الغد
ترجمة: علاء الدين أبو زينة
كارين كوياتكوفسكي* - (معهد رون بأول) 3/10/2025
يشعر الأميركيون العاديون بالقلق بشأن طبيعة علاقة القيادة بين الولايات المتحدة وإسرائيل. ثمة وعي متنامٍ بمسؤولية الولايات المتحدة عن المذبحة المموّلة والمسلّحة أميركيًا في غزة. في العام 1967؛ أي قبل أكثر من خمسين عامًا، أنشأ الإسرائيليون معسكر اعتقال مفتوحًا في الهواء الطلق في قطاع غزة، كان يضم 2.3 مليون إنسان بحلول العام 2023، وانخفض هذا العدد اليوم إلى نحو 1.5 مليون فقط، بعد أن قُتل الكثيرون من سكان مدينة غزة أو أُجبروا على الرحيل بالكامل. وأصبح الناجون من الفلسطينيين محشورين في منطقة صغيرة معسكرة بشدة في جنوب القطاع، بلا طعام أو ماء أو مأوى. ويأمل معظم الإسرائيليين أن يؤدي فصل شتاء ثالث، مصحوب بتفشّي الأمراض، إلى قتلهم جميعًا. كما أن بنيامين نتنياهو وحكومته القاتلة في حالة حرب أيضًا مع سبعة أو ثمانية أعداء آخرين، يوجهون الضربات العسكرية العشوائية وينفذون الاغتيالات في مختلف أنحاء المنطقة -وربما العالم- بينما يزعمون أنهم يحظون بدعم كامل من الحكومة الأميركية.
تلقت حملة ترامب الانتخابية التمويل من مجموعة من الصهاينة اليهود الذين قامروا على أساس أن "ترامب في اليد خير من اثنين من المحافظين الجدد على الشجرة". ونجد قلّة من المحافظين الجدد في واشنطن اليوم والذين قد يمتدحونه؛ معظمهم، مثل قادة فريق تشجيع حرب العراق، ديفيد فروم وبيل كريستول، يعبرون عن احتقار صريح له.
لطالما كان المنتقدون للمحافظين الجدد يوصمون بمعاداة السامية، واليوم يمكن القول إن ترامب أكثر تجسيدًا لأيديولوجيا المحافظية الجديدة من المفكرين والساسة الأصليين الذين تبنّوا بفخر خطة نتنياهو ذات الأعوام الخمسة والعشرين لإقامة "إسرائيل الكبرى"، وعملوا من أجل خوض "حروب البوتيك" الأميركية وحملات تغيير الأنظمة للمساعدة على تنفيذ مشروع حزب الليكود المسمى "الانفصال النظيف".
ربما يفهم ترامب تفاصيل أيديولوجيا المحافظين الجدد وتعقيداتها وربما لا يفعل؛ فهو أقرب إلى رجل العلاقات منه إلى رجل الفكر. لكن لديه مدربًا اليوم في شخص نتنياهو، وقد غيّرت زيارات بيبي الأربع الشخصية إلى البيت الأبيض، إلى جانب المكالمات الهاتفية العديدة، ترامب بطرق واضحة يمكن ملاحظتها.
أول هذه التحولات وأكثرها وضوحًا هي أن ترامب لم يعد قادرًا -لأسباب تتعلق بشخصيته، أو بالمال أو بالابتزاز، أو بالخوف البسيط من الاغتيال- على فرض نفسه في مواجهة بيبي. وعلى الرغم من الصورة الأخيرة لنتنياهو وهو يؤدي قراءة قسرية لاعتذار لأمير قطر، فإن العلاقة بين زعيم لتسعة ملايين إسرائيلي وزعيم لثلاثمائة وأربعين مليون أميركي تشبه علاقة المدرب باللاعب، أو القائد بالتابع، أو الرئيس بمستشاره المطيع. سوف يقوم ترامب في مناسبات عديدة بإهانة وتهديد دول أخرى، وموظفين في إدارته، وأعضاء في الكونغرس من الجمهوريين والديمقراطيين، وعمداء مدن وحكام ولايات، بل ورؤساء سابقين، لكنه يكون شديد التهذيب واللين في حضرة بيبي.
