اقتصر على ترتيبات ميدانية عسكرية تشمل الانسحاب الإسرائيلى وانتشار الجيش. ووصفت المصادر الاجتماع بـ«غير الإيجابى» لجهة موقف أمريكا وإسرائيل من أداء الجيش.
حالة اللجنة الخماسية
«الشرق الأوسط» السعودية، أعادت الى الساحة السياسية مقاربات عن كيف: انتقلت اللجنة الخماسية للإشراف على تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل «الميكانيزم»، إلى مسار جديد يتمثل بتنظيم اجتماعات بشكل أكثر منهجية، وإضفاء الطابع الرسمى على جدول الاجتماعات، حسبما أعلنت السفارة الأمريكية فى بيروت فى بيان عقب اجتماع اللجنة، برئاسة الجنرال الأمريكى جوزف كليرفيلد، فى مقر القوات الدولية العاملة فى جنوب لبنان بالناقورة الحدودية.
ويُنظر إلى هذا الاتفاق فى الاجتماع على أنه تطوير لمسار عمل اللجنة، حيث باتت اجتماعاتها منتظمة، وهذا ما واظبت الدولة اللبنانية على المطالبة به، بالنظر إلى أن لجنة «الميكانيزم» هى الآلية الوحيدة القائمة لخفض التوتر ومعالجة الخروق ومنع التصعيد.
وظهرت مؤشرات إيجابية نتيجة الاجتماع، أولها البيان الذى صدر عن السفارة الأمريكية الذى أعلن عن تفاصيل الاجتماع؛ إذ لم تصدر بيانات رسمية عقب الاجتماعات الأربعة السابقة على الأقل، ولم تصدر لا عن الجانب الأمريكى ولا الجيش اللبنانى ولا «يونيفيل».
أما المؤشر الثانى، فيتمثل بالإشادة بعمل الجيش اللبنانى، وإطلاع لجنة «الميكانيزم» على عملياته التفصيلية، والإشارة إلى «مساءلة (الطرف الذى يخرق وقف النار) فى إطار ترتيبات وقف الأعمال العدائية».
مصادر واسعة الاطلاع، بحسب «البناء»، لفتت: مصادر سياسية لاحظت أنّ بيان اللجنة الخماسية لمراقبة وقف إطلاق النار لم تُدِن الاعتداءات الإسرائيلية، ولم تسمِ «إسرائيل» بالاسم، ولم تُشرِ إلى خروقاتها للقرار 1701 واتفاق 27 تشرين، ولم تحثّ «إسرائيل» إلى وقف عدوانها على لبنان ولا الانسحاب من الأراضى المحتلة ولا إعادة الأسرى، كما لم تحدّد آليات عسكرية وعملانية وقانونية وسياسية ودبلوماسية لإلزام «إسرائيل» بوقف العدوان والانسحاب، مكتفية بعبارة مموّهة: «بحثت اللجنة فرص التخفيف المستمرّ من انتهاكات ترتيبات وقف الأعمال العدائية»، متسائلة: التخفيف يعنى أنّ «إسرائيل» لن توقف اعتداءاتها وخروقاتها. وأوضحت المصادر لـ«البناء» إلى أن لا مصلحة لـ«إسرائيل» بالانسحاب ووقف عدوانها فى الوقت الراهن قبل أن تفرض على لبنان الشروط الأمنية والسياسية، لا سيما التفاوض المباشر لتشريع المكاسب الأمنية والعسكرية الإسرائيلية فى الجنوب، متوقعة استمرار الوضع على حاله فى المدى المنظور مع تصعيد عسكرى إسرائيلى إضافى لا يجرّ إلى حرب واسعة النطاق.
* نص بيان لجنة «الميكانيزم»
وزعت السفارة الأمريكيةفى العاصمة اللبنانية بيروت، بيانًا أشارت فيه إلى ديباجة سياسية تقول:
* ديباجة
أن «كبار القادة عقدوا الاجتماع الثانى عشر للجنة الإشراف على وقف الأعمال الحربية «الميكانيزم» فى الناقورة لمراجعة التقدم الذى أحرزه الجيش اللبنانى فى الحفاظ على ترتيبات وقف الأعمال العدائية، وتعزيز جهود نزع السلاح فى لبنان.
*1:
الجلسة، التى استضافتها اليونيفيل، ضمت كلًا من الجنرال الأمريكى جوزف كليرفيلد، رئيس اللجنة، والمستشارة مورجان أورتاجوس، بالإضافة إلى ممثلين كبار من جميع الوفود.
*2:
أكد جميع الأعضاء التزامهم المشترك بدعم الاستقرار فى لبنان، واتفقوا على تنظيم الاجتماعات بشكل أكثر منهجية، معلنين أن الاجتماعات التالية من الثالث عشر إلى السادس عشر للّجنة ستُعقد قبل نهاية العام».
*3:
قال الجنرال كليرفيلد، «إن إضفاء الطابع الرسمى على جدول الاجتماعات يضمن توافق جميع المشاركين، اطلاعهم الكامل، واستعدادهم لتقديم تحديثات شفافة إلى المجتمع الدولى. إن هذا النهج يعزّز الكفاءة العملانية ويبنى الثقة المشتركة الضرورية لتحقيق السلام الدائم فى لبنان».
كما أردف قائلًا «إن احترافية الجيش اللبنانى والتزامه جديران بالملاحظة. لقد شاهدته ينفّذ مجموعة واسعة من العمليات، بدءًا من توفير الحماية لعمليات حصاد الزيتون، وصولًا إلى تنفيذ عمليات معقدة لتحديد موقع منشأة تحت الأرض، تفكيكها، وتحييدها، والتى يُعتقد أنها كانت تُستخدم من قِبل جهات خبيثة. يعكس أداؤه هذا قوة الجيش اللبنانى وعزيمته الراسخة لتأمين مستقبل وطنه».
*4:
«خلال اجتماع اللجنة، قدّم الجيش اللبنانى تحديثًا عملانيًا مفصلًا، مسلّطًا الضوء على عملية حديثة لتطهير منشأة تحت الأرض بالقرب من وادى العزية، حيث أسفرت العملية عن استطلاع شامل للمنطقة، مع التخطيط لإعادة زيارتها لاحقًا.
* 5:
أشاد الجنرال كليرفيلد باحترافية الجيش اللبنانى وانضباطه. كما بحثت اللجنة أيضًا فرص التخفيف المستمر من انتهاكات ترتيبات وقف الأعمال العدائية. واتفق المشاركون على أن تظل هذه المسألة بندًا ثابتًا على جدول أعمال جميع الجلسات المستقبلية، باعتبارها جزءًا من الجهد الجماعى للحفاظ على السلام وتعزيز المساءلة فى إطار ترتيبات وقف الأعمال العدائية».
*6:
قالت المستشارة أورتاجوس: «إننا نواصل متابعة التطورات فى لبنان، ونرحب بقرار الحكومة وضع كل الأسلحة تحت سيطرة الدولة بحلول نهاية العام». وأضافت: «يتعيّن على الجيش اللبنانى الآن تنفيذ خطته بشكل كامل».
*7:
تتضمن لجنة «الميكانيزم» ممثلين عن لبنان وإسرائيل والولايات المتحدة وفرنسا و«يونيفيل»، ويرأسها جنرال أمريكى.
وشُكّلت اللجنة بعد التوصل إلى اتفاق لوقف الأعمال العدائية بين لبنان وإسرائيل فى 26 تشرين الثانى 2024، وحلت مكان اللجنة الثلاثية «لبنان وإسرائيل و(يونيفيل)» التى كانت تعقد اجتماعاتها قبل إطلاق «حزب الله» حرب الإسناد فى 8 أكتوبر.
* التسوية بحسب الكيان الصهيونى: من جنوب الليطانى إلى العمق اللبنانى
دولة الاحتلال الإسرائيلى الصهيونى تعد خططها لتذهب إلى تنفيذ «خطوةٍ أكبر» على الأرض.
.. وإلى «الدستور»، قالت مصادر سياسية واسعة الاطلاع من لجنة «الميكانيزم»، أن الأفق الأمنى والسياسى، فى أوساط الدولة اللبنانية تؤكد أنه تبدو «الجبهة المفتوحة» بين لبنان والكيان الإسرائيلى متاحه على كل الاحتمالات، وهى استقرت امنيات، فى أواخر أكتوبر الجارى وكأنها تدار وفق معادلةٍ دقيقة: جيشٌ إسرائيلىّ صهيونى يرفع جهوزيّته شمالًا بمناوراتٍ لافتة، وحملة رسائلٍ داخلية تخاطب سكّان الشمال بأنّ «الوضع مضبوط»، يقابلها مسعى أمريكىّ لتكثيف الضغط السياسىّ على الدولة اللبنانية تحت رغبات إنهاء المقاومة، أو ما اصطلح ب «ضبط حزب الله» لمنع انهيار وقف إطلاق النار. هذه العناصر الثلاثة تحكم اللحظة الراهنة وتفتح الباب أمام «عمليةٍ أكبر» قد تلجأ إليها تل أبيب إذا لم تترجم التحذيرات إلى نتائج عمليّة فى الجنوب اللبنانىّ.
كل هذه الاحتمالات، النتائج تستند على تحليل استراتيجى أمنى، وهو يقرأ التصور الجيوسياسى الإسرائيلى، كمرادف للعنجهية التى يقودها السفاح نتنياهو وحكومة التطرف التوراتية الإسرائيلية النازية.. مراحلها، فيما يتعلق بالجنوب اللبنانى، وكل لبنان، تقوم على:
* أولًا:
المناورة الميدانيّة.. «اليوم التالى» على الجبهة الشمالية
فى الأيّام الأخيرة، استكمل الجيش الإسرائيلىّ تمرينًا واسع النّطاق للفرقة 91 المنتشرة على الجبهة مع لبنان، بإشرافٍ مباشرٍ من رئيس الأركان إيال زامير وقياداتٍ من الأذرع البريّة. وقد وصف هذا التمرين فى الإعلام العبرى، بأنّه مناوراتٌ «هجوميّةٌ ودفاعيّة» تحاكى ليس فقط صدّ هجومٍ من الحدود، بل تنفيذ عمليّاتٍ داخل الأراضى اللبنانيّة نفسها، بما فى ذلك مداهماتٌ موضعيّة واحتلال نقاطٍ «مسيطرة» فى العمق قرب القرى الأماميّة.
المؤسّسة العسكريّة الإسرائيليّة تعرض هذا التمرين بشكلٍ مباشر باعتباره رفعًا «للاستعداد التشغيلىّ على الجبهة الشماليّة بعد عامين من القتال المتواصل»، لا مجرّد نشاطٍ روتينىّ. وفى بيانات الجيش حول تدريباتٍ سابقة «مارس 2025 وما بعدها»، جرى الحديث علنًا عن سيناريو «مداهمةٍ على أرضٍ مسيطرٍ عليها داخل لبنان»، وعن الانتقال السريع من وضع الروتين الأمنىّ إلى وضع الطوارئ، مع مشاركة وحداتٍ بريّة، وسلاح الجوّ، ووحداتٍ خاصّةٍ تعمل فى بيئةٍ مأهولةٍ شبيهةٍ بالقرى اللبنانيّة الجنوبيّة. هذه اللغة، أى ذكر «العمق اللبنانى» صراحةً، تكاد تكون رسالةً متعمّدةً إلى حزب الله وإلى الداخل الإسرائيلىّ معًا، فالحرب المقبلة، إذا اندلعت، لن تبقى تبادل قصفٍ مدفعىّ وصاروخىّ عبر الخطّ الحدودىّ فقط، بل قد تتضمّن عملًا برّيًّا محدودًا ومركّزًا.
