مضيق هرمز.. على صفيح ساخن*لما جمال العبسه
الدستور
وسط ارتفاع صوت قرع طبول الحرب الدائرة في الشرق الأوسط والتي بدأت بالعدوان الصهيوني على ايران، ينبثق من مياه الخليج العربي توتر يُنذر بعواقب كارثية على العالم أجمع، والتي تصاعدت باحتمال مشاركة الولايات المتحدة الامريكية دولة الكيان الصهيوني في هذه الحرب تحت غطاء «إعادة تشكيل المنطقة» وتفكيك ما يراه تهديدًا وجوديًا لإسرائيل، ومع ارتفاع صوت الوعيد الامريكي عادت طهران لتهدد بإغلاق مضيق هرمز وتفخيخ مياهه، في خطوة قد تُشكل أكبر تهديد مباشر لإمدادات الطاقة من المنطقة منذ عقود.
الغريب في الامر ان هذه الحسابات العسكرية الصهيوامريكية تتجاهل عمدا أو جهلا، الكلفة الاقتصادية والسياسية لمغامرة كهذه قد تشعل فتيل أزمة عالمية لا يمكن احتواؤها بسهولة، ولعل الأخطر، أن انزلاق المنطقة إلى مواجهة شاملة قد يفتح الباب أمام تدخل جماعة الحوثي اليمنية وإغلاق مضيق باب المندب، مما يجعل تصدير النفط الخليجي إلى آسيا شبه مستحيل، ويُدخل العالم في دوامة اختناق مزدوج تبدأ من الخليج... وتمر عبر البحر الأحمر.
لمن لا يعرف فإن هذا المضيق البحري الاضيق عالميا يقع بين سلطنة عُمان وإيران، ويربط الخليج العربي بخليج عُمان وبحر العرب، ورغم أن اتساعه لا يتجاوز 33 كيلومترا عند أضيق نقطة، إلا أن ثقله الاستراتيجي عظيم، ذلك ان نحو 20 مليون برميل يوميا من النفط يمر من خلاله أي حوالي خُمس الاستهلاك العالمي، فضلًا عن معظم صادرات الغاز الطبيعي المسال من قطر، والتي تمثل ربع الاستخدام العالمي، كما تعتمد السعودية، الإمارات، الكويت، العراق وإيران على هذا المضيق لتصريف الجزء الأكبر من صادراتها النفطية لاسيا، وبذلك، فإن أي تهديد لا يُترجم فقط إلى أزمة طاقة، بل إلى زلزال اقتصادي عالمي.
في خضم هذا المشهد المتوتر، وتلميح الرئيس الأميركي إلى نيته قصف العاصمة طهران قبل نهاية الأسبوع، ويدّعي أن الضربة قد تفضي إلى تغيير النظام الإيراني وتقويض التهديد الوجودي لإسرائل،نجد أن هذه النوايا تقابلها تحذيرات عديدة من تداعيات لا يمكن التنبؤ بها، وسط اتهامات لواشنطن بالارتهان لأجندة ضيقة تخص رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو، الساعي لتصدير أزماته السياسية الداخلية نحو الخارج، فلا يضيره اي تبعات مهما عظمت او اتسعت رقعتها، ما يعني ان واشنطن على اعتاب مغامرة غير محسوبة العواقب، بل وتلامس تداعياتها الجميع دون استثناء.
ع ايران، وان الاخيرة ستقوم بتنفيذ تهديداتها فان اهم واول من سيتأثر أسواق النفط التي قد تشهد قفزة تاريخية في الأسعار، وتدفع البرميل لما يتجاوز 150 دولارا، إن لم يكن أكثر، وترتد هذه القفزة على شكل تضخم واسع النطاق في الاقتصادات المستوردة للطاقة مثل الصين والهند واليابان، وتنهك الأسواق الأوروبية التي بالكاد استعادت توازنها من أزمات سابقة، فما بالك باقتصادات الدول النامية المستوردة للنفط.أما الولايات المتحدة، فرغم استقلالها النسبي في مجال الطاقة، الا انها ستواجه اضطرابات مالية وضغوطًا تضخمية جديدة، ستؤثر على سلوك السوق.
منذ أكثر من أربعة عقود، ظلت إيران تُلوّح بإغلاق مضيق هرمز دون أن تقدم عليه، أما اليوم، فإن لغة التهديد تتجاوز عتبة المناورة إلى حافة التنفيذ. وبينما يخشى العالم من اندلاع حرب شاملة، يُخشى أيضا أن يتحول المضيق إلى أداة عقاب اقتصادي عابر للقارات.
وفي لعبة عضّ الأصابع هذه، قد يمتلك الجميع أوراق ضغط، لكن الخاسر الأكبر سيكون الاقتصاد العالمي الذي بات يختنق بتقلبات الطاقة، والرهانات العسكرية، وعجز الدبلوماسية، فمن سيصرخ أولًا؟ ومن سيُمنى بأقل الخسائر؟