عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    24-Nov-2025

«اللعبة الصفرية»: الأردن وإسرائيل!*محمد أبو رمان

 الدستور

لا تحمل تصريحات وزير الطاقة الإسرائيلي، إيلي كوهين، التي ادّعى فيها أنّه «لا حاجة لإقامة دولة فلسطينية لأنّ الدولة قائمة فعلاً في الأردن الذي يضم غالبية فلسطينية»، أيّ عنصر قلق إضافي أو جديد لصانع القرار في عمّان. فالعلاقة الأردنية–الإسرائيلية تجاوزت منذ سنوات طويلة ذلك المستوى التقليدي من الخطاب الدعائي المنتمي إلى اليمين الإسرائيلي–الصهيوني. كما يدرك صانع القرار الأردني أنّ هذا اليمين، بقيادة بنيامين نتنياهو، بات يمثّل المركز السياسي الحاكم في إسرائيل، وأنّ أي رهان على ظهور تيار إسرائيلي أكثر اعتدالاً أو واقعية يقبل بفكرة الدولة الفلسطينية لم يعد قائماً في المدى المنظور.
 
وبالرغم من أنّ حرب الإبادة التي شنّتها إسرائيل في غزة شكّلت المنعرج الحاسم في القطيعة السياسية الأردنية–الإسرائيلية، ودفنت رمزياً وسياسياً ما تبقّى من أحلام السلام الإقليمي المبني على حل الدولتين، فإنّ الأزمة لم تبدأ من هناك. فقد سبقت الحرب بسنوات طويلة، وتحديداً منذ اغتيال إسحاق رابين، وبلغت ذروتها مع هيمنة نتنياهو ومجموعته على مراكز القرار السياسي، ثم امتدت لاحقاً –بحسب القراءة الأردنية– إلى السيطرة على المؤسستين الأمنية والعسكرية، بحيث باتت إسرائيل اليوم في قبضة اليمين المتطرف بصورة شبه كاملة.
 
ومن غير المستغرب، والحال هذه، أن يتصاعد الخطاب الدبلوماسي الأردني ضد السياسات الإسرائيلية على نحو غير مسبوق، وصولاً إلى مستوى يبدو بلا عودة. فخطابات الملك المتتالية حملت إشارات واضحة إلى هذا التحول، بينما جاءت المقابلة الأخيرة مع إذاعة «بي بي سي» لتشكّل نقطة فاصلة، إذ أعلن الملك صراحة أنّه لا يثق بأيّ كلمة يقولها نتنياهو، في موقف حاسم ونادر في المنطقين السياسي والدبلوماسي. وزاد على ذلك وصف الحكومة الإسرائيلية بأنها حكومة «متطرفة»، وهو وصف أصبح جزءاً ثابتاً من القاموس الدبلوماسي الأردني. وجاءت الإدانة الأخيرة لزيارة نتنياهو إلى سوريا برفقة عدد من وزرائه المتطرفين لتؤكد أنّ هذا النهج بات خياراً ثابتاً لا عابراً.
 
هذه المواقف الأردنية الحادة ليست تعبيراً عن ردود فعل ظرفية أو اعتراضات سياسية عابرة. فالأردن ظلّ لعقود متمسكاً بخيار حلّ الدولتين، والتسوية السلمية، والاعتدال السياسي كرهانات استراتيجية. لكن من الواضح أنّ قناعة جديدة ترسخت مؤخراً مفادها أنّ الحلول السلمية والعلاقات الدبلوماسية لم تعد أدوات فعالة في التعامل مع إسرائيل الحالية، وأنّ التعويل على مسار سياسي عقلاني أصبح أقرب إلى الوهم منه إلى السياسة الواقعية.
 
وتتغذّى على هذه القناعة قناعةٌ أخرى لا تقل خطورة، تتمثّل في أنّ غياب أي أفق حقيقي للحل السياسي يعني دخول المنطقة في مرحلة طويلة من التوتر والتهديد المستمرين. فحكومة نتنياهو وسياسات اليمين الإسرائيلي تشكّل، في نظر عمّان، تهديداً مباشراً للأمن القومي الأردني، بل للاستقرار السياسي الداخلي. فالبديل الذي يدفع نحوه هذا اليمين، والمتمثل في ضمّ الضفة الغربية، وتحطيم ما تبقى من السلطة الفلسطينية، لا يفضي إلا إلى سيناريو التهجير القسري أو الناعم، وتحويل المدن الفلسطينية إلى كانتونات معزولة، ثم دفع الفلسطينيين –خصوصاً من حملة الوثائق الأردنية– باتجاه الأردن.
 
وإذا أضفنا إلى ذلك السياسات الإسرائيلية ما بعد 7 أكتوبر، بما في ذلك التحول في العقيدة العسكرية نحو الهجوم والهيمنة الإقليمية، تتضح أبعاد التهديد المتزايد. فالتصرفات الإسرائيلية في الساحة السورية، وما تحمله من مخاطر تهدد الاستقرار هناك، تثير قلقاً أردنياً مباشراً بشأن الحدود الشمالية، وهو ما يشكّل مصدر تهديد إضافي لا يمكن تجاهله.
 
يبقى السؤال: هل يمكن أن تتحسن العلاقات الأردنية–الإسرائيلية إذا فشل نتنياهو في البقاء في الحكم بعد الانتخابات القادمة؟ قد يبدو ذلك ممكناً على نحو جزئي في حال صعود أحد قادة المعارضة، لكنّه يظلّ محدود الأثر على المدى المتوسط والبعيد. فالعلاقة بين الأردن والسياسات الإسرائيلية، بشقيها الأمني والسياسي، وصلت إلى مرحلة «اللعبة الصفرية»، حيث لا مساحة كبيرة للمناورة، ولا إمكانية حقيقية للعودة إلى مرحلة الثقة أو التعاون التقليدي، على الأقل في الأفق القريب.