وهنا تبرز الإشارة إلى منشأة التدريب المعروفة داخل الأوساط العسكريّة الإسرائيليّة باسم «لبنان الصغير»، وهى بيئة تدريبٍ حضريّة أنشأها الجيش، إلى جانب منشأة «غزّة الصغيرة» المعروفة منذ سنوات، لتدريب الألوية على القتال فى ظروفٍ تحاكى البنية العمرانيّة والاجتماعيّة اللبنانيّة، بما فى ذلك الأزقّة الضيّقة، ووجود بنى مدنيّةٍ فوق شبكاتٍ تحت أرضيّة، ومزيج السكّان/المقاتلين. ومجرّد الإعلان العلنىّ عن هذه المنشأة عبر وسائل إسرائيليّة مثل «ينت» يهدف إلى إظهار أنّ خطط القتال فى الشمال باتت ناضجةً تقنيًّا، لا افتراضيّة.
والقراءة نفسها نقلتها تقارير محلية، الّتى ربطت هذه المناورات بخطابٍ إسرائيلىّ يقول للمستوى السياسىّ فى تل أبيب إنّ «القوّات جاهزةٌ إذا اتّخذ القرار»، ويقول للبنان فى الوقت نفسه إنّ أىّ خرقٍ جديدٍ للخطوط الحمراء، كما تعرّفها إسرائيل وخصوصًا نشاط وحدات النّخبة التابعة لحزب الله جنوبًا، قد يقابل بردٍّ أوسع من نمط الضربات الجوّيّة الاعتياديّة».
* ثانيًا:
«الوضع مضبوط».. معركة الجمهور فى شمال إسرائيل
منذ أكتوبر 2023، عاشت عشرات البلدات الإسرائيليّة القريبة من الحدود اللبنانيّة حالة إجلاءٍ جزئىّ أو كامل. الإخلاء الواسع للمستوطنين من مسافة كيلومترين إلى خمسة كيلومتراتٍ من الخطّ الحدودىّ شكّل عبئًا سياسيًّا ثقيلًا على الحكومة الإسرائيليّة، لأنّه يسجّل فى الوعى الإسرائيلىّ كأنّ «حزب الله نجح فى إفراغ الشمال». وقد تحدّثت تقارير إسرائيليّةٌ داخليّة عن أنّ الدولة خصّصت موارد كبيرةً لتحصين المدارس والبنى المدنيّة فى بلداتٍ مثل كريات شمونة وميسغاف عام، وأنّ قيادة الجبهة الداخليّة قامت بسلسلة جولاتٍ ميدانيّةٍ مطلع شباط 2025 بهدف تهيئة الظروف لعودة السكّان.
وفى 23 فبراير 2025، أعلنت الجبهة الداخليّة الإسرائيليّة عن رفع معظم القيود فى عددٍ من التجمّعات الحدوديّة، والانتقال من «نشاطٍ جزئىّ» إلى «نشاطٍ كامل»، ما يعنى عمليًّا إعطاء الضوء الأخضر لاستئناف الحياة الاقتصاديّة والتعليميّة، وإعادة فتح المرافق العامّة، مع الإيحاء بأنّ التهديد اللحظىّ بالصواريخ أو بالتسلّل بات «تحت السيطرة». وقد أعيد تكرار هذه الرسالة على المنابر السياسيّة والعسكريّة باعتبارها دليلًا على أنّ الشمال «قابلٌ للحياة»، لا منطقةً كارثيّةً خارجةً عن سلطة الدولة.
لكنّ الواقع الميدانىّ أعقد. فقد لفتت تقارير إسرائيليّةٌ مدنيّةٌ وصحفيّة، بينها ما نشرته صحفٌ ومنصّاتٌ عبريّة خلال سبتمبر وأكتوبر، إلى أنّ جزءًا كبيرًا من المهجّرين لا يزال متردّدًا فى العودة الكاملة إلى منازله، ويرى أنّ أىّ تصعيدٍ جديدٍ سيعيده إلى النقطة الصّفر. وقد استخدمت زيارة الرئيس الإسرائيلىّ يتسحاق هرتسوغ إلى مدرسةٍ فى كريات شمونة فى 1 سبتمبر 2025 رمزيًّا لإظهار «عودة الروتين»، لكنّ هذه الاستعراضات لا تمحو قلق الأهالى ولا الإحساس بأنّ الحدود الشماليّة ما زالت هشّة. وبهذا المعنى، فإنّ «الوضع مضبوط» هو أيضًا خطاب تعبئةٍ داخليّة لحماية الجبهة السياسيّة للحكومة، بقدر ما هو توصيفٌ أمنىّ.
* ثالثًا:
الضّغط الأمريكى المباشر.. «اضبطوا الجنوب وإلّا»
إلى جانب العامل الميدانىّ والعامل الداخلىّ الإسرائيلىّ، هناك العامل الأمريكىّ. ففى الأسابيع الأخيرة، صعّدت واشنطن رسائلها المباشرة باتجاه بيروت. تجلى ذلك بزيارة الموفدة الأمريكيّة مورجان أورتاجوس التى برزت فى المرحلة الأخيرة فى جولاتٍ دبلوماسيّةٍ وأمنيّةٍ بين تل أبيب وبيروت، علنًا عند الحدود الشماليّة مع مسئولين إسرائيليّين فى سياق معاينة الاستعدادات العسكريّة فى الشمال، وعرضٍ «ميدانىّ» قدّمه الجيش الإسرائيلىّ للمستوى السياسىّ وللجانب الأمريكىّ حول «الجهود الدفاعيّة والهجوميّة» الجارية. هذه الزيارة، وفق تقارير إسرائيليّة، حملت رسالتين متوازيتين، الأولى إلى بيروت، وهى أنّ واشنطن ليست بعيدةً عن تفاصيل ما يجرى على الحدود، وأنّها لن تغطّى تصعيد حزب الله جنوب الليطانى، والثانية إلى تل أبيب، وهى أنّ الولايات المتّحدة مستعدّة لتسويق «مشروع تسويةٍ» يقى إسرائيل حربًا شاملة، بشرط أن يترجم لبنان و«حزب الله» التهدئة عمليًّا على الأرض.
ووفق التسريبات الّتى نشرتها وسائل عبريّة، يتبلور فى الكواليس طرحٌ أمريكىّ إسرائيلىّ مزدوج، إمّا أن يلتزم لبنان عمليًّا بخفض الوجود العسكرىّ العلنىّ لحزب الله جنوبًا، ويمنح الجيش اللبنانىّ هامش انتشارٍ أوسع ويضبط الصواريخ النوعيّة على مقربةٍ من الحدود، وإمّا أن إسرائيل ستنتقل إلى «خطواتٍ أكبر» ميدانيًّا، قد تسوّق دوليًّا كعمليّاتٍ «موضعيّةٍ لفرض الانضباط» لا كحربٍ شاملة. وهذه اللهجة تنقلها القنوات العبريّة، مثل «كان»، منذ أشهر، وتعاد صياغتها اليوم بوضوحٍ أكبر على لسان ضبّاطٍ فى الشمال «نحن قريبون من لحظة الحسم على الجبهة الشماليّة».
* رابعًا:
الرواية الاستخباريّة الإسرائيليّة حول حزب الله.. «إعادة التأهيل العسكرى»
اللافت فى هذه المرحلة أنّ إسرائيل لا تكتفى بلغة الرّدع العسكرىّ الميدانىّ، بل تبنى روايةً استخباريّةً متكاملةً عن وضع حزب الله ما بعد جولة الاستنزاف الطويلة. فقد نشر مركز «ألما» للأبحاث الأمنيّة «Alma Research & Education Center»، وهو مركزٌ إسرائيلىّ يعرّف نفسه بأنّه معنىٌّ بقراءة التهديدات على الحدود الشماليّة، فى 28 و29 أكتوبر 2025 تقريرًا خاصًّا عن «تركيبة إعادة التأهيل العسكرىّ لحزب الله فى لبنان». ويذهب التقرير، كما يورده «ألما» فى موقعه الرسميّ، أبعد من الصورة التقليديّة للحزب كقوّة استنزافٍ حدوديّة، ويؤكّد ما يلى، حزب الله، بتوجيهٍ مباشرٍ وتمويلٍ إيرانيّين، ينفّذ «برنامجًا منهجيًّا لإعادة التأهيل العسكرىّ» يجسّد تحوّلًا تكتيكيًّا واستراتيجيًّا فى بنيته القتاليّة. ويشمل هذا البرنامج حزمًا تدريبيّة، ونقل خبراتٍ تخصصيّةٍ من إيران إلى كوادر الحزب، وإعادة تركيز الثّقل العمليّاتى نحو الجبهة الجنوبيّة فى ما يعرف بقطاع «وحدة بدر» شمال نهر الليطانى، أى تحديدًا فى المنطقة التى تصرّ إسرائيل على أنّها يجب أن تكون «منزوعة حزب الله» فى أىّ تسويةٍ مقبلة.
ويقول التقرير أيضًا إنّ جوهر العمليّة يقوم على تطوير «سلسلة إمدادٍ محليّة» لتصنيع السلاح وإصلاحه داخل لبنان، من الأسلحة البسيطة والكميّة، وصولًا إلى الأنظمة الدقيقة الأعلى تطوّرًا. وهذا يعنى، وفق رواية «ألما»، أنّ الحزب يحاول تقليص اعتماده على خطوط الإمداد الخارجيّة التى تتعرّض للاستهداف الإسرائيلىّ، وبناء قدرة تصنيعٍ وصيانةٍ شبه مكتفيةٍ ذاتيًّا داخل البيئة اللبنانيّة. وبالتوازى، يتحدّث التقرير عن إنشاء «الممرّ الجديد»، أى شبكة تهريبٍ مطوّرة لتجاوز الضغط والاستهداف الإسرائيليّين على المعابر التقليديّة، بما يشمل نقل عتادٍ وأموالٍ وكوادر تقنيّة، إلى جانب توسيع برامج التّجنيد والتدريب لاستيعاب عناصر جديدة وتعويض النزيف البشرىّ والخسائر الميدانيّة.
وأبعد من ذلك، يرسم «ألما» صورةً لوجستيّةً ميدانيّةً تعتبرها إسرائيل مقلقة، استخدام بنى تحتيّةٍ مدنيّةٍ وأنشطةٍ تجاريّةٍ ظاهريًّا طبيعيّة كغطاءٍ لشبكة إسنادٍ عسكريّة، ما يعنى، بحسب التقرير نفسه، أنّ ورش البناء، والمستودعات، والمحالّ التجاريّة، وحتّى مشاريع البنى المدنيّة فى الجنوب والبقاع، يمكن أن تعمل كواجهاتٍ لتخزين قطع السلاح، أو ورش التصليح، أو نقاط العبور اللوجستيّة. وهذا الخطاب يظهر أيضًا فى تصريحاتٍ عسكريّةٍ إسرائيليّةٍ نقلت عبر الإعلام العبرى فى الأشهر الماضية، والتى اتّهمت حزب الله باستغلال ورش إعادة إعمار منازل المدنيّين على الحدود الجنوبيّة لترميم مواقع عسكريّةٍ مقنّعة.