التحول الثاني، الذي يصبح أكثر وضوحًا باطراد، هو افتتان ترامب المتنامي وهوسه بالحرب بقدر افتتانه -أو حتى أكثر- بالسلام. قد يرى الأميركي العادي الحرب كغياب للسلام، أو لفشل السلام، أو في أحسن الأحوال كضرورة مؤقتة للعودة إلى السلام. وينبغي أن يكون هذا متوقعًا: إننا لم نخض حربًا على أرضنا منذ العام 1861، وبالنظر إلى أن "الشمال" هو الذي انتصر، فإننا نادرًا ما نسمع عن الحرق الوحشي لوادي شيناندواه كما حدث في العام 1864 على يد الجنرال فيليب شيريدان، أو عن "المسيرة الدموية" للجنرال شيرمان من أتلانتا إلى البحر، وكلاهما جاء بأوامر من الرئيس المستقبلي يوليسيس غرانت. أما الإسرائيلي العادي، فيرى في مثل هذه الحروب والصراعات حالة طبيعية. بالنسبة لإسرائيل، بالمعاني العملية، الحرب هي السلام.
لقد وعد ترامب بإنهاء الحروب، لكن بعد تلقيه "تدريب" بيبي، أصبح يعلن الآن جهارًا الحرب الشاملة على أعدائه الخارجيين والداخليين على حد سواء. باسم "السلام"، واصل ترامب تسليح كلٍّ من أوكرانيا وإسرائيل في اثنتين من أكثر حروب القرن الحادي والعشرين دمويةً وعدميةً. وعلى الرغم وعوده بوقف المساعدات لأوكرانيا -وبذلك إنقاذ الأوكرانيين من الموت والتضحية بوطنهم نفسه في سبيل "ناتو" فاسد ومفلس وعبثي- فإنه أصبح يلمح اليوم إلى تزويدهم بصواريخ "توماهوك" متوسطة المدى، وأكثر بكثير، طالما كان "الناتو" يدفع ثمنها. وعلى الرغم من وعوده بتقليص هدر وزارة الدفاع، يفاخر بإقرار أول ميزانية "دفاعية" تتجاوز تريليون دولار، ويطالب بتغيير اسم الوزارة إلى "وزارة الحرب". وكل ما يحتاجه بيبي في غزة -من سلاح أو أموال أو "خطط سلام" خالية من الفلسطينيين- فإن ترامب يقدمه بلا تردد.
بدلًا من حديث السلام، أصبح ترامب يبدو أكثر وأكثر أشبه بـ"بيبي مصغّر"، مركّزًا على الأعداء في الداخل والخارج، محذرًا من "أميركا" في خطر دائم، وفي حرب دائمة، محاطة بتهديدات قاتلة ولا عقلانية إلى حد متطرف والتي لا يمكن التعامل معها إلا بالقوة الساحقة. وكما قال للجنرالات: "هم يبصقون، ونحن نضرب".
أما التحول الثالث، فهو الأشد إزعاجًا وإثارة للقلق، وهو تبنّي ترامب متزايد الوضوح لازدراء بيبي لـ"الآخر"، سواء كان خصمًا سياسيًا، أو أتباع ديانات وثقافات بأكملها، أو ببساطة من يختلف معه في الرأي. حُكام الولايات الذين يرفضون السيطرة الفيدرالية للحرس الوطني في ولاياتهم لفرض قرارات واشنطن أصبحوا يعامَلون كأعداء داخليين، غير أكفاء ويستحقون السجن. ووسائل الإعلام، سواء كانت مستقلة أم رسمية، التي تنتقد ترامب أو تسخر منه، توصف بأنها "غبية وكاذبة ومزيفة". والمهاجرون غير الشرعيين أصبحوا وحدات غزو عسكرية؛ والحكومات التي لا توافق على سياسات ترامب أو تستنطقها هي خاسرة وغير شرعية. وليس الأمر مجرد "تراشق بالألفاظ" يمكن تفسيره على أنه استعراض "رجولة أميركية"، بل هو تصعيد متزايد في تجريد الخصم من إنسانيته على مستوى الفكر واللغة. ومن المعروف أن خطاب الكراهية وعدم التسامح -سواء الآتي من اليسار، حيث نراه اليوم في أوضح صورة، أو من اليمين- يمهد للحروب. إن اللغة هي خادم الحرب الأمين. ومن المثير للاشمئزاز والمقلق معًا أن تصبح هذه هي اللغة اليومية للرئيس، الذي ينبغي أن يكون واجبه الأول والوحيد هو حماية "الجمهورية" و"الدستور" الذي يديمها.
