الغد
يدرك الأردن أن استمرار المواجهة العسكرية بين إسرائيل وإيران، قد يدفع المنطقة نحو حرب أوسع، تحمل في طياتها مخاطر عدم استقرار طويل الأمد، وتداعيات اقتصادية ثقيلة. ولهذا تبذل الدبلوماسية الأردنية جهودا مكثفة على الساحتين العربية والدولية، لوقف العدوان الإسرائيلي على إيران، بأقرب وقت ممكن، والعودة إلى طاولة المفاوضات مع الولايات المحدة الأميركية للوصول لحل سياسي لمشروع إيران النووي.
ثمة إشارات قوية على استعداد طهران لوقف ضرباتها الصاروخية فورا في حال أنهت إسرائيل حملتها الجوية على إيران.
وتراهن أوساط سياسية ودبلوماسية عربية على وقف العمليات العسكرية خلال أيام قليلة، نظرا للتعقيدات والصعوبات التي تحول دون قدرة الطرفين على إدامة حرب بالطائرات والصواريخ البعيدة لفترات طويلة.
يدعم هذا الرهان، موقف أميركي جاء على لسان الرئيس ترامب، يشير إلى رغبة إدارته بوقف عاجل للحرب، وجهود خلف الكواليس تبذلها إدارته للوصول إلى هذه الغاية في أقرب وقت.
حكومة نتنياهو المتطرفة، التي ما تزال تحاول جر أميركا للحرب، أصبحت على علم بأن الوقت المتاح لها لمواصلة هجومها بدأ بالنفاد، وأن عليها أن تكثف من ضرباتها لتحقيق أكبر قدر ممكن من أهداف الحرب.
الأردن ودول المنطقة تدفع ثمن هذا الجنون، وهي تبحث بكل طاقتها عن عاقل يخرج ليضع حدا لهذا الوضع قبل أن ينزلق الشرق الأوسط نحو الهاوية.
نجاح الجهود الدبلوماسية يعني بالنسبة للأردن تجنب خطر انقطاع الغاز، والذي إن استمر سيكلف الخزينة مليون دينار يوميا لتوليد الكهرباء بالاعتماد على الوقود الثقيل. وبينما تعمل الهيئات الحكومية مع القطاع الخاص لاستعادة زخم النشاط السياحي بعد أزمة الحرب على غزة، يخشى المعنيون من أن استمرار الصراع بين إيران وإسرائيل سيقوض هذه الجهود ويعيدنا إلى نقطة الصفر، بكل ما يترتب على ذلك من خسائر للاقتصاد الوطني.
ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، إنما يمتد ليشمل قطاعات كثيرة تتأثر بشكل مباشر في حالة عدم الاستقرار في المنطقة، ناهيك عن ما تمثله حرب الصواريخ في سماء الأردن من أخطار أمنية مباشرة على حياة الناس.
جميع دول المنطقة التي تطمح للاستقرار بعد سنوات طويلة من عدم الاستقرار الإقليمي، تشاطرنا نفس القلق، وربما هناك دول أقرب لدائرة الصراع، مهددة بمخاطر أعلى جراء توسع دائرة الحرب.
إسرائيل المتمردة في هذا الإقليم، هي فقط من تريد تأمين مصالحها عبر الحرب والعدوان، حيث يتباهى قادتها بخوض الحرب على عدة جبهات في نفس الوقت.
صحيح أن الهدف الأسمى في مثل هذه الفوضى وغياب القواعد الناظمة للعلاقات الدولية، هو حماية أمن الأردن واستقراره، والنأي به عن دائرة الصراع. لكن هذا الموقف على أهميته، قد لا نتمكن من تثبيته، إذا ما توسعت دائرة المواجهة واستمرت لمرحلة أطول. ولهذا تكتسب الجهود الدبلوماسية الجارية حاليا أهمية استثنائية، ولا بد من مضاعفتها، خاصة على الساحة الأميركية، حيث مركز التأثير الأكبر على قادة إسرائيل المهووسين بالخيار العسكري.
لا يمكن لمنطقتنا أن تتحمل هذا القدر من الضغوط، فقد تحملت الكثير خلال السنتين الأخيرتين، وإذا ما استمر الوضع الحالي، فإن الانفجار الكبير قادم لا محالة.