أمّا النقطة الأخطر فى تقدير «ألما» فهى البنية التحت أرضيّة. إذ يتحدّث التقرير عن «مساحاتٍ واسعةٍ تحت الأرض على عمق الأراضى اللبنانيّة»، تشمل أنفاقًا تكتيكيّة «قصيرةً نسبيًّا ومخصّصةً للحركة السريعة أو للتمركز الهجومى القريب من الخطّ» وأنفاقًا استراتيجيّة «أعمق وأطول، وتستخدم للتخزين البعيد المدى ونقل العتاد الثقيل والقيادات». ووفق هذا الطرح، ما زال الحزب يمتلك مخزونات سلاحٍ كبيرةً فى هذه الشبكات، بل ويعمل على مضاعفة قدراته فى مجال الطائرات المسيّرة، الاستطلاعيّة والانتحاريّة على حدٍّ سواء، فى سبيل التحضير لـ«المواجهة المقبلة» مع إسرائيل. ويربط المركز هذا مباشرةً بالقطاع الشمالى من الليطانى، أى حيث تعمل «وحدة بدر»، ويقول إنّ الثّقل العمليّاتى لحزب الله يتحرّك تدريجيًّا شمالًا، لا انسحابًا من الجنوب بمعنى التخلّى عنه، بل إعادة توزيعٍ مدروسةٍ للقدرات بما يسمح له بالاستمرار فى التهديد حتّى لو فرض عليه اتفاقٌ يحدّ من الوجود العلنى جنوب النهر.
القراءة الإسرائيليّة تستخدم هذه الصورة الجيوسياسية والاستخباريّة لثلاث غاياتٍ سياسيّةٍ متزامن فى سياق أمنى وربما دبلوماسية محددة الأطر:
* الغاية الأولى
تبرير الضربات المستمرّة داخل لبنان، حتّى بوجود وقف إطلاق نار. فالقصف الجوّى الإسرائيلى، الذى وصفته وسائل عبريّة ولبنانيّة بأنّه «انتقائى» ويستهدف «مواقع تدريباتٍ أو مستودعاتٍ لوجستيّة»، يصار إلى تسويقه دوليًا على أنّه ضرب «بنى إرهابيّةٍ آخذةٍ بالتجدّد»، لا خرقٌ فاضحٌ للهدنة.
* الغاية الثانية
خلق ملفّ ادّعاء أمام الوسطاء الأمريكيّين والأوروبيّين، بمعنى القول لواشنطن: حتّى لو أبعدتم عناصر الحزب مسافةً معيّنةً عن الحدود، فالمشكلة لم تحلّ، لأنّ الحزب، وفق رواية «ألما» والجيش، يتحوّل إلى نموذج جيشٍ منظّمٍ تحت الأرض يملك خطوط إنتاجٍ محلّيّة، وطائراتٍ مسيّرة، وشبكة تهريبٍ جديدة. وبالتالى، فإنّ «الضمانة الأمنيّة الإسرائيليّة» لا يمكن أن تقتصر على «إبعاد مقاتلى الرّضوان عن الشريط الحدودى».
* الغاية الثالثة
تهيئة الرأى العامّ الداخلى الإسرائيلى لخطوةٍ أوسع. فعندما يقال للمستوطن فى كريات شمونة أو المطلة «الوضع مضبوط»، يقال له فى الوقت نفسه إنّ حزب الله يعيد بناء نفسه بدعمٍ إيرانى ويستعدّ للمعركة القادمة شمال الليطانى. والمفارقة مقصودة، والهدف هو جعل أى عمليّةٍ عسكريّةٍ إسرائيليّةٍ أوسع، إذا حصلت، تبدو وكأنّها «عمليّةٌ ضروريّةٌ لقتل الخطر قبل أن يترسّخ نهائيًّا»، لا كمغامرةٍ سياسيّة.
* خامسًا:
أى معنى لهذا المشهد بالنسبة إلى لبنان؟
من وجهة نظرٍ لبنانيّة، ما تطرحه إسرائيل على الأرض وفى الإعلام يشى بمرحلة ما قبل القرار. فالمناورات العسكريّة، والخطاب العلنى عن «التوغّل المحدود داخل لبنان»، واصطحاب المسئولين الأمريكيّين إلى الحدود لتظهير «شرعيّة» أى ردٍّ عسكرى مستقبلى، كلّها عناصر تصنع حالة ضغطٍ ممنهجة. ومن جهةٍ أخرى، تستثمر سرديّة المسئولين الأمنيين الإسرائيليين حول «إعادة التأهيل العسكرى لحزب الله» لتقول للوسيط الأمريكى والأوروبى إنّ المشكلة ليست فى الشريط الحدودى فقط، بل باتت مشكلةً هيكليّةً فى عمق لبنان، تحت الأرض وفوقها، بغطاءٍ مدنى وتجارى. وإذا تمّ تبنّى هذا المنطق فى غرف التفاوض، فإنّ أى تسويةٍ لن تعود محصورةً بترتيبات جنوب الليطانى، بل ستمتدّ إلى مطالب تمسّ البنية العسكريّة اللوجستيّة للحزب داخل العمق اللبنانى نفسه.
ما يجرى الآن ليس مجرّد تبادل رسائل ناريّةٍ عبر الحدود، بل يبدو المشهد أقرب إلى محاولةٍ إسرائيليّةٍ أمريكيّةٍ لتثبيت معادلةٍ جديدة، إمّا أن يتحوّل الجنوب اللبنانى إلى منطقةٍ منزوعة المخالب، ويعاد «ضبط» حضور حزب الله، حتّى فى شمال الليطانى، وفق شروطٍ أمنيّةٍ أكثر صرامةً من أى وقتٍ مضى، وإمّا أنّ إسرائيل ستذهب إلى تنفيذ «خطوةٍ أكبر» على الأرض، بعد أن جهّزت وحداتها، وهيّأت جمهورها، وبنت روايتها الاستخباريّة سلفًا.
* وثائق الصراع بين لبنان والكيان الصهيونى.
* الدبلوماسية والأمن: مصر تطلب من لبنان مساعى تكريس الدور العربى القومى.
المحلل السياسى اللبنانى منير الربيع، رئيس تحرير الموقع الإعلامى المدن، مهد، يوم الثلاثاء 2025/10/28، للحراك الدبلوماسى العربى والأمريكى متعدد الأدوار، وهو يرى ما حدث من محادثات بوجود جمهورية مصر العربية دلالة على توازن جيوسياسى عميق الأثر بين مصر ولبنان، وقال الربيع بحذر سياسى: إن هناك طبيعة مركّبة ومعقدة لسياقات العلاقات بين القوى الإقليمية والدولية وتقاطعاتها أو خصوماتها أو تنافسها المشهود فى الشرق الأوسط.
وهو يؤكد أن الصور الجيوسياسية فى المشهد تجدد مصر دورها فى المنطقة، متقدمة هذه المرة باتجاه لبنان. تستفيد القاهرة مما تحقق فى اتفاق غزة، ودورها هناك، وصولًا إلى نتائج ومقررات قمة شرم الشيخ.
المحلل الربيع ينتبه إلى معطيات منها ما سبق الحراك الدبلماسى:
* 1:
تأتى زيارة رئيس المخابرات المصرية، حسن رشاد، إلى بيروت، والتى سيلتقى/التقى فيها الرؤساء وعددًا من المسئولين، وهو الذى كان الأسبوع الفائت فى إسرائيل والتقى رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو.
* 2:
للزيارة المصرية أكثر من بُعد. أولًا، هى تنطلق من تجربة ما تحقق فى غزة. ثانيًا، لدى مصر مقاربة تستند إلى منطق يكون مقبولًا من الجميع، ولا تقوم على مبدأ الكسر، بمعنى أن هناك قراءة مصرية واضحة حول تغير كل الظروف على مستوى المنطقة، وطرح ملف سلاح حزب الله على الطاولة، ولكن ليس بدافع القوة أو الكسر أو الانقسام، بل انطلاقًا من مسعى إقليمى دولى يمكن أن يحقق النتائج المطلوبة كما حصل فى غزة. ثالثًا، هناك فكرة تقديم مقترح جديد قد يكون مشابهًا لمقترح غزة، ويختلف عن الورقة التى قدمها سابقًا الموفد الأمريكى توم براك، على أن تتضمن الورقة الجديدة جدولًا للانسحاب الإسرائيلى من لبنان موزعة على خطوط أو نقاط، بمعنى وضع جدول تدريجى للانسحاب فى مقابل وضع جدول تدريجى لعمية حصر السلاح.
* 3:
هذا المسعى ينطلق من سعى مصرى إلى الحفاظ على الاستقرار والتوازن فى المنطقة، وتجنب الاختلال فى موازين القوى، لأنه سيُنتج صدامات ومواجهات تؤدى إلى ضرب الاستقرار ككل. وفى هذا السياق، فإن الزيارة المصرية ستشير إلى اهتمام القاهرة بالملف اللبنانى من جهة، إلى جانب السعى لتعزيز دور مصر على مستوى المنطقة، بما يوفر فرصة للدولة اللبنانية كى تصل إلى معالجة ملف السلاح وكل الملفات العالقة. وذلك لا ينفصل عن كم التهديدات والتسريبات التى تصدر نقلًا عن مسئولين إسرائيليين أو عن ديبلوماسيين يعملون على توجيه رسائل مباشرة تحذر من شن عملية عسكرية إسرائيلية واسعة ضد الحزب وسيتضرر منها لبنان ككل. وهذه الرسائل والتحذيرات هى جزء أساسى من الطرح الذى سيتم تقديمه على قاعدة وجوب تجنّب التصعيد والتوصل إلى حلّ مقبول.
* 4:
يعنى ذلك أن الحلّ المطروح سيكون مشابهًا لطرح الحل فى غزة، فلا يقوم على التهجير ولا على استكمال الحرب بل بالبحث عن حلول سياسية، تبدأ بضمان انسحاب إسرائيل، ووقف الضربات والاعتداءات. وذلك لا ينفصل عن مواقف دولية كثيرة تشير إلى ضرورة أن يتحول حزب الله إلى حزب سياسى ويتخلى عن العمل العسكرى. وهو أيضًا ما تسعى إليه دول عديدة مع حركة حماس التى لا تزال حتى الآن تتمسك بخيار المقاومة فى انتظار ولادة الدولة الفلسطينية. وتكثر الدعوات الخارجية إلى حزب الله كى يحصر عمله بالشق السياسى، ويحل الجناح العسكرى ويتخلى عن السلاح، بينما الحزب يتحدث عن الاستعداد لمناقشة الاستراتيجية الدفاعية ودمج قوته بالجيش اللبنانى والأجهزة الرسمية.
* 5:
الفكرة التى ينطلق منها هذا الطرح هى الاستناد إلى التعاطى الواقعى مع حركة حماس فى غزة، فهى التى كانت مصنفة إرهابية، وشُنت عليها حرب برعاية دولية لإنهائها، عاد مسئولوها والتقوا ممثلى الرئيس الأمريكى دونالد ترامب وفُتحت مفاوضات مباشرة معهم. كما أن البحث عن اليوم التالى فى غزة يحصل من خلال التفاوض مع حماس التى ستكون مشاركة من خلال اللجنة المدنية التى يتم العمل على تشكيلها. الطرح نفسه يتم عرضه على حزب الله أيضًا.