ومع ذلك، فإن اللغة المتعجرفة والمسيئة التي تجرد الآخر من إنسانيته هي بالضبط ما يستخدمه نتنياهو وكادره السياسي، بل و80 إلى 90 في المائة من الإسرائيليين في وصف غير الصهاينة، حتى عندما يكونون يهودًا. كانت هذه هي اللغة التي خاطب بها نتنياهو الجمعية العامة للأمم المتحدة في اجتماعاتها، قاعة شبه فارغة، غاضبًا، عاجزًا، ويقطر بالازدراء. جرد من إنسانيتهم، واقتل بعنف أولئك الذين يقاومون قواعدك، ويقوضون حججك أو يختارون العيش بطريقة مختلفة؛ أولئك الذين يرفضون الانصياع لمطالبك، أولئك الذين يتمسكون بقوة بأديانهم بينما تفقد أنت دينك -يبدو أن هذا هو ما يعلّمه بيبي لرئيس الولايات المتحدة.
إن المدرب بيبي لا يتحكم في دونالد ترامب -بل إن الأمر أسوأ من ذلك بكثير. إن المدرب بيبي يُلهِم ترامب. إنه يشكل مثالًا لما يريد ترامب أن يكونه -ليس في مجرد القدرة على شنّ الحروب وضرب الأعداء في الداخل والخارج متى شاء، بل أيضًا في أن يكون، مثل رئيس الوزراء الإسرائيلي الذي حكم بشكل متقطع على مدى ثلاثين عامًا، زعيمًا "شعبيًا"، و"قائدًا قويًا".
كما أن معظم الصهاينة المسيحيين المحيطين بترامب يستلهمون نتنياهو هم أيضًا، والذين لم يصل أيٌّ منهم بعد إلى المكان الذي وصل إليه تشارلي كيرك، من حيث الشروع في إدراك الحقيقة الصعبة والمزعجة حول الدولة الإسرائيلية المهووسة والمجرمة. لكنهم سيفعلون.
لا ينبغي لرجل في الثمانين من العمر أن يحتاج إلى "مدرب أخلاقي" أو إلى "شخصية أبوية" تقوده. ينبغي أن تكون ثمانون عامًا من العيش كفيلة بأن تمنحه مناعة طبيعية ضد هذا النوع من التلاعب والإيحاء.
على رئيس "أميركا أولًا" أن يضع حدًا لعلاقته غير الصحية مع نتنياهو الآن، وأن يُصلح ما أفسده بالنسبة لكل أولئك الذين ألحق بهم الأذى سببها. من الأفضل أن يتعرض للإحراج -أو حتى للاغتيال على يد أتباع إسرائيل- اليوم من أن يُخلَّد في التاريخ بوصفه نتنياهو الأميركي، الرجل الذي أنهى أمته نفسها من خلال الحروب العبثية والغطرسة التي بلا أساس.
*كارين كوياتكوفسكي Karen Kwiatkowski: ناشطة ومعلقة سياسية أميركية، وهي عقيد متقاعد في سلاح الجو الأميركي، شغلت مناصب عدة، بينها ضابط ارتباط في البنتاغون وأدوار متنوعة في وكالة الأمن القومي. ومنذ تقاعدها، أصبحت من أبرز المنتقدين لتورط الحكومة الأميركية في حرب العراق.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: Coach Bibi Leaves a Mark