* 6:
مصر إحدى الدول المشاركة فى المجموعة الخماسية المعنية بلبنان، وهى تقوم بمسعاها انطلاقًا من موقعها هذا وانطلاقًا من قدرتها على التواصل مع مختلف القوى داخل لبنان وخارجه. لكن ذلك أيضًا لا ينفصل عن تكوين الصورة الأوسع فى المنطقة، على مستوى الدور والتأثير ومناطق النفوذ. فالمقاربة المصرية قد تلائم قوى عديدة فى لبنان، ولا سيما الموقف الرسمى اللبنانى الذى يتعرض لضغوط كثيرة من جهات خارجية وداخلية، حول ضرورة الإسراع فى عملية سحب السلاح، ولو أدى ذلك إلى بعض التشنج أو المواجهة مع حزب الله.
* طبيعة العلاقة بين مصر وسوريا
ينبّه المحلل الربيع إلى جدية سياسية، هى أن الموقف المصرى يشكل ارتياحًا لدى لبنان الرسمى، وهو لا ينفصل عن زيارة رئيس الجمهورية جوزيف عون لمصر، من ضمن زياراته لدول الجوار، التى شملت العراق، الأردن، وقبرص، فيما لا تزال سوريا غائبة عن جدول الزيارات الرسمية للرئيس. ذلك أيضًا يأتى فى ظل وجود الرئيس السورى أحمد الشرع فى السعودية للمشاركة فى منتدى الاستثمار، فيما يغيب عنه لبنان ومصر، كما أن لبنان وسوريا غابا عن مؤتمر شرم الشيخ، ولذلك تفسيران: الأول هو أن مصر لم تكن متحمسة لمشاركة سوريا، ولذلك لم يكن من الممكن توجيه دعوة إلى لبنان من دون سوريا. والثانى هو أن سوريا لم تُدعَ لأن مصر لم ترد توجيه الدعوة إليها، أما لبنان فلم يُدع لأنه لا يلتزم بالشروط الدولية ضمن مسار عمل «سريع» لتطبيق حصرية السلاح.
.. وهو يعيد القول إن المشهد القابل للتشكل أيضًا، عودة دور مصر على المستوى السياسى فى المنطقة، إلى جانب دورها الأساسى على مستوى الغاز، أو فى مدار البحث عن تعزيز خطوط التجارة لديها. وهو ما يعيد إلى الأذهان مرحلة «تحالف دول شرق المتوسط» عندما كان هناك مسعى لإنشاء خط أنابيب من المتوسط باتجاه أوروبا، وهو ما تقاطعت عليه مصر مع قبرص، اليونان، الأردن وإسرائيل. وكان هذا التحالف يتعارض مع سعى تركيا إلى اعتماد الخط التركى باتجاه بلغاريا. وفى هذا السياق، لبنان هو إحدى أبرز الدول التى تنتظر التنقيب عن الغاز فى المتوسط، وقد أقر الأسبوع الفائت اتفاقية الترسيم مع قبرص، من دون التفاهم مع تركيا، وقبل إنجاز الترسيم مع سوريا. وللمفارقة، أنه بالتزامن مع إقرار الترسيم، وفى انتظار زيارة وفد سورى موسع إلى بيروت للبحث فى ملف الحدود، أقر لبنان طابعًا جديدًا تحت اسم «فجر الجرود» بما قد يتم تحميله من معان ربطًا بالمعارك التى خاضها الجيش اللبنانى ضد فصائل المعارضة السورية، ومن ضمنها جبهة النصرة حينذاك.
يقول الربيع، وهو إعلامى لبناتى يرأس منصة تدعمها لبنان، وقطر: إن مصر صاحبة دور أساسى فى قطاع غزة، وتركيا سعت إلى تكريس نفسها كصاحبة دور أساسى، لكنه مرفوض إسرائيليًا. ويكرر المسئولون الإسرائيليون مواقفهم الداعية إلى رفض أى دور أو وجود لتركيا فى غزة. بينما أنقرة تؤكد أن دورها ووجودها يرتبطان بالتفاهم مع مصر والولايات المتحدة الأمريكية. التنافس التركى الإسرائيلى قائم فى سوريا أيضًا، بينما تجد أنقرة نفسها أمام علاقة محكومة بالتفاهم مع السعودية فى سوريا، وصولًا إلى طرح خط الحجاز الذى فتح خطوط التجارة بينها وبين الخليج، ومن الخليج فى اتجاه أوروبا عبرها من خلال الأراضى السورية. وهذا الخط سيكون بديلًا من اعتماد خط البحر الأحمر، وسيؤثر بشكل أو بآخر على مصر وقناة السويس. وأمام كل هذه الخطوط المعقدة والمركبة فإن لبنان ينتظر أى فرصة دولية لمساعدته على الخروج من الأزمات ولتفادى التصعيد الداخلى أو الخارجى، علمًا بأن الولايات المتحدة الأمريكية هى صاحبة القرار فى من سيكون صاحب الدور، على الرغم من التنافس بين جهات إقليمية عديدة لتستبق نيل الموافقة الأمريكية على الدور.
* وثائق التاريخ.. جيوسياسية محاور العلاق الملتبسة اللبنانية الإسرائيلية
ينظر كثر إلى سوء حظ لبنان بسبب موقعه الجغرافى. منذ نشوء دولة إسرائيل فى 1948، قامت مرايا متقابلة بين الوضع على تلك الحدود وبين الداخل اللبنانى. لطالما ربط عالِم التاريخ كمال الصليبى فى كتاباته عقدَى الهدوء «بتوقيع اتفاقية الهدنة فى 1949» و«اتفاقية القاهرة فى 1969»، بأوضاع الحدود والتحوّلات السياسية اللبنانية. كان ذلك فى ظل صراع اصطف فيه أنصار «القومية العربية» زمن الرئيس المصرى جمال عبدالناصر، مقابل أنصار «الوطنية اللبنانيّة»، بفعل تكوين طائفى هشّ لدولة «وُلِدت برغبة مسيحية ورضى بها المسلمون على مَضض».
إلّا أن الصورة، يقول إيلى الحاج فى صحيفة «النهار» اللبنانية، الثلاثاء 2025/10/28، انقلبت رأسًا على عقب خلال عقود الحروب والسلم التى أعقبتها. وها هو رئيس الحكومة نوّاف سلام فى 2025 يقود عمليًّا وحَرفيًّا معركة استعادة الدولة سيادتها ووحدتها على كل أراضيها. أين أصبحت الأحزاب والجماعات التى كانت تطالب فى الستينيّات والسبعينيّات بفتح الحدود أمام العمل المسلح؟ وكيف تقلبت الجماعة المسيحية التى أعطت ولاءها وأصواتها فى مرحلة ما لزعامة ميشال عون المؤيدة لوارث التنظيمات الفلسطينية «حزب الله»؟ هذا موضوع آخر وطويل.
.. وفى التفاصيل، التى تعد حكمًا، دراية وثائقية مهمة فى هذا التوقيت:
* «الهدنة» «1949»: عشرون عامًا من الهدوء الهش
ضمنت اتفاقية الهدنة التى وُقّعت فى رأس الناقورة بتاريخ 23 آذار 1949، هدوءًا نسبيًا للبنان على حدوده الجنوبية استمرّ ما يُقارب عقدَين، على نقيض أوضاع حدود الأردن ومصر وسوريا. حدثت خروق متقطعة تحمّل تبعاتها ضباط وجنود فى الجيش اللبنانى ومزارعون ورعاة جنوبيون، بفعل عمليات توغل متبادلة وهجمات بين الجيش الإسرائيلى وجماعات مسلحة من اللاجئين الفلسطينيّين.
الجيش اللبنانى، الذى لم يُنشأ على أساس خوض مواجهات عسكرية خارجية كبيرة، نجح إلى حد بعيد فى حفظ الأمن الداخلى ومواجهة التحديات السياسية. مرّت بسلام حدودى جنوبًا عهود بشارة الخورى وكميل شمعون وفؤاد شهاب، قبل أن تنفجر القنبلة الكامنة فى وجه الرئيس المسالم شارل حلو فى السنتين الأخيرتين من عهده.
بفعل هدوء الحدود والوضع الاقتصادى المزدهر نسبيًا مدة عشرين عامًا، تحوّل لبنان ملجأً ومستقرًا للنشاطات السياسية والإعلامية والاقتصادية العربية. أدّت سياسة الانفتاح واللحاق بركب الحداثة إلى تحويله «جزيرة» مختلفة عن أحوال دول المنطقة التى حكمتها أنظمة عسكرية وقومية. العدد الأكبر من الضحايا والجرحى فى تلك الحقبة لم يسقط بفعل خروق الهدنة، بل بسبب التناقضات الداخلية التى كانت تتفاقم تحت السطح.
لا بد من المرور بأزمة الهوية والولاء، التى كتب عنها كمال الصليبى وانعكست فى أزمة 1958 أو «الفتنة». كانت فى الواقع حربًا أهلية مصغّرة ومقدمة لأهوال ما سيحدث لاحقًا. حملت فى جوهرها صراعًا داخليًا حول محور الانتماء: هل يكون لبنان جزءًا من الوحدة بين مصر عبدالناصر وسوريا، أو يتبع الغرب؟ كانت الهدنة الظاهرة فى الداخل تحمى الهدنة مع إسرائيل، وتخفى فى الوقت نفسه انقسامًا عميقًا حول الهوية والمصالح، ما جعل لبنان عرضة للانهيار عندما بدأت المنطقة تغلى بعد «حرب النكسة» فى 1967، ثم مع بدايات سيطرة التنظيمات الفلسطينية المسلحة على أجزاء واسعة من بيروت وسائر لبنان.
* «اتفاقية القاهرة» «1969»: سقوط الهدنة وشرعنة العمل الفدائى
يمكن القول إن توقيع «اتفاقية القاهرة» كان إيذانًا فعليًا بتفكيك وسقوط اتفاقية الهدنة اللبنانية- الإسرائيلية. تنصّ اتفاقية الهدنة على وقف الأعمال العسكرية، احترام الحدود الدولية، ومنع أى عمل حربى أو عدائى ينطلق من أراضى أى من الطرفين ضد الآخر، بما فى ذلك القوات غير النظامية، ما يتطلب سيادة الدولة اللبنانية الكاملة على أراضيها.
منحت الدولة اللبنانية بموجب «اتفاقية القاهرة» الفصائل الفلسطينية المسلحة صفة الشرعية، وسمحت بـ«تسهيل العمل الفدائى» انطلاقًا من الأراضى اللبنانية، خصوصًا فى منطقة العرقوب التى سُمّيت «فتح لاند». كان توقيع قائد الجيش اللبنانى إميل البستانى وقائد «منظمة التحرير الفلسطينية» ياسر عرفات، برعاية وضغط من الزعيم المصرى جمال عبدالناصر، نقطة تحوّل بارزة فى تاريخ لبنان الحديث.
بمجرد توقيعها، على وقع الاشتباكات بين الجيش اللبنانى والفصائل الفلسطينية وضغط الشارع المؤيّد لشعار «فتح كل الحدود»، اعتبرت إسرائيل أنها فى حِلّ من التزامها «اتفاقية الهدنة». لم يتأخر ردّها العسكرى على قواعد «الفدائيّين»، ما أوصل إلى انهيار الهيكل الأمنى الذى أقامته هدنة 1949. وبدأت «جلجلة الجنوبيّين» بضربات مهّدت لاندلاع «حروب لبنان» المتنوعة بعد 13 نيسان 1975.
* قرارات ومحاولات: من 425 إلى 1701
تلاحقت الحروب والأوضاع القانونية الدولية لإدارة أحوال الحدود بعد سقوط اتفاقية الهدنة.
* أ: القرار 425 «1978»:
صدر عن مجلس الأمن الدولى تحت الفصل السادس ردًا على اجتياح إسرائيلى حتى الليطانى. طالب بالانسحاب الإسرائيلى الفورى والكلّى لتصبح الأراضى فى عهدة الجيش اللبنانى وحده بمساعدة قوة «اليونيفيل». كانت النتيجة المباشرة فشلًا فى التنفيذ الفورى، ولم يتحقق الانسحاب إلا عام 2000.
* ب: اتفاق 17 أيار «1983»
كان محاولة اتفاق على انسحاب القوات الإسرائيلية التى احتلت مناطق واسعة، لقاء ما يشبه معاهدة سلام لم تُصادق. وظيفته الأساسية كانت إنهاء حالة الحرب ووضع ترتيبات أمنية تضمن عدم القدرة على مهاجمة إسرائيل من أراضى الجنوب. مصير الاتفاق كان فشلًا ذريعًا وأُلغى رسميًا عام 1984 بسبب الرفض الداخلى لا سيما من حركة «أمل» والحزب التقدمى الاشتراكى، والضغط الإقليمى من إيران وسوريا ودوليًا من الاتحاد السوفيتى، ليبرز بعدها دور «حزب الله» الكبير.
* ج: القرار 1701 «2006»
قرار شامل لمجلس الأمن تحت الفصل السادس، وظيفته الأساسية تحقيق وقف الأعمال العدائية وتثبيت الردع من خلال نشر وحدات الجيش اللبنانى واليونيفيل المعززة جنوب الليطانى. كانت نتيجته هدوءًا طويل الأمد «نحو 18 عامًا»، رغم فشله فى نزع سلاح ميليشيا «حزب الله».
* د: اتفاق ترسيم الحدود البحرية «2022»
تفاهم فنى غير مباشر مع إسرائيل، قاده «حزب الله» عبر حليفه رئيس مجلس النواب نبيه برى بوساطة أمريكية تمثلت فى المبعوث آموس هوكشتاين. وظيفته كانت تحديد الموارد البحرية وحل نزاع الطاقة. نتيجته الرئيسية نزع فتيل نزاع جيوسياسى-اقتصادى كبير وتأمين حق لبنان فى التنقيب عن النفط.
* هـ: اتفاق وقف النار «2024»:
يمثل آليات تنفيذية للقرار 1701، تم التوصل إليها بعد حرب «إسناد غزة» الواسعة التى استمرت 66 يومًا وفقد فيها «حزب الله» قيادته. وظيفته الأساسية وقف الحرب وإعادة تمركز القوات الإسرائيلية واللبنانية الشرعية على الخط الأزرق تحت رقابة مشددة. نتيجته إعادة تفعيل القرار 1701 مع تعزيز وجود الجيش اللبنانى فى الجنوب وتسلم مواقع ومخازن عدة للحزب هناك.
* الخلاصة كما يفهمها الدبلوماسى: إدارة نزاع تحت ضغط الأمر الواقع
تُظهر هذه المقارنة أن العلاقة بين لبنان وإسرائيل لم تعرف قط حالة السلام الدائم، بل حالة من «إدارة نزاع» تتأرجح بين ضغط الأمر الواقع العسكرى وبين محاولات فصل الملفات التى تخدم المصلحة الاقتصادية للدولة اللبنانية. ويبقى اتفاق 17 أيار لائحًا فى الأفق، ما دام الاختلال فى موازين القوى بفعل نتيجة «حرب الإسناد» يكبر يومًا بعد يوم، حتى إن إسرائيل اغتالت نحو 365 كادرًا وعنصرًا فى «حزب الله» خلال سنة بعد اتفاق وقف النار الأخير الذى ألحّ عليه «الحزب»، من دون احتساب الشهداء المدنيين، من غير أن تلقى أى رد فعل من «الحزب».
* قبل احتمالات الحرب.. الكيان الصهيونى وضع مع «أورتاجوس» شروطه.. وإلا الحرب
الساحة الإعلامية اللبنانية اعتمدت اجتهادات متباينة، وفى سباق متردد وحراك متباين وتنسيق مختلف بين كل الأوساط، يتضح أن الحركة الديبلوماسية التى تشهدها الساحة اللبنانية، رسائل التهديد الإسرائيلية بتصعيد العمليات العسكرية. كل الموفدين يركزون على نقطة أساسية، وهى تحقيق تقدم جدى فى مسار سحب السلاح، كى لا تنتقل إسرائيل إلى مرحلة جديدة من العمليات العسكرية والدخول فى «أيام قتالية». هذه الرسائل سيتبلغها المسئولون اللبنانيون من الموفدة الأمريكية مورغان أورتاجوس، ورئيس المخابرات المصرية حسن رشاد الذى من المقرر أن تكون مفاوضات ومباحثاته مع الرؤساء والمسئولين فى الدولة اللبنانية ويبلغهم بما لدى القاهرة من معلومات ومعطيات، وتسريبات حول التوجه الإسرائيلى للمرحلة المقبلة، بالتأكيد نتيجة لواقع مهم أمنيات فى مصر ودور الأجهزة الأمنية والدبلوماسية المصرية، فى السياق أيضًا، فإن الممثلة الشخصية للأمين العام للأمم المتحدة دخلت على خط المساعى وهى بدأت زيارة إلى إسرائيل ستلتقى خلالها المسئولين هناك لتعود بجواب واضح حول التوجه الإسرائيلى فى المرحلة المقبلة.
* دبلوماسية الـ72 ساعة.. تنسيق مصرى و متاهة الموفدين الأمريكان
ما حدث خلال الـ72 ساعة الأخيرة، تلك النظرة التى تتركز الأنظار عليها، فى هذه الزيارات واللقاءات، فالموفدة الأمريكية ستكون واضحة فى مواقفها ورسائلها. ووفق المعلومات، فإنها ستنقل رفضًا إسرائيليًا للمسار المتبع لبنانيًا فى سبيل سحب سلاح حزب الله. وتضيف المعلومات أنها سمعت من الإسرائيليين ملاحظات كثيرة حول أداء الدولة اللبنانية، وأن الإسرائيليين يعتبرون أن هناك تراجعًا فى مسار حصر السلاح، وإذا بقيت الأمور على حالها فإن الاتجاه الإسرائيلى هو لتصعيد العمليات العسكرية. ووفق المعلومات، فإن الإسرائيليين، وخلال الجولة التى أجروها لأورتاجوس على الحدود مع لبنان أطلعوها على ما لديهم من معطيات حول استعادة حزب الله لبناء قوته وقدراته العسكرية، وقدموا إليها سردية تفيد بأن الحزب لا يزال يهدد إسرائيل، وبإمكانه تنفيذ عمليات داخل المستوطنات الإسرائيلية، ولا سيما حانيتا ومسكافعام. وبدا ذلك كأنه محاولة لتسويغ أى تصعيد إسرائيلى لاحقًا، وتبريره. فى هذا السياق، لا بد من الإشارة إلى أن سجالات ونقاشات وخلافات كبيرة تشهدها إسرائيل حول كيفية التعاطى مع الملف اللبنانى، بين من يشير إلى أن الضربات الحالية لا تمنع حزب الله من بناء قدراته، وأنه لا بد من القيام بعملية برية موسعة، فى مقابل الذين يرفضون ذلك، ويشددون على ضرورة تشديد الخناق والاكتفاء بالعمليات الجوية وتكثيفها.
* إسرائيل.. حمّلت أورتاجوس شروطًا لسحب سلاح حزب الله ومنع بناء قدراته
الدستور، ومن عمق العاصمة اللبنانية بيروت، ووفق ما تسرب من المعلومات، ومن الحراك الدبلوماسى، فإن الإسرائيليين حمّلوا أورتاجوس شروطًا واضحة لسحب سلاح الحزب ومنع بناء قدراته، مع تحديد مهلة زمنية بدأت تضيق قبل أن تتحرك إسرائيل بنفسها، مع الإشارة إلى زيادة التعزيزات العسكرية الإسرائيلية على الحدود مع لبنان. وفى هذا السياق، تشير مصادر متابعة إلى أن هذه الضغوط والتصعيد سترتبط بضغط أمريكى وديبلوماسى على لبنان للقبول بالدخول فى مفاوضات مباشرة لتجنب التعرض لعمليات عسكرية موسعة. لبنانيًا، الاتصالات مستمرة بين الرؤساء والمعنيين لأجل الوصول إلى صيغة للتعاطى مع كل هذه الضغوط، ومع العروض المتواصلة حول الدخول فى مفاوضات لتجنب التصعيد، كما أن اتصالات تحصل مع حزب الله لإقناعه بالتخلى عن إعلاناته المتكررة حول بناء قدراته العسكرية وجهوزيته للقتال، وإقناعه بالموافقة على خطة لحصر السلاح بيد الدولة.
* عون- رشاد.. توازنات جيوسياسية ودبلوماسية مصرية لبنانية
الرئيس اللبنانى جوزيف عون أكد، فى بيان ترحيبى لرئيس المخابرات المصرية: نرحب بأى جهد للمساعدة فى وقف الاعتداءات الإسرائيلية
نقل رشاد إلى عون فى مستهل اللقاء تحيات الرئيس المصرى عبدالفتاح السيسى وتمنياته له بالتوفيق «فى قيادة لبنان نحو شاطئ الأمان».
وفى التفاصيل: التقى رئيس الجمهورية اللبنانية العماد جوزيف عون، الثلاثاء الماضى، فى قصر بعبدا، رئيس المخابرات العامّة المصرية الوزير حسن محمود رشاد مع وفد مرافق، بحضور المدير العام للأمن العام اللواء حسن شقير، ومدير المخابرات فى الجيش العميد أنطوان قهوجى.
ونقل رشاد إلى عون فى مستهل اللقاء تحيات الرئيس المصرى عبدالفتاح السيسى وتمنياته له بالتوفيق «فى قيادة لبنان نحو شاطئ الأمان».
وجرى خلال اللقاء عرض الأوضاع العامَّة فى المنطقة عمومًا، وفى الجنوب خصوصًا، إضافة إلى الوضع فى غزة. وأبدى رشاد استعداد بلاده للمساعدة على تثبيت الاستقرار فى الجنوب، وإنهاء الوضع الأمنى المضطرب فيه، كما جدّد التأكيد على دعم مصر للبنان.
وحمّل عون الوزير رشاد تحياته إلى السيسى، شاكرًا الدعم الذى تقدّمه جمهورية مصر العربية للبنان فى المجالات كافة، مرحبًا بأى جهد مصرى للمساعدة فى وقف الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان وإعادة الاستقرار إلى ربوعه.
جاء ذلك متزامنًا مع خروقات أمنية من جيش الاحتلال الصهيونى، وهو يعزّز الجبهة الشمالية وحزب الله يعيد تموضعه فى العمق اللبنانى.
وكان الإعلام الصهيونى قد أورد فى تقرير لموقع «والا» أن الجيش الإسرائيلى يعيد توجيه جهوده لتعزيز الجبهة الشمالية خلال فترة وقف إطلاق النار، على خلفية تقديرات تفيد بأن حزب الله يستعد لحرب مستقبلية عبر سياسة احتواء مدروسة، تتضمن التضحية بقوات تكتيكية على الحدود للحفاظ على قدراته وتعزيزها فى العمق اللبنانى.
ونقل تقرير الموقع عن محلله العسكرى، أمير بحبوط، أن الضربات الإسرائيلية الحالية تهدف إلى منع إعادة تأهيل الحزب وإرباك استعداداته قدر الإمكان والمساهمة فى تشكيل واقع ميدانى أقل ملاءمة لإطلاق هجوم مفاجئ.
وحسب الجهات الأمنية الإسرائيلية المشارِكة فى التقييم، فقد تكبّد حزب الله «ضربات قاسية» خلال المواجهات الأخيرة لكنه حقّق أيضًا مكاسب جزئية قد يسعى لتطويرها استعدادًا لصراع مقبل. وفى ضوء ذلك، تقع على عاتق شعبة الاستخبارات العسكرية مهمة بالغة التعقيد: تحديث نظام إنذار مبكر قادر على التصدى لاحتمال هجوم مفاجئ مشابه لما حصل فى 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
وأشار التقرير إلى أن سلوك حزب الله العلنى يبيّن نقل مراكز ثقله إلى عمق سهل البقاع، ما يجعل أى مواجهة محتملة تتطلب مناورة برية وجوية أوسع فى داخل لبنان لاستهداف قدرات الحزب الصاروخية والدقيقة، بما فى ذلك طائرات مسيّرة. وفى هذا الإطار، سيحتاج الجيش الإسرائيلى- إذا تطلّب الأمر- إلى زيادة الآليات المدرعة «ناقلات جند ودبابات»، وتعزيز الدعم النارى من الجو والأرض، وتوسيع قدرات الإسناد واللوجستيات، إضافة إلى قوات هندسية متخصصة.
كما حذّر التقرير من تصاعد التعقيد الاستخباراتى كلما تراجع الحزب إلى مناطق عمرانية داخل منشآت مدنية وتحت الأرض، ما يصعّب تحديد عناصره واستهدافها. وأكّد الكاتب أن الخبرات من العدوانين الأخيرين على لبنان وغزة برهنت على أن الضربات الجوية وحدها لا تعوّض عن العمليات الهندسية البرّية، ما يزيد من المخاطر التى ستواجه القوات أثناء الوصول للأهداف داخل معاقل العدو.
ولفت التقرير، أيضًا، إلى متابعة الجيش لتطوّر قدرات وحدات تشغيل الطائرات المسيّرة لدى حزب الله، خصوصًا «الوحدة 127» التى يُحتمل أن تُوسّع نشر فرق مسيّرة بقدرات متنوعة فى أنحاء لبنان. وفى مجمل الصورة، يتوقع المراقبون أن تكون مواجهة المستقبل «حرب عقول» تعتمد مزيجًا من الضربات الاستخباراتية والتقنية والعملياتية، فى ظل تحديات كبيرة تتعلق بالتخفى الحضرى والقدرة على الاستهداف الدقيق.
* رشاد يعرض وساطة للاستقرار.. وفق «اتفاق غزة 2» بنسخة لبنانية معدلة
حيز الساعات الماضية، أوردت الكثير مما قد يفهم من دلالة كيف دخلت مصر هذه المرحلة كلاعب أساسى على خط الوساطة لإرساء الاستقرار فى لبنان؟.. والذى يتابع فى الأوساط اللبنانية، أن الوساطة المصرية، قد تكون مجرد نقل تجربة غزة وكيفية الاستفادة من أجواء الاتفاق، خصوصًا أن رئيس المخابرات المصرية حسن رشاد، الذى يجول على الرؤساء فى لبنان، كان له دور فى الهدنة التى تم توصل إليها فى غزة. وفى إطار جس نبض لبنان لاستكمال هذه الوساطة، نقل رئيس الجمهورية العماد جوزيف عون للموفد المصرى ترحيبه بأى جهد مصرى للمساعدة فى وقف الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان.
وتأتى زيارة رشاد إلى لبنان ضمن مساعٍ إقليميّة لتثبيت التهدئة فى لبنان، وتشير المعلومات إلى أن رئيس المخابرات وضع عون فى جو الجهود التى تم القيام بها فى غزة، وأبدى استعداد مصر للمساعدة فى إرساء الاستقرار بلبنان.
وكان عون التقى مدير المخابرات المصرية، اللواء حسن محمود رشاد والوفد المرافق، وشارك فى اللقاء عن الجانب اللبنانى مدير عام الأمن العام اللواء حسن شقير ومدير المخابرات فى الجيش طونى قهوجى، وتم البحث فى الملفات الأمنية والعسكرية والتنسيق بين الدولتين، وكيفية الاستفادة من أجواء اتفاق غزة وقمة شرم الشيخ لتوسيعها لتشمل لبنان.
ونقل رشاد إلى عون فى مستهل اللقاء، تحيات الرئيس المصرى عبدالفتاح السيسى وتمنياته له بالتوفيق فى قيادة لبنان نحو شاطئ الأمان. وتمَّ خلال اللقاء عرض الأوضاع العامَّة فى المنطقة عموما، وفى الجنوب خصوصًا، إضافة إلى الوضع فى غزة. وأبدى رشاد استعداد بلاده للمساعدة فى تثبيت الاستقرار فى الجنوب وإنهاء الوضع الأمنى المضطرب فيه. كما جدد التأكيد على دعم مصر للبنان.
وحمّل عون الوزير رشاد تحياته إلى الرئيس السيسى، شاكرًا الدعم الذى تقدمه جمهورية مصر العربية للبنان فى كل المجالات، مرحبًا بأى جهد مصرى للمساعدة فى وقف الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان وإعادة الاستقرار إلى ربوعه.
ومن بعبدا إلى عين التينة، استقبل رئيس مجلس النواب نبيه برى رئيس المخابرات المصرية والوفد المرافق.
وعن لقائه الرئيس اللبنانى العماد «جوزيف عون»، تبادلت وسائط إعلامية ودبلماسية، ما تردد حول لقاء عون- رشاد، ومن تفاصيل الحدث: يلتقى فى هذه الأثناء الوفد المصرى برئاسة رئيس الاستخبارات المصرية «حسن رشاد» فى قصر بعبدا.
وفى السياق ذاته، نقلت النهار أن المصادر الإعلامية اللبنانية تقول: المبعوثة الأمريكية «مورجان أورتاجوس» عرضت على رئيس مجلس النواب نبيه برى خيارين، الأول: التفاوض المباشر مع إسرائيل، والخيار الثانى: التفاوض غير المباشر عبر لجنة الميكانيزم، وربّما تتوسّع وتضمّ مدنيين وقد يكون هذا هو المخرج الذى يُعمل.
وفى تنبيهات، يبدو أن أورتاجوس نقلت لبرّى كلامًا لرئيس الحكومة الإسرائيلية السفاح بنيامين نتنياهو عن تهريب أسلحة من سوريا إلى لبنان، وقالت إنّ الإدارة الأمريكية لم تتأكد بعد من هذا الموضوع، وهى لم تتبنَّ الرواية الإسرائيلية، إنّما نقلتها كما هى، وأكّدت المخاوف فى حال ثبوتها.. وعززت بعض التسريبات أن صحيفة «يسرائيل هيوم» العبرية تؤكد: تقديرات إسرائيلية رسمية بأن إيران نقلت أسلحة إلى حزب الله عبر العراق وسوريا، وأن التقديرات الإسرائيلية الرسمية بأن حزب الله يمتلك نحو 10 آلاف صاروخ.
صحيفة «يسرائيل هيوم»، العبرية، هددت عن مسئولين: إن لم تستطع الحكومة اللبنانية نزع سلاح حزب الله، فلن يكون هناك مفر من تنفيذ عملية مركزة ومحددة ضد أهداف للحزب.
.. لهذا لجأ الرئيس عون خلال لقائه أورتاجوس داعيًا لتفعيل عمل لجنة «الميكانيزم» ولا سيما لجهة وقف الخروقات والاعتداءات الإسرائيلية المستمرة وتطبيق القرار 1701 لتمكين الجيش اللبنانى من استكمال انتشاره حتى الحدود الدولية الجنوبية.
.. وأخذت البيانات، بعدها المؤثر، فالرئاسة اللبنانية قالت: الرئيس العماد جوزيف بحث مع مدير المخابرات المصرية اللواء حسن محمود رشاد فى الملفات الأمنية والعسكرية والتنسيق بين الدولتين، وكيفية الاستفادة من أجواء اتفاق غزة وقمة شرم الشيخ لتوسيعها لتشمل لبنان.
.. ولفتت إلى أهمية أن اللواء رشاد أبدى استعداد بلاده للمساعدة فى تثبيت الاستقرار فى الجنوب وإنهاء الوضع الأمنى المضطرب فيه، كما جدد التأكيد على دعم مصر للبنان.
* خليفة: هل تنجح مصر فى تبريد الجبهة اللبنانية؟
كان المحلل السياسى حسين خليفة ينتبه إلى مدلولات الوساطة المصرية، وبالتالى الزيارة المهمة لمدير المخابرات المصرية، ويرى خليفة:
* 1:
فيما كانت واشنطن تتراجع خطوات إلى الوراء على خطّ الجبهة اللبنانية، خصوصًا بعد التصريحات الأخيرة لموفدها الرئاسى توم براك، حين لوّح بتحرّك إسرائيلى وشيك، فى حال عدم نزع سلاح «حزب الله»، يبدو أنّ القاهرة تقدّمت خطوة إلى الأمام؛ فقد سُجّلت خلال الساعات الماضية حركةٌ مصريةٌ نشطة، تُدرَج ضمن مساعٍ إقليميّة لتثبيت التهدئة فى لبنان، خصوصًا بعد التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار فى قطاع غزة.
* 2:
على الأرض، تحرّك السفير المصرى فى بيروت علاء موسى، فعقد لقاءات متتالية مع الرؤساء الثلاثة، مؤكّدًا على هامشها أنّ بلاده تبذل جهودًا لتهدئة الأوضاع فى الأراضى اللبنانية، على وقع التطوّرات والاعتداءات الإسرائيلية. وترافق ذلك مع حديثٍ متزايد عن زيارةٍ «استطلاعية» لمدير المخابرات المصرية اللواء حسن رشاد إلى بيروت، تمهيدًا لوساطةٍ تُعيد تشغيل قنوات خفض التصعيد فى مواجهة مؤشّراتٍ على قرب انفلات الميدان.
* 3:
يأتى الحراك المصرى بعد تراجع الوساطات الدولية، وخصوصًا الأمريكية، التى يرى كثيرون أنّها أفرِغت من مضمونها بنتيجة تصريحات توم براك الأخيرة، التى تخلّى فيها صراحةً عن دور «الوسيط»، وانحاز بوضوح إلى أحد الطرفين، كما يأتى أيضًا على وقع التسريبات الإسرائيلية المتصاعدة فى الأوساط الإعلامية والسياسية على حدّ سواء عن «حسم قريب» فى لبنان، فهل تنجح مصر فى المهمّة، وتملأ فراغ الوساطات؟
* لماذا مصر الآن؟
هكذا إذًا يجترح خليفة من موقعه كمحلل سياسى وأمنى فى منصة لبنان 24، فيعيد حيرة المنطقة والشرق الأوسط، حول الحراك السياسى والدبلوماسية المكثفة، فيطرح سؤالًا ليرد عليه:
- لماذا مصر الآن؟.. ويبدو فى الإجابات برجماتيًا مترقبًا الآتى:
مع ذلك قال: لم يعد الحراك المصرى على خطّ لبنان خبرًا جانبيًا، إذ تكثّفت خلال الساعات الماضية الإشارات إلى انتقال القاهرة من الاكتفاء بوضعية المراقبة إلى التحرك علنًا وبلا مواربة، ما يدفع كثيرين إلى طرح السؤال المحورى: لماذا تحرّكت القاهرة الآن تحديدًا، وما الدوافع والأهداف الكامنة خلف هذا الحراك المستجدّ؟ وبمعنى آخر، ما الذى تريده القاهرة، وما الذى يمكن أن تقدّمه على هذا المستوى؟
.. عمليًا، وجيوسياسيًا أمنيًا، تشير مجموعة من العوامل التى راكمت الحاجة إلى وسيطٍ إقليمى «ثقيل»، إن صحّ التعبير، من طراز القاهرة.
* العامل الأول
انسداد المسارات الدولية، إذ بدت قنوات الوساطة الغربية، ولا سيما الأمريكية، أقل فاعلية فى الأيام الأخيرة، بدليل أنّ السردية التى حملتها زيارة الموفدة الأمريكية مورجان أورتاجوس والإشارات الإسرائيلية المرافقة لها مالت إلى تشديد الشروط ورفع النبرة أكثر من تثبيت وقف نارٍ مستدام، مع تلويحٍ إعلامى- سياسى بأنّ نافذة الخيارات تضيق.
* العامل الثانى
ربطًا بتشابك الميدان مع الرسائل السياسية، فإسرائيل واصلت الضغط بالنار، وتوسيع بنك الأهداف، فيما كانت واشنطن تترك عبر رسائل دبلوماسية تكاد تبرّر الخروقات الإسرائيلية، ولا تقترب من تقديم أيّ ضمانات أمنية أو سياسية لا بدّ منها فى هذه المرحلة، وهنا تحديدًا تبرز مصر كوسيطٍ قادرٍ على محاورة تل أبيب وواشنطن ودوائر لبنانيةٍ متعدّدة فى آنٍ واحد، وهى ميزةٌ خبرتها القاهرة تاريخيًا.
* العامل الثالث
خليفة يتوصل هنا إلى حقيقة أن الرهان المصرى اليوم يستند إلى حدّ بعيد، وفق الكثير من القراءات، إلى تجربة، أو «سابقة» غزة، إذ إنّ القاهرة لعبت دورًا محوريًا فى مفاوضات غزة إلى جانب قطر، ضمن تنسيق لصيق مع واشنطن. ولعلّ هذا النموذج هو ما تسعى مصر إلى «استنساخه» فى لبنان، بشكل منهجى ومدروس، ومع مراعاة أنّ الساحة اللبنانية أكثر تعقيدًا وحساسية فى البُنى الداخلية وقواعد الاشتباك، ما يتطلب مقاربة مختلفة.
* بين واشنطن وتل أبيب والداخل
يتابع الأحداث، يقر خليفة: أبعد من سؤال «لماذا مصر الآن؟»، أسئلة كثيرة تُطرَح على هامش الحراك المصرى، بينها ما يتعلق بتموضع مختلف الأطراف المعنيّة منه، بما فى ذلك الأمريكيون والإسرائيليون، فضلًا عن مقاربة الداخل اللبنانى، بما يشمل «حزب الله»، لهذه الوساطة، والحدود التى قد تكون متاحة لها، أو ربما «هامش المناورة» المسموح، وكلّ ذلك يقود إلى السؤال الكبير: هل تمتلك هذه المبادرة فعلًا بين طيّاتها فرص النجاح؟
حتى اللحظة، تبدو المهمّة حسب المعطيات الأولية المتوافرة، استطلاعية ولم تخرج من دائرة «جسّ النبض»، هدفها المُعلَن استكشاف هوامش التهدئة وإعادة فتح قناةٍ تفاوضية تُخفّض المخاطر بالحدّ الأدنى. إلا أنّ ما يميّز هذه الوساطة عن غيرها يكمن فى خصوصية القاهرة، وما تمتلكه من أدوات تأثير متشعبة، فضلًا عن أنها وسيط مقبول فى الإقليم ولا يُقرأ حضوره كاستفزاز مباشر لأى طرف لبنانى مركزى.
هنا، ثمّة من يسأل: أين تقف واشنطن وتل أبيب من «النافذة المصرية»؟ قد يكون من المبكر لأوانه الحصول على إجابة، لكن بالنسبة إلى واشنطن، تفيد «النافذة المصرية» كمسارٍ موازٍ يُخفّض الكلفة دون أن تُضطر الإدارة إلى تقديم ضماناتٍ مكتوبة لا تستطيع تمريرها الآن. أما إسرائيل، فأجواؤها لا تزال غير ناضجة، وسط انطباع سائد بأنّها توظف التصعيد المحسوب لرفع سقف التفاوض، مع التلويح بأنّ التهدئة فى غزة قد تحرر أوراق ضغط فى لبنان.
* لبنان تتجنّب الشعارات الحدّية
لبنانيًا، وفق تحليل حسين خليفة، تبقى القاعدة الحساسة هى تمرير أى مسار عبر الدولة مع تجنّب الشعارات الحدّية. بمعنى آخر، فإنّ لبنانيًا، المطلوب لغة رسمية موحّدة تُقلّص التناقض بين الرسائل السياسية والميدانية، وخطواتٌ محدودة قابلة للقياس: تقليص نقاط الاحتكاك، آليةٌ سريعة لمعالجة الخروق، وضبط الخطاب التحريضى. وثمّة من يرى أنّ نجاح القاهرة هنا مرهونٌ بمدى قدرة القوى اللبنانية على توفير «غطاءٍ كافٍ» لخطوات التبريد دون كلفةٍ سياسية إضافية داخليًا.
.. لكن، الثابت حتى الآن أنّ القاهرة لا تَعِدُ بحلٍّ سحرى، بل بممرٍّ عملى لفرملة الانزلاق. فإذا نجحت الزيارة الاستطلاعية فى تثبيت حدٍّ أدنى من التفاهمات الأوليّة، أمكن بناء مسارٍ يضبط «الضغط بالنار» قبل أن يتحوّل إلى واقعٍ مفروض؛ أمّا الفشل، فيعنى العودة إلى عضّ الأصابع وتوسيع هامش المخاطرة جنوبًا وداخليًا. وبين هذين الخيارين، تبدو نافذة مصر، الآن، الفرصة الأكثر عقلانية لالتقاط الأنفاس وبناء تفاهماتٍ تدريجية، قبل أن يسبق الحدث أى مفاوضات.. وفى الخلاصة، وفق خليفة، التحليل مقارنة ومعلومات.
* ماهية التنسيق الأمريكى- المصرى بشأن لبنان
توافق ما، سياسى اجتماعى، لحل الأسئلة عن مدارات 72 ساعة عاشرتها الدبلوماسية فى أجواء بيروت، وفى ذلك:
* أ:
محطتان أساسيتان يشهدهما لبنان هذا الأسبوع، وهما على تماس مباشر بالوضع فى الجنوب فى ضوء العدوان الإسرائيلى المستمر.
- المحطة الأولى: مرتبطة بوصول الموفدة الأمريكية مورجان أورتاجوس إلى بيروت قادمة من إسرائيل فى زيارة تستمر حتى 24 ساعة، وعلى جدول أعمالها اجتماعها برئيس الجمهورية جوزيف عون ورئيسى مجلس النواب والحكومة للوقوف على ما لديها من جديد، فى ضوء معاينتها الجانب الإسرائيلى للحدود اللبنانية المتاخمة لها، كونها مكلفة بمواكبة اجتماعات لجنة المراقبة الدولية الموكل إليها تثبيت وقف إطلاق النار وحضورها اجتماعها الأسبوعى غدًا.
* ب:
كما يُنتظر وصول مدير المخابرات المصرية اللواء حسن رشاد. كما أُعلن عن وصول الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبوالغيط.
ومن المرتقب أن يصل الى بيروت غدًا المبعوث الأمريكى توم براك. وحسبما نُقل عنه، فإنّ مهمّته هذه قد تكون الأخيرة، فى حال رفض لبنان القبول بوساطة أمريكية لإدارة اتفاق مباشر مع إسرائيل.
وأكّد مصدر دبلوماسى أن زيارة مدير المخابرات المصرية «بالغة الأهمية والدلالة فى هذا التوقيت»، مشيرًا إلى أنّها لا تنفصل عن التنسيق الأمريكى- المصرى ومحاولة التأسيس لمرحلة سياسية جديدة بعد اتفاق غزة وشرم الشيخ. وقد كانت هذه الزيارة محور بحث بين رئيس الجمهورية العماد جوزيف عون والسفير المصرى فى لبنان علاء موسى، الذى نقل إلى الرئيس تأكيد «وقوف مصر الكامل والواضح إلى جانب لبنان» واستعدادها تقديم يد العون، مشدّدًا على أن «الزيارة تدخل فى إطار التنسيق الأمنى والسياسى مع لبنان، ومصر تبذل جهودًا لتهدئة الأوضاع».
* ج:
استبعد مسئول لبنانى رفيع أن تكون زيارة رشاد لنقل تهديدات كما تردد، قائلًا: «رئيس المخابرات المصرية ليس الجهة الصالحة لنقل التهديدات أو التحذيرات. فهناك قنوات أخرى لذلك، سواء أكانت أمريكية أو غربية، وتوم براك لم يقصّر فى هذا المجال».
* د:
قال مصدر وزارى إن رشاد لا يحمل أفكارًا جاهزة، وإن مهمته تتلخص فى استكشاف الموقف اللبنانى لتقدير ما إذا كانت الأبواب مفتوحة أمام قيام القيادة المصرية بوساطة على غرار الوساطة فى غزة.
هذه التحركات الدبلوماسية تأتى على وقع تصاعد وتيرة التأزم بين رئيس مجلس النواب نبيه برى ومعارضيه الذين قرروا مقاطعة الجلسة التشريعية التى تُعقد اليوم استكمالًا للجلسة السابقة، وذلك احتجاجًا على امتناعه عن إدراج اقتراح القانون المعجّل المكرر الرامى إلى شطب المادتين 112 و122 من قانون الانتخابات النيابية، ما يسمح للبنانيين فى الاغتراب بالاقتراع من مقر إقامتهم، حسب قيودهم فى لوائح الشطب لـ128 نائبًا.
ويقف على رأس مقاطعى الجلسة حزبا «القوات اللبنانية» و«الكتائب» وعدد وافر من «النواب التغييريين والمستقلين»، فيما يرفض «اللقاء الديمقراطى» مقاطعة الجلسات وإن كان يتوافق وإياهم على شطبهما من القانون.
* الجامعة العربية على الخط
أبوالغيط التقى عون واستبعد مؤشرات أى حرب.
وكما أوردت النهار اللبنانية، وتناقلت ذلك الصحف الفضائيات العربية والدولية، فقد عرض رئيس الجمهورية العماد جويف عون مع الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبوالغيط خلال استقباله له فى قصر بعبدا الثلاثاء الماضى، الأوضاع العامة فى المنطقة، فى ضوء التطورات المتسارعة التى تشهدها، وموقف لبنان من الأحداث التى تجرى ومساعيه التى يبذلها مع الدول الشقيقة والصديقة من أجل الضغط على إسرائيل لوقف اعتداءاتها، والالتزام ببنود وقف الأعمال العدائية الذى تم التوصل إليه منذ قرابة العام.
ورافق أبوالغيط، الأمين العام المساعد للجامعة العربية السفير أحمد زكى، ووفد من المسئولين فى الجامعة.
وبعد اللقاء، قال أبوالغيط: «تشرفت بلقاء عون، والسبب الرئيسى لزيارتى لبنان هو المشاركة فى مؤتمرين مهمين: الأول يتعلق بالتعاون لمكافحة الإرهاب بين الجامعة العربية والاتحاد الأوروبى ولبنان وقد عقد فى كلية القادة والأركان، والثانى هو منتدى اللقاء الإعلامى العربى، وفيما بينهما شاركت فى حديث لطلبة أكاديمية القادة والأركان عن الوضع الدولى والإقليمى والحالة اللبنانية».
وأضاف: «أما اللقاء مع عون، فكان تحليليًا للوضع الإقليمى والدولى ووضع لبنان، ولمست لدى الرئيس عون ثقة بأن الأمور فى لبنان تسير فى الطريق السليم، ولديه ثقة أيضًا فى مستقبل البلد. كما أبلغنى من جهة ثانية، عن لقائه المبعوثة الأمريكية مورجان أورتاجوس، ومع رئيس المخابرات المصرية، ووضعنى فى صورة الأجواء فى لبنان».
وتابع أبوالغيط: «من جهتى، عرضت رؤيتى للتحرك الأمريكى الحالى لدفع عملية السلام فى الشرق الأوسط والتصميم الأمريكى الواضح على الإمساك بزمام الأمور وعدم ترك العنان، كما حصل سابقًا مع إسرائيل فى التعاطى مع المسألة الفلسطينية على مدى العامين الأخيرين، فقد تغيرت الأمور. واتفقت مع عون بشكل عام، على أن الأمور تسير نحو الأفضل».
وسُئِل: هل يمكن القول بوجود جهود مصرية- أمريكية لمساعدة لبنان على الخروج من هذه الازمة؟ أجاب: «كما أرصد بصفتى أمين عام جامعة الدول العربية ومتابعًا للتطورات السياسية، فإن تقديرك سليم إلى حد كبير».
كما سُئِل: «هل هناك قلق لدى الجامعة العربية من عودة الحرب إلى لبنان؟ فأشار أبوالغيط إلى أن «عودة الحرب واردة، ولكن من وجهة نظرى، إنها أمر مستبعد للغاية خصوصًا فى ظل الحوار مع الولايات المتحدة التى تضغط باتجاه تخلى إسرائيل عن النقاط الخمس وعدم دخولها وتدخلها فى الأراضى اللبنانية، وبشكل عام، ومن وجهة نظرى الشخصية، ليس هناك من خطر مباشر».
وفى سؤال عما هو المطلوب خارجيًا من لبنان اليوم؟ وماذا عن مسألة التفاوض مع إسرائيل؟ قال: «تم بحث الموضوع بشكل سريع، وأفضّل ألا اتطرق إلى هذا الموضوع».
وسُئِل أيضًا: كيف يمكن أن تسير الأمور بشكل أفضل وفق رؤيتك التى عرضتها؟ فشدد أبوالغيط على أن «الولايات المتحدة تستخدم إمكاناتها وقدراتها وأساليبها وتأثيرها، وهناك رئيس أمريكى بالغ الوضوح، والتحولات معه تسير نحو رغبة فى تحقيق سياساته التى تهدف إلى إرساء الاستقرار والسلام ووقف الاقتتال، ويجب الاستمرار فى الحديث معه».
فى سياق متصل، شرح الكاتب فى النهار البيروتية رضوان عقيل، ما يطرحه سؤال المرحلة بكل حساسيتها، وهو سؤال مدير المخابرات المصرية: هل ينقل إنذارًا من نتنياهو للبنان؟
ويرى الكاتب أن حركة دبلوماسية تسابق خطر التدهور.. حزب الله أوقع نفسه فى الفخ واستراتيجيًا جديدة لترامب.
.. وهو يسابق الاحداث: لن تكون الحركة المحمومة للموفدين بين لبنان وإسرائيل، التى ظهرت فى الساعات الأخيرة وستظهر تباعًا فى الساعات والأيام المقبلة، سوى ترجمة للمآل الدقيق والحساس بل الخطير الذى رسمته التطورات الميدانية فى الآونة الأخيرة، الأمر الذى يعنى بوضوح أن الحركة الدبلوماسية الساخنة تندرج فى إطار استدراك وتجنّب تدهور ميدانى واسع، سواء اقتصر على تكثيف متدحرج للعمليات الإسرائيلية فى لبنان أم تجاوزتها إلى عملية واسعة النطاق.
.. وفى مؤشرات مقدمات الحدث قال: يحضر مدير المخابرات المصرية العامة اللواء حسن رشاد إلى بيروت اليوم تزامنًا مع مجىء الموفدة الأمريكية مورجان أورتاجوس للقاء المسئولين السياسيين والأمنيين مع ارتفاع معدل الاستهدافات والتهديدات الإسرائيلية ضد «حزب الله» فى الجنوب والبقاع وانتظار ما سيخلص من اتفاق غزة الذى تم بتدخل مباشر من الرئيس الأمريكى دونالد ترامب.
.. لبنان السياسى، بكل صورته التى يتعامل معها العالم، هو الباحث عن («منع الانفجار لا إشعاله»).. التصعيد ممكن والحرب مستبعدة.
.. كل ذلك أجاد به المحلل الاستراتيجى على منتش، وهو وضع المسألة بالقول، عن إمكانية وجود اسباب لأى حرب
* السبب الأول
الحديث عن احتمال الحرب فى لبنان أخذ فى الآونة الأخيرة حجمًا كبيرًا، وكأن البلاد على شفير مواجهة وشيكة. لكنّ التمعّن فى الواقعين الإقليمى والداخلى يُظهر أن الحرب، رغم الضجيج والتهويل، تبقى احتمالًا ضعيفًا. فكل المعطيات تدل على أن التصعيد القائم يُستخدم كورقة ضغط سياسية أكثر مما هو مقدمة فعلية لمعارك ميدانية. هناك من يريد أن يرفع منسوب الخوف كى يحصل على مكاسب تفاوضية، أو ليُحسّن موقعه فى أى تسوية مقبلة، لا أكثر.
.. وأن جميع الأطراف الفاعلة، سواء فى الداخل اللبنانى أو فى المنطقة، تعرف أن الحرب اليوم لا تُشبه الحروب السابقة. فلبنان فى وضع اقتصادى هش، والبنية التحتية شبه منهارة، وأى اشتباك واسع سيؤدى إلى انهيار ما تبقّى من الدولة. كذلك فإن القوى الإقليمية الكبرى ليست فى وارد إشعال جبهة جديدة، خصوصًا بعد التجارب المريرة التى خاضتها خلال السنوات الأخيرة. الجميع يعلم أن أى مواجهة مفتوحة على الساحة اللبنانية ستجرّ المنطقة إلى فوضى يصعب ضبطها، وهذا ما لا تريده لا واشنطن ولا طهران ولا تل أبيب.
* السبب الثانى
الذى يجعل الحرب مستبعدة هو توازن الردع القائم. فكل طرف يدرك تمامًا كلفة المغامرة. إسرائيل تدرك أن أى توسّع ميدانى فى لبنان سيؤدى إلى ردّ قاسٍ، وقد يفتح الجبهة الشمالية على مصير مجهول. وفى المقابل، فان القوى اللبنانية المتحالفة مع محور المقاومة تدرك أن الدخول فى مواجهة شاملة فى هذه الظروف قد يعزل لبنان دوليًا ويؤدى إلى خسائر بشرية واقتصادية فادحة. هذا التوازن الدقيق يجعل خيار الحرب مكلفًا إلى درجة تجعله آخر الاحتمالات، لا أولها.
* رسائل..!
منتشٍ، يعتقد أن كل الرسائل التى تُرسل من الخارج إلى لبنان، سواء عبر الدبلوماسيين أو الوسطاء، تصبّ فى خانة «تجنّب الانفجار». المجتمع الدولى يريد إبقاء الوضع تحت السيطرة، لأن أى فوضى فى لبنان ستنعكس مباشرة على أمن المتوسط وأوروبا، وعلى مصالح دول كبرى.
.. ومع كل الأفق المبهم، منتشٍ يتوصل إلى أن بناءً على كل ذلك، يمكن القول إن الحرب اليوم تُستخدم كلغة تهويل وضغط، لكنها ليست خيارًا مرجحًا. فالكل يُلوّح بها، لكن لا أحد يريدها فعلًا. ومن الواضح أن من يرفع نبرة التهديد يسعى إلى تحسين شروطه السياسية أو الحصول على مكاسب فى ملفات أخرى. ولذلك، فإن التوتر سيبقى فى حدود التصعيد الكلامى وربما بعض المناوشات المحدودة، لكنه لن يتحوّل إلى حرب شاملة. فالمصالح الإقليمية والدولية والداخلية تتقاطع جميعها عند نقطة واحدة: منع الانفجار، لا إشعاله.
.. وشخصيات قد أكون بعيدًا عن طبيعة التحليل السياسى الأمنى فى دولة مثل لبنان، والأسباب قطعا ليس حزب الله أو غيره.
.. المباحثات وكل ما ينتج عنها، هو سباق فى متاهة بين الدبلوماسية والأمن والتصعيد العسكرى، فى حالة وجود جبهة حرب.
لهذا من الجائز أن تبقى هذه المعادلة هى صاحبة الوصف الدقيق لحقيقة الوضع فى لبنان ربطًا بالزحمة الدبلوماسية التى تشهدها بيروت من الموفدة الأمريكية مورجان أورتاجوس، إلى زيارة رئيس المخابرات المصرية حسن رشاد، والأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبوالغيط، إضافة إلى المعلومات التى تتحدث عن زيارة سيجريها الموفد السعودى يزيد بن فرحان فى الأيام القليلة المقبلة، والزيارة المرتقبة للموفد الأمريكى توم براك أيضًا خلال الأيام المقبلة، التى ستسبق وصول السفير الأمريكى الجديد إلى لبنان ميشال عيسى.
.. الاتفاق اللبنانى- الإسرائيلى، مرتهن لمسافة غير مفهومة من الدلماسية الشريط الأمريكية.. الاقتراب من الحرب، يشيل معه كل المنطقة وهى حرب العم سام التى يتغير خرائط الشرق، وصولًا إلى إيران وربما أبعد.